استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

بولتون في الغرفة ذاتها

الأربعاء 1 يوليو 2020 04:43 م

بولتون في الغرفة ذاتها

قطع بولتون الطريق على ولاية ترامب الثانية بالتوقيع على عقد نشر كتاب "الغرفة التي شهدت الأحداث" مقابل مليوني دولار.

عرف بولتون كل ما كان يجري بغرفة الرئيس ففتح أبوابها ونوافذها وأظهر خباياها وخفاياها للجميع، بحيث يبدو الرئيس مجردا من كل ما يستره.

*     *     *

أعادتني الضجة التي أثارها صدور كتاب «الغرفة التي شهدت الأحداث» لجون بولتون المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي إلى الفيلم الملحمي الفرنسي الجزائري «Z» الذي تصدر شاشات السينما عام 1969، والمأخوذ من رواية بنفس العنوان لمؤلفها فاسيليس فاسيليكوس.

يتحدث فيها شهود رئيسيون عن أوضاع حكومية وظروف غامضة ومريبة، مثلما أعربت بعض الأوساط الأمريكية والدولية عن استغرابها ودهشتها إزاء تسريب أسرار ومعلومات وخفايا، تتعلق بإدارة الرئيس دونالد ترامب.

جدير بالذكر أن جون بولتون هو أحد طباخي «السياسة الأمريكية»، ومقرب من الرئيس ترامب؛ غير أن نشر الأسرار والمعلومات على الملأ أزعج ترامب وأثار غضبه فأطلق طائفة من الاتهامات والعبارات النابية بحقه؛ بل إنه طلب منع نشره بزعم مساسه بالأمن القومي وإفشاء الأسرار، لكن القضاء الأمريكي رفض هذا الطلب.

لعلها ليست المرة الأولى التي يعمد فيها أحد كبار الموظفين السابقين في البيت الأبيض إلى نشر مذكراته عن الفترة التي قضاها بالقرب من الرئيس ومن صناعة القرار، ولكن ذلك عادة ما يحدث بعد انقضاء ولاية الرئيس وبدء رئاسة جديدة.

غير أن ما حدث هو أن بولتون حاول نشر «الغسيل الوسخ»، كما يقال، والرئيس ترامب ذاته ما يزال متربعاً على سدة الحكم في البيت الأبيض، وتلك سابقة خطرة، لاسيما بنشر أسرار ما تزال طي الكتمان، أو تسريب معلومات يفترض أن تبقى في الأدراج أو فضح قضايا لم يتم حسم الموقف بشأنها.

والأمر لا يتعلق ببعض الأمور الشخصية؛ بل إنها أمور تصب في صميم مهمات الرئيس ومسؤولياته وخططه وبرامجه وعلاقاته وصفقاته واتفاقاته، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب وخطورته.

وبولتون مثل غيره من مستشاري الأمن القومي، جاء من «مجمع العقول» أو «تروست» الأدمغة مثل كيسنجر، وبريجنسكي، وأولبرايت، وستيفن هادلي، وكونداليزا رايس، وهؤلاء عادة من المتفوقين الذين تأخذهم الإدارة الأمريكية للاستفادة من إمكاناتهم، وقد عين سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة عام 2005، بعد أن برز كأحد صقور الحزب الجمهوري ومن المحافظين الجدد.

وترأس في الفترة من 2013 إلى 2018 معهد جيستون وهو معهد معادٍ للإسلام، وقد التحق بإدارة الرئيس ترامب كمستشار للأمن القومي خلفاً لهربرت ماكماستر، وكان إعلان ترشيحه لهذا المنصب يعني أن إدارة ترامب تتجه إلى التشدد في سياستها الخارجية، لما هو معروف من التوجهات المتصلبة لبولتون، وقناعته باللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية كحل لفرض هيمنة واشنطن.

لقد وقف بولتون إلى جانب ترامب حين شن الديمقراطيون حملة شعواء لعزله، ولكن الأخير كافأه بالعزل بعد ذلك، كجزء من مزاجه المتقلب، وقد يكون الإسراع في إصدار مذكراته رغبة في قطع الطريق على الرئيس ترامب للحصول على ولاية ثانية، لاسيما بنشر ما لديه من معلومات وأسرار لا تصب في صالحه؛ بل تنتقص من إدارته غير المنظمة التي يتحكم فيها صهره كوشنر وابنته إيفانكا.

وأبرز بولتون الجانب العصبي في شخصية ترامب ونرجسيته وانتهاكاته لمعيار الوطنية الأمريكية، ليس في ما يتعلق بالعلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما أشيع عن دعمه في الانتخابات؛ بل في تخبطاته على المستوى الدولي، فهو غير معني بالقيم الديمقراطية الليبرالية أو الجوانب الإنسانية والحقوقية والقانونية الدولية، وإلا كيف تنسحب واشنطن من اتفاقية المناخ ومن منظمة الصحة العالمية.

وبالعكس من ذلك، يرى بولتون أن القوة العسكرية هي الأساس الذي ينبغي التعامل به مع عدد من القضايا والملفات، مثل الملف النووي الإيراني والملف النووي الكوري الشمالي، مثلما كان مع تدمير المفاعل النووي السوري الذي قصفته «إسرائيل» عام 2007، ويتهم كوريا ببيع أسلحة نووية لسوريا، بتمويل من إيران. وقد وقف ضد «مجموعة خان» الباكستانية التي تعاونت مع إيران وكوريا الشمالية في مجال الأسلحة النووية، وخصوصاً تخصيب اليورانيوم الذي سرقته «خان» من أوروبا، حسب ادعاء بولتون.

عرف جون بولتون كل ما كان يجري في غرفة الرئيس؛ لذلك أراد أن يفتح أبوابها ونوافذها ويُظهر خباياها وخفاياها للجميع، بحيث يبدو الرئيس مجرداً من كل ما يستره؛ لذلك سارع إلى قطع الطريق على ولايته الثانية بالتوقيع على عقد نشر كتاب الغرفة التي شهدت الأحداث مقابل مبلغ مليوني دولار، ولعل ذلك جزء من القوة الناعمة التي استخدمها بولتون في وجه ترامب الذي يقود حروباً ناعمة ضد العديد من الدول والشعوب.

* د. عبد الحسين شعبان باحث ومفكر عربي

المصدر | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية