استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الربيع الأميركي: الشر الآتي من الشرق

الجمعة 26 يونيو 2020 06:51 م

الربيع الأميركي: الشر الآتي من الشرق

"نظام عالمي جديد" يعطي انطباعا زائفا ومضللا أننا نتجه نحو نقطة الانهيار الشامل التي ستقودنا إلى شفير حرب شاملة!

«إن القدر المحتوم للإمبراطوريات الآسيوية أن تخضع للأوروبية، وسوف تضطر الصين في يوم من الأيام أن تستسلم لهذا المصير»

قدرية مستحكمة في السياسات الأميركية تصنع جغرافيا سياسية مستقبلية ستسمح بتعاظم الدور الصيني الروسي مستقبلاً ورسم ملامح نظام عالمي جديد.

هيمنت عقائد نهاية العالم على تحولات جيوسياسية معاصرة بعيداً عما في العلاقات الدولية من مقاربات اقتصادية تبرز الوجه الظاهر لخلفية الصراعات السياسية.

*     *     *

إذا أردنا أن نفهم ما يقع من تحولات جيوسياسية في ما يسمى النظام العالمي الجديد، فعلينا أن نعيد قراءة هيغل من جديد، كخلفية نظرية للتاريخ المعاصر، ونتأمل النبوءات الدينية لليمين المسيحي الصهيوني.

فمقولة هيغل في كتابه «العالم الشرقي»: «آسيا هي بداية التاريخ وأوروبا هي نهايته»، وقوله: «إن القدر المحتوم للإمبراطوريات الآسيوية أن تخضع للأوروبية، وسوف تضطر الصين في يوم من الأيام أن تستسلم لهذا المصير»، تُعطي انطباعاً جيداً عن فكرة النهايات Apocalypses!

وتفسر الصعود اللافت لنزعة العداء للصين والخطر الآتي من الشرق، كما قد تعطينا تفسيراً مقنعاً للتحالف الصيني الروسي، وبروز الإمبراطورية «الأوراسية» كما يسميها منظّرها والعقل الموجّه لبوتين- ألكساندر دوغين.

من يقرأ ما كتبه هال ليندسي في كتابه «كوكب الأرض القديم الرائع»، الذي يعتبر الصين وروسيا هي «يأجوج ومأجوج» حسب النبوءة التوراتية، وأن تحالفهما بمثابة الإعلان عن الحرب الشاملة «النووية أو البيولوجية».

إن هذه العقائد هيمنت بشكل كبير على التحولات الجيو-سياسية في العالم المعاصر، بعيداً عن ما ألفناه في العلاقات الدولية من مقاربات اقتصادية تبرز الوجه الظاهر لخلفية الصراعات السياسية «العولمة الاقتصادية/الهيمنة على السوق العالمي».

وإننا نعتبر أن جائحة «كورونا» ولغة التصعيد في حدة المواجهة مع الصين وروسيا، وما يعتمل في أميركا من فوضى، كل ذلك بمثابة لحظة إعلان عن هذا النظام العالمي الجديد، الذي يعطي الانطباع ولو بشكل زائف ومضلل، أننا نتجه نحو نقطة الانهيار الشامل، التي ستقودنا إلى شفير حرب شاملة.

إن السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذه الفرضية: ما علاقة ما يقع في العالم بالربيع الأميركي؟!

يمكن أن نلتمس الإجابة من بعض النبوءات التي تربط بين السياسات الخارجية وانهيار أميركا، فقد اعتبر إيمانويل تود أن الإمبريالية الأميركية شبيهة بالمدّ الأثيني، أي أنها استندت إلى العداء للاتحاد السوفييتي كما استندت أثينا للفرس في امتدادها.

بمعنى أن الهيمنة العسكرية والتحالفات السياسية، وكل الحروب التي قادتها أميركا مرتبطة بالشر الآتي من الشرق، وتظل الجغرافيا السياسية هي المحدد لمصير التوازن الدولي والعلاقات بين الدول، بدل الصراعات الاقتصادية كما قد يحاول إقناعنا البعض.

والدليل الذي يقدمه تود هو أن مجمل هذه الحروب والصراعات لم تعد بالنفع على البنية الاجتماعية للمجتمع الأميركي، بل استنزفت ثرواتها وأثرت في رفاه المواطن الأميركي.

يبدو أن تفسير النزوع لاستعمال «القوة الصلبة» في السياسات الخارجية الأميركية «التدخل العسكري، الحصار الاقتصادي،...»، عكس استراتيجية الصين التي تستعمل دبلوماسية الهيمنة السائلة «المساعدات والاستثمارات الاقتصادية»، له تفسير ديني/عقائدي، لأنها كانت دائماً تبحث عن الطرف الثاني في معادلة الحرب الشاملة، والتي حددتها النبوءة السياسية في «الصين وروسيا والمسلمين...».

لذا فالجغرافيا السياسية أهم بكثير من المنافع الاقتصادية، إن ما أنفقته أميركا على الحروب غير مبرر بالمنطق الاقتصادي، ولعل التفوق الصيني اقتصادياً يرجع للسبب ذاته، ولكن الخلفية الثاوية وراء العقل السياسي المهووس بفكرة النهايات وفكرة الحرب الشاملة، هي الدفع بالنظام الدولي إلى تحقيق معادلة أطراف المواجهة.

ومن المُرجّح أن تكون أميركا وراء هذا التشكل للحلف الصيني الروسي التركي، الذي يحدد قوى الشر كما حددتها النبوءة «الصين والروس والمسلمين واليهود».

ولعل الوتيرة السريعة لاكتمال تشكل الدولة اليهودية «الكيان الصهيوني»، وتفكيك الاتحاد السوفييتي سابقاً واستبداله بما يسمى الآن الامبراطورية الروسية «الأوراسية»، فضلاً عن الاستفزازات المتتالية للصين، وربما تكون «كورونا» إحداها.

وكلها مؤشرات تدل على حرب على الأبواب، ونهاية مأساوية لقوة عظمى ستكون قرباناً لمحرقة «الأرمغدون»، إن هذه القدرية المستحكمة في السياسات الأميركية هي التي تصنع الجغرافيا السياسية المستقبلية، التي ستسمح لتعاظم الدور الصيني الروسي مستقبلاً ورسم ملامح النظام العالمي الجديد، وقد تكون وراء التكتلات الإقليمية والتحالفات الدولية، وأبعاد الصدام الجيوسياسي بين الأوراسية والأطلسية في جورجيا وأوكرانيا وسوريا.

كما أن هذه القدرية ربما هي التي تفسر رعونة ترمب وإفلاس النسق السياسي الأميركي، لأن هذا الاختيار هو الذي يسمح برسم كل هذه الملامح، وتسريع خطواتها حتى تتوافق مع اللحظة التاريخية التي سترهن العالم في فوضى عارمة تحضيراً للخلاص العظيم «مجيء المسيح»!

لقد برر هيغل الأفعال التاريخية الشنيعة للحكام، حيث جعلها مساراً طبيعياً كان لا بد للروح أن تتخذه في طريق تحقيق أهدافها، وربما هو المبرر نفسه الذي يتخذه اليمين المسيحي للتسريع بالحرب المقدسة ونهاية العالم.

* د. سعيد العلام كاتب وباحث في العلوم السياسية

المصدر | العرب القطرية

  كلمات مفتاحية