من القاهرة إلى الرياض.. ركائز السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتلاشى

الخميس 2 يوليو 2020 10:09 م

يعود نجاح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية، جزئيا على الأقل، إلى تحالفاتها مع دولة واحدة أو أكثر من أربع دول في المنطقة هي تركيا ومصر و(إسرائيل) والمملكة العربية السعودية.

وتشمل قائمة هذه النجاحات على وجه الخصوص، معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، واحتواء الثورة الإيرانية، وهزائم الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وهزيمة تنظيم القاعدة ولاحقا، "الدولة الإسلامية".

ومع ذلك، بعد 40 عاما، أدى تراجع أمريكا الجزئي عن التزامها تجاه الشرق الأوسط، وتزايد المشاعر القومية والشوفينية في المنطقة، إلى دفع الدول الأربع نفسها إلى استخدام العنف خارج أراضيها لتشكيل مصير جيرانها الأضعف.

وتعد الولايات المتحدة اليوم مجرد مراقب للأوضاع في الشرق الأوسط بينما يستمر دور روسيا والصين في المنطقة في النمو. وفي حين طوّر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" علاقات شخصية وثيقة مع قادة هذه الدول، فقد استنزفت الدول نفسها الكثير من الفرص مع الولايات المتحدة.

وتحتفظ (إسرائيل) وحدها فقط بدعم حقيقي من واشنطن، لكن معاملتها القاسية للفلسطينيين تحت الاحتلال، والتوجه السياسي الشوفيني المتزايد، أضعف مكانتها في الولايات المتحدة، خاصة داخل الحزب الديمقراطي والمجتمع اليهودي. ومن المعروف أن الدول الأوتوقراطية تخسر الأصدقاء سريعا، في الرأي العام والحكومة.

ومن المدهش أن كلا من الرئيس السابق "باراك أوباما" والحالي "دونالد ترامب" يعتقدون أن المشاكل المعقدة في المنطقة ليست قابلة للحل من قبل الولايات المتحدة.

واعتبر الرئيسان، لأسباب مختلفة، الشرق الأوسط غير مضياف ومقبرة للغطرسة الأمريكية. ورأى "أوباما" أن الشرق الأوسط منطقة يسكنها "الراكبون بالمجان"، وأنه يجب على قادتها تحمل المزيد من المسؤوليات عن المشاكل المتوطنة.

حلفاء واشنطن يحاربون بعضهم البعض

ويرغب "ترامب"، الذي ينتقد العبء المالي الذي تتحمله واشنطن بسبب نشاطها في المنطقة، في سحب القوات الأمريكية من جنوب آسيا والشرق الأوسط. وقبِل كل من "ترامب" و"أوباما" تفوق روسيا في الدول الممزقة مثل سوريا وليبيا، وكان كلاهما مهووسا بإيران بطرق مختلفة تماما. وعقد "أوباما" الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران ليكون جوهرة تاج سياسته في الشرق الأوسط، ثم أتى "ترامب" ليحطم تلك الجوهرة بكل سرور.

وتقاتل تركيا و(إسرائيل) الآن مجموعة متنوعة من الجماعات في سوريا، في ما يبدو أحيانا حربا من الجميع ضد الجميع، لإعادة تشكيل بلد مشوه إلى حد لا يمكن السكوت عنه.

وشجعتهم إدارة "ترامب" بما فيه الكفاية؛ فقد منحت تركيا الضوء الأخضر لتحقيق تطلعاتها السياسية بشأن الأكراد في سوريا وخارجها، ومنحت (إسرائيل) صك القبول لضم جزء كبير من الضفة الغربية ليصبح احتلالها غزوا دائما.

وفي الأعوام الأخيرة، أرسلت تركيا قواتها المسلحة إلى المقاطعات السابقة للإمبراطورية العثمانية، من سوريا والعراق المجاورتين إلى ليبيا، حيث تريد أنقرة إقامة وجود عسكري دائم لحماية استثماراتها الاقتصادية القائمة وتأمين استثمارات جديدة. كما هدد الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" مؤخرا بالتدخل عسكريا في ليبيا لوقف تقدم تركيا.

وعندما طلب "أوباما" من دول الخليج تحمل المزيد من المسؤولية عن احتياجاتها الأمنية، لم يكن يتوقع أن يأخذ ولي العهد السعودي المتهور "محمد بن سلمان" نداءه كضوء أخضر لشن حملة جوية وحشية في اليمن.

وشاهد العالم بلا حول ولا قوة ولادة المشهد الدموي الذي تدمر فيه أغنى دولة عربية شقيقتها الأشد فقرا، بدعم لوجستي كبير من إدارتي "أوباما" و"ترامب".

وقتل التحالف الذي تقوده السعودية عشرات الآلاف من المدنيين، بمن فيهم العديد من الأطفال، في حين قصف الحوثيون المسلحون من قبل إيران المدن اليمنية والسعودية بشكل عشوائي.

ركائز هشة

فما المسار الذي يجب أن تسلكه الإدارة الأمريكية المقبلة؟ كبداية، يجب على واشنطن أن تراجع علاقاتها الخاصة مع هذه البلدان الأربعة.

وفي الوقت الراهن، لم تعد تركيا حليفا مقربا من الولايات المتحدة في الوقت الذي تستمر فيه في شراء السلاح من روسيا، وفي الوقت نفسه، تستمر (إسرائيل) في التمتع بالسخاء المالي الأمريكي والدعم السياسي غير المشروط تقريبا، بينما تُظهر ازدراءً لمواقف واشنطن ومصالحها.

وببساطة، لا يوجد أي مبرر لدعم أمريكا للنظام الأكثر قمعا في القاهرة منذ الثورة المصرية عام 1952. وفيما تنخفض أسعار النفط إلى مستويات قياسية، في حين تنتج الولايات المتحدة طاقة أكثر من السعودية، يجب على واشنطن إنهاء احتضانها لتلك المملكة الغامضة، التي يحكمها أمير شاب يسعده اضطهاد الرجال والنساء.

لقد حان الوقت لأن تتوقف الولايات المتحدة عن الاعتماد على ركائزها الأربع الهشة. والآن هو الوقت المناسب لواضعي السياسات الأمريكيين لقطع طريق جديد في الشرق الأوسط، يقف في المنتصف بين الأجندة التدخلية الخطيرة لـ "جورج دبليو بوش"، التي أثبتت فشلها في العراق، والتراجع غير المسؤول الذي جاء بعد ذلك، والذي ترك خلفه منطقة منسحقة تمتد من بنغازي إلى باب المندب.

المصدر | فاينانشيال تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انسحاب الولايات المتحدة مستقبل السياسة الأمريكية

بايدن والشرق الأوسط.. الرابح والخاسر حال صعود رئيس ديمقراطي للبيت الأبيض

فورين أفيرز ترسم ملامح استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط