هذا ما أظهره أول شهر من إعادة فتح الدول خلال كورونا

الأحد 28 يونيو 2020 03:51 م

عاش جزء كبير من العالم في الأشهر القليلة الماضية، تحت قيود غير مسبوقة بسبب أزمة "كورونا"، وفرضت 137 دولة على الأقل عمليات إغلاق جزئي أو كلي لإبطاء انتشار الفيروس، وقامت 141 دولة بتقييد السفر الداخلي، وأغلقت 169 منها على الأقل المدارس.

وكان لهذه التدابير تأثيرات ساعدت على الحد من انتقال العدوى وتخفيف الضغط على أنظمة الرعاية الصحية، بالرغم من إصابة أكثر من 10 ملايين شخص ووفاة أكثر من 500 ألف بسبب الوباء، فمن المرجح أن تكون هذه الأرقام أعلى بكثير إذا لم تتواصل الإجراءات.

لكن الكثير من العالم بدأ الآن عملية إعادة الفتح، بالرغم أن انتشار المرض مستمر في التسارع في العديد من الأماكن، وقد سجلت الولايات المتحدة أكبر مجموعة من الإصابات الجديدة في يوم واحد هذا الأسبوع، مع قيام العديد من الولايات بالمضي قدمًا في خطط إعادة فتح اقتصاداتها.

إن هذه المرحلة الجديدة من الاستجابة للوباء محفوفة بالمخاطر، ولكنها حتمية، لا يمكن الحفاظ على القيود المشددة على حياة الناس إلى الأبد.

كان الهدف "تسطيح المنحنى" أي تجنب أعداد كبيرة من المرضى أكبر من طاقة المستشفيات وإعطاء الحكومات الوقت لتعزيز أنظمتها الصحية العامة.

ولكن عندما يتم تحقيق هذه الأهداف، يصبح من الصعب تبرير التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة لعمليات الإغلاق الممتدة، فلا عجب إذن أن يعاني الكثير من "إرهاق الحجر الصحي".

بالنسبة لبعض الناس، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن العودة إلى العمل هي مسألة حياة أو موت.

بالنسبة للآخرين، خاصة في الولايات المتحدة، اتخذت القضية بعدًا حزبيًا، مع احتمال أن يعارض الجمهوريون القيود المتعلقة بالفيروس أكثر من الديمقراطيين، وما يزيد من تعقيد الصورة الاحتجاجات التي اندلعت في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى في أعقاب وفاة "جورج فلويد".

لم تنته الموجة الأولى من الوباء بعد (ويمكن أن تكون الموجة الثانية في الأفق)، لكن عصر الإغلاق يقترب من نهايته، على الأقل في الوقت الحالي.

ولكن هذا لا يعني أن كل البلاد تسير الآن على نفس المسار، أو أن جميع استراتيجيات إعادة الفتح متماثلة، حيث إن البلدان التي تقدمت بحذر وحافظت على عمليات الإغلاق حتى تراجع التفشي وكانت أنظمتها الصحية جاهزة للتعامل مع الأزمة، كان أداؤها أفضل من تلك التي فتحت بسرعة وقبل الأوان.

وبالمثل، فإن تلك الدول التي اتبعت عمليات متدرجة وقابلة للعكس حققت نجاحًا أكبر في التعامل مع المفاجآت الحتمية، وبعبارة أخرى، فإن وقت وكيفية إعادة الفتح يساهمان في تحديد النتيجة بشكل كبير.

التوقيت المناسب

حافظت كل من أستراليا وألمانيا وهونج كونج ونيوزيلندا والنرويج على عمليات الإغلاق أو المبادئ التوجيهية الصارمة للتباعد الاجتماعي حتى انخفضت أعداد الحالات الجديدة إلى مستوى كانت فيه مخاطر عودة المرض منخفضة نسبيًا.

ومع استقرار المعدلات، تمكنت هذه البلدان من البدء في إعادة فتح المدارس والشركات والسماح للناس باستئناف حياتهم الاجتماعية، دون خطر كبير بأن يخرج الوباء عن السيطرة.

أما الأماكن التي أعادت فتح أبوابها بالرغم من زيادة أعداد الحالات، تسير على مسار أكثر إثارة للقلق. في البرازيل، على سبيل المثال، بدأ عدد من المدن الكبرى في إعادة الفتح هذا الشهر بالرغم من أن حالات الإصابة بالفيروس، والمرضى في المستشفيات، وأعداد الوفيات قد بلغت ذروتها.

ونتيجة لذلك، تجاوزت البرازيل 50 ألف حالة وفاة وهي في طريقها لتصبح أكثر البلدان تضرراً في العالم، وكذلك الولايات المتحدة، التي بدأت في رفع القيود التجارية وغيرها من القيود بالرغم من أن الحالات تتزايد في أكثر من نصف الولايات.

وفي حين أوقفت بضع ولايات إعادة الانفتاح مؤقتًا بعد أن شهدت طفرات في الإصابات الجديدة، تقدمت ولايات أخرى إلى الأمام بالرغم من العلامات المقلقة.

أدى إعادة الفتح في كل من البرازيل والولايات المتحدة، إلى طفرات في النشاط العام وهي وصفة لانتشار المرض دون ضابط.

 بالتأكيد، جزء من التحدي الذي يواجه الحكومات الفيدرالية الكبيرة مثل تلك الموجودة في البرازيل والولايات المتحدة هو أن بعض المسؤولية عن الصحة العامة تقع على الولاية والمستوى المحلي، ما يعني أن سياسات إعادة الفتح قد تكون غير متناسقة وحتى متناقضة في مواقع مختلفة.

لكن لا يعني ذلك أن النظام الفيدرالي غير مناسب لتنفيذ عملية إعادة فتح آمنة، والدليل على ذلك نجاح ألمانيا وكندا وأستراليا.

وتعتبر الدول التي عززت قدراتها على الاختبار والتتبع والعزل خلال فترة الإغلاق في مأمن أكبر نسبيا، وستساعد القدرة على اكتشاف الحالات الجديدة التي ستظهر حتمًا عند إعادة الفتح في الحد من تفشي المرض من جديد.

في أبريل/نيسان ومايو/أيار، اختبرت كوريا الجنوبية عشرات الآلاف من الأشخاص وقامت بتعقب شامل للاتصالات من أجل عزل مجموعة من الحالات في العاصمة سيول.

تمكنت ألمانيا أيضًا من الاستجابة بسرعة وفعالية لحالات التفشي الأخيرة المرتبطة بمصنع لتجهيز اللحوم والعديد من التجمعات الدينية.

وأظهرت الصين أنها تستطيع القيام بتدخلات عدوانية لمنع تفشي جديد للمرض حيث قامت الحكومة في الشهر الماضي  بإجراء 11 مليون اختبار في ووهان بعد اكتشاف حالات جديدة هناك، وفي وقت سابق من هذا الشهر أغلقت الكثير من مناطق بكين وبدأت اختبارات هائلاً من خلال التتبع بعد الكشف عن مجموعات جديدة من الحالات في العاصمة.

على النقيض من ذلك، أثبتت البلدان التي لم تعزز قدرتها على الاختبار والتتبع والعزل قبل إعادة الفتح أنها أقل قدرة على الاستجابة للتفشي الجديد للمرض، وتعتبر الولايات المتحدة والبرازيل في هذا القارب، وكذلك المملكة المتحدة، وبدرجة أقل، السويد، وكلاهما خففا القيود ونفذا خطوات لإعادة الفتح بالرغم من الأسئلة العالقة حول قدرتهما على تحديد حالات التفشي واحتواء المرض.

خطط مرنة ورسائل واضحة

لا يتعلق كل شيء بالتوقيت والتحضير فالمرونة والرسائل العامة مهمة أيضًا، لقد تعلم العلماء ومسؤولو الصحة العامة الكثير عن المخاطر المرتبطة بهذا الفيروس على مدى الأشهر الستة الماضية، ولكن لا تزال هناك شكوك كبيرة.

ونتيجة لذلك، كانت الدول التي اتبعت مناهج أكثر تحفظًا ومنهجية لإعادة الفتح أكثر قدرة على إيقاف أو إعادة ضبط سياساتها عندما تواجه حالات تفشي جديدة من تلك التي خففت جميع إجراءاتها الوقائية في وقت واحد.

ولهذا السبب، يوصي خبراء الصحة العامة بإعادة الفتح على مراحل، بدءًا من المناطق والأنشطة الأقل خطرًا والتحرك تدريجيًا نحو تلك الأكثر خطورة.

تمكنت الحكومات التي لديها قدرات التتبع من مراقبة آثار سياسات إعادة الفتح أثناء تنفيذها، ما مكنها من الانتقال إلى المرحلة التالية من إعادة الفتح.

ولكن البدء في المرحلة الثانية قبل التأكد من النتائج أشعل موجة أخرى من العدوى في أماكن أخرى، تحركت ألمانيا بحذر في إعادة الفتح وقد وصلت الآن إلى النقطة التي يمكن لجميع المحلات التجارية خدمة العملاء فيها، ويمكن لعب مباريات كرة القدم، ورفع قيود السفر الداخلية.

قام القادة في ألمانيا وأيرلندا ونيوزيلندا وسنغافورة على وجه الخصوص بعمل نموذجي في التواصل مع الجمهور، من غير المستغرب أن تتمتع هذه البلدان بمعدلات عالية من الامتثال لسياسات الإغلاق وإعادة الفتح، ما يعزز فعاليتها.

وعلى النقيض من ذلك، كانت الرسائل العامة من القادة في البرازيل والولايات المتحدة غير متناسقة بل قد أدت إلى نتائج عكسية، ما ساهم في ارتباك واسع النطاق حول فائدة الأقنعة، على سبيل المثال، وتقويض الامتثال للمبادئ التوجيهية الرسمية.

تجربة في الوقت الحقيقي

لقد مر أكثر من شهر منذ أن بدأت العديد من البلدان في إعادة الفتح، وليس هناك ما يشير إلى أن رفع عمليات الإغلاق قد حفز ظهور "كورونا" بشكل كبير في معظم الأماكن، بالرغم من أن عدد الحالات الجديدة لا يزال ينمو في أجزاء كثيرة من العالم التي لم تسيطر على التفشي الأولي للمرض.

لقد أظهرت البلدان التي أغلقت أبوابها لفترة كافية، ودعمت أنظمتها الصحية العامة، واقتربت من إعادة الفتح بمرونة ورسائل واضحة، أن العودة إلى الحياة اليومية ممكنة، لكن نجاح هذه البلدان طغى عليه جزئياً دول أخرى، مثل البرازيل والولايات المتحدة، التي سارعت إلى إعادة الانفتاح دون الكثير من التحضير وتدفع الآن ثمناً باهظاً.

لا تواجه البلدان التي كانت متهورة في نهجها لإعادة الفتح حالات تفشي داخل حدودها فحسب، بل من الممكن أن تشكل مخاطر غير مباشرة على الدول التي أدارت عمليات إعادة الفتح بشكل أكثر مسؤولية، نظرًا للطبيعة العالمية لهذا الوباء.

ولكن حتى البلدان التي تعيد الانفتاح بحذر وبكل القدرات الصحيحة من المرجح أن تشهد المزيد من التفشي وقد تواجه "موجة ثانية" مخيفة عاجلاً أم آجلاً.

إن اليقظة وتعزيز الحماية للضعفاء والمرونة في مواجهة عدم اليقين ستكون ضرورية لأشهر - وربما لسنوات - قادمة.

وحتى أفضل الخطط لإعادة الفتح يمكن أن تصطدم مع حقائق غير متوقعة على الأرض، كما كان الحال مع الاحتجاجات التي قلبت أوامر البقاء في المنازل والمبادئ التوجيهية للمسافة الاجتماعية في البلدان حول العالم.

المصدر | جوش ميشود وجين كيتس | فورين أفيرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خسائر كورونا تداعيات كورونا تخفيف قيود كورونا

إصابات كورونا تتجاوز 2.5 مليون بأمريكا.. وولايات تشهد توحشا للفيروس