نتنياهو يحاول تجنّب التحقيق في إخفاقات الحرب

الأحد 3 أغسطس 2014 06:08 ص

حلمي موسى - 02-08-2014

أديرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هذه المرة أكثر من أي شيء آخر على خلفية القناعة بأن لجنة تحقيق رسمية سوف تتشكل للبحث في الإخفاقات السياسية والعسكرية والإدارية التي وقعت فيها، فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو غير راضٍ عن أداء وزرائه، والشرخ بين الجمهور الإسرائيلي والمستوى الرسمي بلغ أشدّه، كما أن جدار العلاقات بين المستويين السياسي والعسكري تصدّع.

وبرغم استمرار تأييد الجمهور الإسرائيلي للحرب فإن الدعوات إلى تشكيل لجان التحقيق الرسمية والقطاعية تتزايد بشكل واسع. فمنذ أيام وكبير المعلقين السياسيين «معاريف الأسبوع» بن كسبيت يكتب عن 30 سؤالاً يعتبرها الأصعب في حرب «الجرف الصامد» والتي تحتاج إلى أجوبة.

وتبدأ هذه الأسئلة بالأنفاق ومدى علم الجيش بأمرها وكيفية تصرّف رئيس الحكومة وقيادة الجيش معها مروراً بالتقديرات الخاطئة حول سلوك حماس وماهية قيادتها وانتهاء بالإخفاقات الاستخبارية سواء في التقدير أم المعلومات عن قيادات حماس والصواريخ والأنفاق.

ويثير غضب كسبيت تكرار إسرائيل الحديث عن استغاثة حماس من أجل وقف النار، فيما كانت الأحداث تثبت يوماً بعد يوم عدم صحة هذا الكلام، ولكن بشكل لا يقل عن ذلك التفكير بما أصاب إسرائيل حتى تسمح بنشوء مثل جيش حماس «المنظم، المدرب والمسلح، المحصن والمتخندق والحازم، القادر على إطلاق مئات وآلاف الصواريخ على تل أبيب، القدس، ديمونا، هرتسليا، حيفا، وأن يغلق ثلاثة أيام مطار بن غوريون وأن يواصل إطلاق النار والقتال المرتّب طوال شهر في مواجهة كل جبروت الجيش الإسرائيلي».

وإذا لم يكن هذا كافياً فإن تدهور العلاقات مع الحليف الأميركي الأكبر وتحويل الرئيس الأميركي «باراك أوباما» من صديق إلى عدو أمر يضرب صميم المصلحة الوجودية للدولة العبرية.

ولكن كل هذا يتقزم أمام الشعور بأن حكومة إسرائيل لا تملك سياسة وأن حركة حماس والوضع الإقليمي يجرها حتى إلى مواقع لا تريدها في ظل تباعد دولي متزايد عن تأييدها.

وإلى جانب ذلك، تثار تساؤلات حول مدى خطأ نتنياهو وحكومته في التعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسدّ كل أفق للتسوية معه، وفي الوقت نفسه كان يسمح بتنامي قوة حماس. وما يخيف الإسرائيليين هو تآكل قدرتهم الردعية من ناحية وعجز جيشهم «الأقوى في المنطقة، والأكثر تطوراً في العالم، وقدرات السايبر والفضاء والرقمية وشدة نيران لم يسبق لها مثيل».

ويرون أنفسهم «يرجون منذ أسابيع وقفاً لإطلاق النار مع منظمة إرهابية تعاني من ضائقة وحصار منذ سنوات». ويزداد خوفهم عندما يعلمون أن عواقب ما يجري في غزة سوف تشجع آخرين، خصوصاً «حزب الله» وإيران على التجرؤ أكثر على إسرائيل.

وعرض المعلق السياسي للقناة العاشرة الإسرائيلية «رافيف دروكر» في مدوّنته عشرة أسئلة كان من بينها «هل سبق للحكومة الإسرائيلية أن ناقشت خلال خمس سنوات ونصف بعد حرب الرصاص المسكوب جدوى الحصار المفروض على غزة؟ وهل فكرت في عرض تجريد غزة من السلاح في مقابل رفع الحصار عن القطاع؟ وهل سبق للمسؤولين الأمنيين أن طالبوا نتنياهو بعدم الاعتراض على حكومة الوفاق الفلسطيني؟ وكيف كان كبار المسؤولين يتحدثون عن حرص حماس على التهدئة ولماذا انقلب الوضع؟ ولماذا لجأ الجيش إلى خطة "الجرف الصامد" وليس إلى خطط أخرى أعدّها الجيش؟ وما هي أسباب التلكؤ في معالجة خطر الأنفاق؟ وعلام اعتمد رئيس الحكومة ووزير الدفاع في تقديرهما بأن حماس ستوافق على المبادرة المصرية؟ وهل كانت الإهانة الإسرائيلية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري مقصودة؟»، وأسئلة عن إخفاقات الجيش ومواقف وزراء مثل ليبرمان وبينت وساعر ودوافعها الضيقة.

وقد أشارت «هآرتس» أمس، في افتتاحيتها بعنوان «مواضع خلل مقلقة في الجيش» إلى واقع أن «القتال المتواصل في غزة يكشف مواضع خلل مقلقة في الجيش الإسرائيلي، في الاستعداد للمعركة وفي شكل إدارتها. وبينما يعرّض الجنود والقادة في الميدان حياتهم إلى الخطر، بل ويضحون بأنفسهم للدفاع عن الدولة، يبدو أن قيادة الجيش، بقيادة رئيس الأركان بيني غانتس، اعتادت أن ترى في زيادة الميزانيات حلاً لكل مشكلة، واستخدام قوة نار كبيرة لتنفيذ خطط عملياتية نموذجية ومتوقعة مسبقاً. في الاستعداد للحرب أمام عدو مصمم وقليل الميزانية كحماس، طورت قياداته العسكرية رداً على التفوق الجوي والاستخبارات المتطورة الاسرائيلية، امتنع الجيش الاسرائيلي عن الحيل والمفاجآت، واستند أساساً إلى سلاح الجو، في ظل إهماله للقوات البرية والوحدات الخاصة».

وبديهي أن هذه الانتقادات للجيش في الظروف الراهنة هي مجرد طرف جبل الجليد في كل ما يتعلق بالجيش والحكومة على حد سواء. فالافتتاحية تتحدّث عن «إخفاق الاستخبارات في اكتشاف منظومة القيادة والتحكم لدى حماس، والعثور على مكان اختباء قادتها. يتباهى كبار قيادات الجيش الاسرائيلي بالايام الاولى من الجرف الصامد بإنجازات هائلة، بالضربة القاضية لحماس، بمؤشرات الانكسار للعدو. ولكن (القائد العام لكتائب القسام) محمد ضيف ورجاله يواصلون التحكم بقواتهم، إطلاق الصواريخ على اسرائيل والهجوم على قوات الجيش الاسرائيلي حتى في الاسبوع الرابع من المعارك».

وشددت الافتتاحية على أنه في ظل غياب المعطيات الاستخبارية اختار الجيش استخدام النيران الكثيفة ضد المناطق المأهولة وتعريض المدنيين للقتل والتشريد ما يزيد الكراهية لاحقاً بين الشعبين.

ويشير «شمعون شيفر» في «يديعوت» إلى أن صبر أميركا تجاه العملية العسكرية في غزة نفد، وأن الأحاديث بين المسؤولين صارت عدائية للغاية والأميركيون يشهرون بطاقة حمراء لإسرائيل.

واستذكر حديث وزير الدفاع الأميركي «تشاك هايغل» مع نظيره الإسرائيلي موشي يعلون وتحذيره له من المسّ بالمدنيين الفلسطينيين. ونقل شيفر عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن وزارة الدفاع الأميركية هي التي سربت أمر فتح مخازن طوارئ الذخيرة الأميركية بعد طلب إسرائيلي في محاولة لإحراج المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

وقال إن ذلك، تمّ للتلميح لإسرائيل أن الولايات المتحدة قد توقف نقل الذخائر في المستقبل إذا تبين أن إسرائيل لا توقف الحملة البرية. وأعرب المصدر السياسي عن تساؤل وجّه لوزارة الدفاع – كيف انه بعد اسبوعين من القتال تطلب اسرائيل وسائل قتالية. ويخلص إلى أن إدارة أوباما قررت «نزع القفازات» تجاه نتنياهو والتعامل معه في المستقبل من دون الكياسة المتبعة في العلاقات بين الحلفاء. ومن شبه اليقين أنه في أعقاب واشنطن ستسير دول أخرى.

وقد كتب «ناحوم بارنيع» في «يديعوت أحرونوت» أن «الضباط في مقر هيئة الأركان في تل أبيب ارتدوا ملابس العمل العسكرية، وهم يعلمون أنه يوم يتوقف إطلاق النار في الجنوب فسيبدأ إطلاقها في تل أبيب والقدس. وسيبدأ الجدل في الأنفاق – ماذا علمتم وماذا لم تعلموا، وماذا فعلتم وماذا لم تفعلوا. وسيبدأ الجدل في نتائج العملية وفي إنجازاتها وفي إخفاقاتها. وهم يعلمون ماذا سيحدث في مكاتب الساسة، فهناك من يجمع وهناك من يطرح. وقد بدأ جمع المعلومات وربما الطرح أيضاً».

ولاحظ بارنيع أن «النقاشات التي من شبه المؤكد ستبدأ في الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي ستنحصر في عدد من القضايا. هل كان ينبغي أن ننتظر عشرة أيام حتى بدء العملية البرية أم كان يُفضل السبق ودخول غزة؛ وأي من القصف وإطلاق القذائف أجدى على تنفيذ المهمة وأيّهما أضرّ بها؛ وما الذي تعلمه (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله من العملية، هل تعلّم أن المستقبل كامن في الأنفاق لا في القذائف الصاروخية، وهل أثرت فيه قوة الضرر الذي سببه القصف للطرف الآخر، وهل أسهمت العملية في غزة في الردع في لبنان أم قلّصته؟».

وبحسب بارنيع فإن «رئيس الحكومة سيقترح بعد أن تنتهي العملية على مراقب الدولة أن يفحص سلوك المجلس الوزاري الأمني المصغر أثناء القتال. وسيصف المكتب هذا العمل بأنه شهادة على شفافية رئيس الوزراء وعلى ثقته بنفسه وعلى فروسيته. إن التوجّه الى مراقب الدولة هو اختراع جُرّب بنجاح في حكومات سابقة وهو يرمي إلى إحباط إنشاء لجنة تحقيق».

  كلمات مفتاحية