استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ليبيا: ضغوط دولية لحرمان "الوفاق" من قطف ثمرة انتصارها

الأحد 28 يونيو 2020 05:40 م

ليبيا: ضغوط دولية لحرمان "الوفاق" من قطف ثمرة انتصارها

رغم النجاحات التي حققتها قوات حكومة "الوفاق" يرجح أن الصراع لن يُحلَ عسكريا!  

يضع الأمريكيون حاليا خطوطا أمام دور تركيا لئلا تستحوذ على القسم الأكبر من أوراق اللعبة.

إذا كان الحل غير ممكن دون تركيا سيكون للفرنسيين أيضا دورٌ في أي حل سياسي لكنهم في صف القوى الخاسرة.

يتجه الوضع العسكري شرقي طرابلس نحو الجمود فيما تتكثف الاتصالات الدبلوماسية لوضع عملية برلين على سكة التنفيذ.

*     *     *

الظاهر أن الضغوط الدولية على حكومة "الوفاق" حملتها على التوقف عن الزحف شرقا والامتناع عن خوض معركة استعادة سرت (450 كلم شرق طرابلس) وإعادة فتح الحقول والموانئ النفطية، التي ما زالت بأيدي قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.

وحسب مصادر ليبية متطابقة، طلب السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أثناء لقائه الاثنين الماضي مع رئيس حكومة “الوفاق” فائز السراج في مدينة زوارة الليبية، الاحجام عن مهاجمة مدينة سرت وقاعدة الجفرة.

وكان السفير الأمريكي مرفوقا بقائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفين تاونسند، الذي اجتمع أيضا في تونس مع وزير الدفاع التونسي، وكان المحور الرئيس في الاجتماع مُركَزا على الوضع في ليبيا وانعكاساته الإقليمية.

ويمكن القول إن القاسم المشترك بين الموقفين الأوروبي والأمريكي هو العمل على تطبيق شامل لوقف إطلاق النار، من أجل إفساح المجال للتقدم على مسارات برلين الثلاثة، ما يؤدي عمليا إلى حرمان حكومة "الوفاق" وداعميها الأتراك من استكمال انتصارهم العسكري على قوات حفتر.

وعندما تؤكد العواصم الغربية، وخاصة أمريكا، على الحاجة الملحة إلى "وقف استراتيجي للعمليات العسكرية من قبل جميع أطراف النزاع" فالواضح أن المستهدف هو تركيا.

وفيما ساند الأمريكيون في البدء، الدور التركي، انطلاقا من انزعاجهم الشديد من نشر قوات شركة "فاغنر" الأمنية الروسية الخاصة في ليبيا، فإنهم يضعون حاليا خطوطا أمام هذا الدور، كي لا يستحوذ الأتراك على القسم الأكبر من أوراق اللعبة.

 

معسكر الخاسرين

أما فرنسا فباتت الفرص المتاحة لها للعب دور أساسي في ليبيا ما بعد الحرب، ضئيلة، لكونها راهنت على حصان حفتر الخاسر. وأظهرت معارك طرابلس وقبلها غريان، أن الفرنسيين لا يملكون التقنيات اللازمة لإنتاج طائرات مُسيرة متطورة.

بينما باشرت تركيا العمل في هذا المجال منذ عشرين سنة، "مُعتبرة إياه قطاعا يحظى بالأولوية، وهي تحصد اليوم ثمار ما زرعت" حسب نائب رئيس معهد الأبحاث الدولية والاستراتيجية بباريس ديديي بيليون.

ويعتبر بيليون المتخصص في الشؤون التركية، أن الدور التركي في شمال العراق وليبيا يشكلان ملفين منفصلين. لكنه يُقرُ في الوقت نفسه، بأن النجاحات التي حققتها تركيا في ليبيا أخيرا، زادت من تصميمها على قطف الثمار، واستطرادا شجعتها على التشدد في مواجهة الاتحاد الأوروبي، الذي انتقد بقوة دورها في ليبيا.

لكن إذا كان الحل غير ممكن من دون تركيا، سيكون للفرنسيين أيضا دورٌ في أي حل سياسي، لكنهم سيكونون في صف القوى الخاسرة. وربما سيزداد الموقف الفرنسي تعثرا وحرجا إذا ما وجه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أصابع الاتهام إلى قوات حفتر بارتكاب جرائم حرب.

وقد اعتمد المجلس الاثنين الماضي قرارا بإرسال بعثة للتحقيق وتوثيق التجاوزات المرتكبة في ليبيا منذ العام 2016. ومن ضمن القضايا التي ستُحقق فيها البعثة المقابر الجماعية التي عُثر عليها في محيط مدينة ترهونة، حيث يُشتبه بأن قوات حفتر ارتكبت مجازر جماعية قبل انسحابها من المدينة.

وخلافا لفرنسا، يقترب موقف إيطاليا من الموقف التركي لكن في دعمه السياسي والدبلوماسي لحكومة الوفاق، وكذلك في حجم المصالح الاقتصادية في ليبيا. لذلك لم يكن مُستغربا أن لويجي دي مايو، وزير الخارجية الإيطالي، هو أول وزير خارجية أوروبي يزور ليبيا منذ حسم معركة طرابلس.

ورغم تذبذب مواقف الحكومات الإيطالية المتعاقبة، والتقارب الأخير مع حفتر، شكلت زيارة دي مايو لطرابلس علامة على عودة قوية للمنافسة بين الإيطاليين والفرنسيين على ليبيا. ولم ينس الليبيون الدعم الذي قدمته لهم إيطاليا أثناء عملية "البنيان المرصوص" لتحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم “داعش” عام 2015 إلا أنهم انسحبوا من المشهد الليبي في السنتين الأخيرتين.

واعتبر بعض المُحللين الإيطاليين أن روما هي أكبر الخاسرين من المنافسة الروسية التركية على النفوذ في ليبيا، مؤكدين أن الأدوات السياسية لم تعد تنفع أمام تطوُر الحرب التكنولوجية.

وأشار آخرون إلى أن إيطاليا، تماما مثل فرنسا، غير قادرتين على إنتاج طائرات مُسيرة أسوة بجيل "بيرقدار" و"أنكا" التركيين، اللذين حسما المعركة في أجواء طرابلس الجنوبية.

 

بوتين وماكرون

وفي محاولة لمنع الحبل من الإفلات من أيديهم، يعمل الفرنسيون على التنسيق مع موسكو، بعدما كانوا منزعجين من دور مرتزقة شركة "فاغنر" في ليبيا.

والمؤكد أن الملف الليبي كان المحور الرئيس في اجتماع ماكرون مع نظيره الروسي بوتين، الجمعة عبر الدائرة المغلقة، لكن لم يُعرف محتوى التنسيق المستقبلي بينهما في هذا الملف، وإن كانت مواقفهما متطابقة من دعم حفتر سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا.

وبدل الاحتجاجات الحانقة والهجمات الإعلامية الشديدة، التي شنها الرئيس الفرنسي ماكرون على تركيا، سلك الإيطاليون طريقا أخرى بتسخين علاقاتهم مع حكومة الوفاق.

ولوحظ أن الوزير دي مايو أمسك عن السفر إلى بنغازي بعد نهاية زيارته طرابلس الأربعاء الماضي، على عكس السفير الأمريكي نورلاند وقائد قوات "أفريكوم" الجنرال تاونسند، اللذين انتقلا إلى بنغازي حيث اجتمعا مع الجنرال حفتر، بعد لقائهما السراج ووزيري الداخلية والخارجية باشاغا وسيالة.

والمؤكد أن إيطاليا استثمرت البرود الأخير في علاقاتها مع غريمتها فرنسا، وتوتر العلاقات الفرنسية الليبية، لتسبقها إلى طرابلس، بعدما دعمت حكومة “الوفاق” سياسيا ودبلوماسيا خلال حصار طرابلس. ووضع الإيطاليون على مائدة الحوار مع السراج خمسة ملفات كبرى:

الأول يتعلق بوقف إطلاق النار وتسريع العملية السياسية، في إطار مسار برلين.

والثاني بمعاودة تصدير النفط والغاز إلى إيطاليا بعد انقطاع طويل بسبب سيطرة قوات حفتر على الحقول والموانئ النفطية، منذ مطلع العام الجاري.

والثالث تعلق بالاستفادة من الخبرة الايطالية في نزع الألغام، التي زرعها عناصر "فاغنر" الروس، في الأحياء الجنوبية لطرابلس. وسبق أن أثبت الإيطاليون مهارة في هذا المجال.

والرابع تعلق بتعميق الاحتواء المشترك لموجات الهجرة غير النظامية، بتعديل الاتفاقية التي توصلت لها الحكومتان الإيطالية والليبية عام 2017 في هذا الشأن. ويعتقد الإيطاليون أن سيطرة "الوفاق" على كامل الساحل الغربي لليبيا يُؤهلها لضبط حركة الهجرة غير النظامية.

والخامس يخص عملية "إيريني" لمراقبة إرسال الأسلحة إلى ليبيا، وقد اشترطت حكومة "الوفاق" في هذا الصدد ألا تقتصر الرقابة على البحر، وإنما أن تشمل أيضا البر والجو، في إشارة إلى تدفق الأسلحة على قوات حفتر برا عبر مصر وجوا من الإمارات.

وفي جميع هذه الملفات كان الوزير الإيطالي واضحا في تأكيده على أن بلده “يعتزم حماية مصالحه الجيواستراتيجية” وفقا لما قال.

 

على مائدة التفاوض

الأرجح، رغم النجاحات التي حققتها قوات حكومة "الوفاق" أن الصراع لن يُحلَ عسكريا، لأن المعركة لن تُحسم بين الـ"ميغ" الروسية و"بيرقدار" التركية، ولن يجلس الروس والترك بمفردهم على مائدة التفاوض، بعد توقف العمليات الحربية.

بل هناك أطراف أخرى مؤثرة، ليست أمريكا أقلَها، ستكون على مائدة التسوية. وهي التي فرضت، مثلا، على قوات "الوفاق" البقاء على مبعدة من سرت والجفرة، وقد كانت على قاب قوسين من السيطرة عليهما.

واستطرادا يميل الخبراء في شؤون ليبيا إلى استبعاد الحل العسكري، والتركيز على تحقيق الأهداف الجيوسياسية لهذا الطرف أو ذاك، من بين القوى التي لها قول في الملف، شريطة أن تكون تلك الأهداف مقبولة من جميع الأطراف المعنية.

ومن هذه الزاوية يُفهم البيان الثلاثي لوزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا الخميس، الذي حضوا فيه على "الوقف الفوري وغير المشروط للقتال، ووضع حد للحشد العسكري المستمر في جميع أنحاء البلد".

مع ذلك يتردد سؤال أساسي، على إثر تلويح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل في ليبيا، لدعم الجنرال حفتر، عن مدى جدية ذلك التهديد.

والواضح أن العواصم الأساسية المعنية بالملف الليبي أكدت رفضها لهذه الفرضية، وإصرارها على استدامة الهدنة غير الرسمية الحالية، فوزير الخارجية الأمريكي بومبيو عبر الأربعاء عن أمل واشنطن جمع كل الذين لديهم مصلحة في ليبيا، على المائدة "لإجراء المناقشات والتوصل إلى حل سياسي".

ويتطابق هذا الموقف مع تعبير مجلس الأمن القومي، التابع للرئاسة الأمريكية، الاثنين الماضي عن معارضة واشنطن التصعيد العسكري في ليبيا من جميع الجهات، أي من مصر وغيرها.

 

مصر والجزائر

بالمقابل جدد الأتراك التزامهم بالوقوف إلى جانب حكومة الوفاق، وأكدوا على لسان وزير الدفاع، خلوصي أكار، استمرار أنقرة في "تقديم كل ما لديها لتثبيت الاستقرار في ليبيا عبر تقديم الدعم للحكومة الشرعية". وبتعبير آخر، إذا استنجدت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا بتركيا لمجابهة الغزو المصري المحتمل، فإنها ستُنجدها بلا تردد.

ويُتوقع أن تهبَ الجزائر أيضا لنجدة الليبيين إذا ما استجاروا بها، لأن الجزائريين لن يقبلوا بتغيير التوازنات في شمال أفريقيا، خاصة أن لديهم حدودا طويلة مع ليبيا. وسبق للرئيس عبد المجيد تبون أن استخدم مصطلح الخطوط الحمر، ليُحذر قوات حفتر من الدخول إلى طرابلس.

وعلى إثر إعلان المبادرة المصرية الأخيرة أتى موقف الخارجية الجزائرية أقرب إلى التحفظ إذ اكتفى بالقول إن الجزائر “أخذت علما بالمبادرة السياسية الأخيرة من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار والعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية” لكن من دون إيضاح كيف وأين ومتى؟

 

التزامات أطلسية

أكثر من ذلك، تقضي معاهدة حلف شمال الأطلسي في بندها الخامس بضرورة التضامن مع أي عضو في الحلف يتعرض للاعتداء، وبالتالي فإن سيناريو دخول قوات مصرية إلى ليبيا لملاحقة الأتراك، يُرتب على باقي الأعضاء في الحلف "وضع حد لأي اعتداء مسلح أو إجراء بُني عليه" مثلما نص على ذلك البند الخامس من المعاهدة.

وفي جميع الحالات، يبقى التقسيم أخطر سيناريو يُهدد مستقبل ليبيا، وفي هذا الصدد تتساءل نائبة وزير الخارجية الإيطالي مارينا سيريني هل أن قدر ليبيا هو التقسيم إلى غرب عاصمتُهُ طرابلس وشرق عاصمته طبرق؟

الخطر ما زال قائما، وهو النتيجة الطبيعية للتجييش القائم حاليا، بتشجيع معنوي ودعم عسكري ومالي من بعض الدول الخليجية. لكن حسابات الحقل قد لا تُطابق حسابات البيدر، وقد لخص السراج هذا الوضع بقوله "نحن لم نكن المبادرين إلى إشعال هذه الحرب لكننا سنكون نحن من يُنهيها".

* رشيد خشانة كاتب صحفي تونسي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية