معركة سرت ترسم خريطة النفوذ في ليبيا

الخميس 18 يونيو 2020 02:15 م

تحول خط المعركة الرئيسي للحرب الليبية بين مليشيا الجنرال "خليفة حفتر" وقوات حكومة "الوفاق الوطني" المعترف بها دوليا، من ضواحي طرابلس إلى مدينة سرت (شمال وسط)، التي تقع في منتصف الطريق بين طرابلس وثاني أكبر مدينة في ليبيا وهي بنغازي.

منذ أبريل/نيسان 2019، حاول "حفتر"، دون جدوى، الإطاحة بحكومة "الوفاق" من طرابلس. وأخيرا، في مايو/أيار 2020، بمساعدة تركية، تم كسر حصار قوات "حفتر" لطرابلس.

 تحولت القوات والقبائل المحلية في طرابلس، التي كانت قد تعهدت في السابق بالولاء "لحفتر"، إلى النقيض وأيدت حكومة "الوفاق". وأوضح المتحدث باسم قوات "حفتر" أن انسحاب قواته بشكل عام من طرابلس هو بادرة حسن نية لتعزيز السلام. لكن في الوقت نفسه، اتهم قوى خارجية لم يسمها بتقويض ضمانات حكومة "الوفاق" بأن وحداتها العسكرية لن تتحرك أبعد من 60 كم من طرابلس في أعقاب انسحاب قوات "حفتر".

وفي 6 يونيو/حزيران، بعد لقاء "حفتر" في القاهرة، أعلن الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، وهو أحد الرعاة الرئيسيين لـ"حفتر"، عن مبادرة سلام لليبيا، بما في ذلك وقف إطلاق النار الذي بدأ في 8 يونيو/حزيران. لكن حكومة "الوفاق" أعلنت أنها لن تقبل بوقف إطلاق النار إلا بعد استعادة سرت وقاعدة الجفرة الجوية في وسط ليبيا.

كان الهجوم الأولي على سرت، في 6 يونيو/حزيران، من قبل قوات "الوفاق" غير ناجح. وشارك في القتال كل من الطائرات بدون طيار التركية وكذلك الصينية التي زودت بها أبوظبي قوات "حفتر". وحسب ما ورد، تم استخدام الطائرات المأهولة في معركة سرت والطائرات بدون طيار الهجومية، ولا سيما التركية الصنع والتي يتم تشغيلها من قبل الأتراك والذين بدأت دولتهم تلعب دورا بارزا بشكل متزايد في الحرب الليبية.

وقد تقرر نتيجة معركة سرت الترسيم المستقبلي لمجالات النفوذ في ليبيا.

تطور الصراع الليبي إلى حرب بالوكالة، حيث دعمت تركيا وقطر والجزائر وتونس وإيطاليا حكومة "الوفاق"، في حين دعمت مصر والإمارات وروسيا واليونان والسعودية وفرنسا "حفتر". كانت الولايات المتحدة أكثر  حيادية في هذه المعركة. لكن في مايو/أيار 2020، غيرت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (AFRICOM) هذه الصورة على ما يبدو بعد نشر ما يصل إلى 14 طائرة مقاتلة روسية من طراز "MiG-29" وقاذفات "Su-24" من القاعدة الجوية الروسية في حميميم في سوريا إلى القاعدة الجوية الليبية بالجفرة.

وأشارت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا إلى أن موسكو تخطط لنشر عسكري كبير في ليبيا، التي مزقتها الحرب ولديها خطط لإنشاء قواعد عسكرية دائمة. وقد نفت موسكو بشدة نشر أي طائرات تابعة للقوات الجوية الروسية في ليبيا.

وأشار رئيس لجنة الدفاع والأمن الجنرال المتقاعد "فيكتور بونداريف" إلى أنه "إذا كانت أي طائرات من طراز MiG-29 وقاذفات Su-24 موجودة بالفعل في ليبيا، فإنها ليست من أصول القوات الروسية، بل تتبع لعدد من الدول الأخرى، كما أنه وبموجب الدستور الروسي، يجب أن توافق القوات المسلحة على نشر القوات العسكرية في الخارج. لم يطلب الكرملين ولم يصرح المجلس الفيدرالي بأي قرار يسمح بنشر عسكري في ليبيا".

إن نوايا روسيا الشاملة في النزاع الليبي وطبيعة النشر المزعوم للطائرات الروسية إلى الجفرة غير شفافة. لقد مر أكثر من أسبوعين منذ ادعاءات القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا بنشر طائرات نفاثة روسية لدعم "حفتر"، لكن لم يتغير شيء بعد في النمط العام للقتال على الأرض: قوات  "حفتر" تتراجع، وقوات حكومة "الوفاق" تتقدم.

عندما تم نشر منصات الجيش الروسي وقوات الدعم في سوريا في سبتمبر/أيلول 2015، كانت النتيجة مختلفة تمامًا: تم عكس مسار الحرب الأهلية السورية، وهُزمت قوات المعارضة بشكل حاسم في نهاية المطاف من خلال القصف بلا هوادة.

يبدو أن لا شيء من هذا القبيل يحدث في ليبيا في الوقت الحالي. كما أن "MiG-29" مقاتلة خفيفة، تم تصميمها في السبعينيات وأُنتجت بكميات كبيرة في الثمانينيات لمواجهة القوات الجوية للولايات المتحدة وحلفائها. وهذه الطائرة ليست مصممة حقا للهجوم الأرضي. وتم نشر "MiG-29" في مناطق صراع متعددة في العقود السابقة، بما في ذلك ضد القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها في الحروب في العراق ويوغوسلافيا السابقة، وفي كل مرة لم تحقق نجاحا كبيرا. ولم ترسل روسيا مطلقا طائرات "MiG-29" إلى قاعدة حميميم الجوية، في الحرب السورية.

وفي ليبيا، يلزم قوات "حفتر" طائرات هجومية وطائرات هليكوبتر لوقف الهجوم، وليس طائرات "MiG-29".

أثبتت طائرات "MiG-29" خلال الحرب الروسية الجورجية القصيرة في أغسطس/آب 2008، أنها ليست جيدة في التعامل مع الطائرات بدون طيار الحديثة، التي تطير ببطء شديد وبسرعات لا يمكن أن تتطابق مع "MiG-29"، وبالتالي، فإن "MiG-29" ليست حاليًا طائرة مقاتلة مطلوبة في السوق العالمية. إذا كانت موسكو، في الواقع، تخطط لعملية توغل كبيرة في ليبيا، فإن طائرة "MiG-29" لن تكون الخيار الأول لها.

لقد واجه المجمع الصناعي العسكري الروسي بالفعل إذلالًا خطيرًا في ليبيا. ففي حرب الطائرات بدون طيار حول طرابلس، تم تعطيل حوالي 10 أنظمة مضادة للطائرات من طراز "بانتسير-إس1" الروسية الصنع بسبب الهجمات التركية التي قامت بها طائرات بدون طيار.

كانت موسكو تروج وتسوق لنظام "بانتسير-إس1" باعتباره أفضل نظام أسلحة مضاد للطائرات بدون طيار في العالم، لكن يبدو أن ذلك كان مبالغا فيه.

جاء هذا الفشل الذريع على رأس تقارير عن أنظمة الحرب الإلكترونية التركية (EW) التي تتفوق على الأنظمة الروسية في ليبيا بالإضافة إلى التقارير السابقة عن أنظمة "بانتسير-إس1" التي دمرتها الطائرات بدون طيار التركية في عملية "درع الربيع"، في محافظة إدلب السورية، في مارس/آذار 2020.

وألقى خبراء روس باللوم على مشغلي "بانتسير-إس1" العرب من مصر والإمارات، الذين تم تدريبهم من قبل متخصصين روس بعد أن باعتهم موسكو النظام. ويبدو أن تدريبهم لم يكن جيدا بما يكفي.

وهذه المرة، بدلا من محاولة تدخل عسكري مباشر رئيسي، تحاول موسكو على ما يبدو الترويج لاتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا، ربما يتبعه نوع من اتفاق تقاسم السلطة عبر المفاوضات مع تركيا.

وفي غضون ذلك، وفقا لبعض المصادر الموالية للكرملين، يمكن أن تكون موسكو مستعدة للتخلي عن "حفتر"، الذي يبلغ من العمر 76 عاما، ومن الواضح أنه ليس محبوبًا جدا داخل إدارة "فلاديمير بوتين". ويشير كل هذا إلى أن القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا ربما تكون بالغت إلى حد ما في حجم خطط موسكو في ليبيا.

المصدر | بافيل فيلغينهاور/جيمس تاون- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التنافس الأمريكي الروسي في ليبيا الأزمة في ليبيا التدخل العسكري في ليبيا

تركيا وروسيا وتداخل ملفّي سوريا وليبيا

السيسي: تجاوز سرت خط أحمر وتدخل مصر المباشر بات شرعيا

قوات الوفاق الليبية: تصريحات السيسي حول سرت إعلان حرب