مليونية السودان: هل أصغى الذين قُرعت لهم الأجراس؟

الأربعاء 1 يوليو 2020 05:36 م

مليونية السودان: هل أصغى الذين قُرعت لهم الأجراس؟

أجراس قُرعت خلال المليونية كان مقدراً لها الوصول لآذان المعنيين لإسماع صوت الشعب.

فهل أصغى هؤلاء وأدركوا مجدداً بأن دماء الشهداء لن تذهب هدراً والتضحيات لن تضيع؟

سلوك السلطة خاصة الفريق العسكري لم يخل خلال الأشهر العشرة المنصرمة من زلات بالغة الخطورة.

تنوع أهداف المليونية يشكل مظهراً إيجابياً للحراك الشعبي والثوري ويظهر أن مبدأ التعددية قابل للحياة والتعايش السلمي البناء.

التظاهرات تذكير للسلطة ومن يهمه الأمر بأن الفترة الانتقالية التي بدأت يوم 21 أغسطس الماضي ما تزال حبلى بوعود التغيير والتطوير.

*     *     *

التظاهرات الحاشدة التي شهدتها العاصمة ومدن أخرى في السودان يوم أمس لم تقتصر على إحياء ذكرى مليونية 30 حزيران/ يونيو 2019، التي شهدت فضّ الاعتصام أمام مبنى قيادة الجيش وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من المتظاهرين المدنيين، وتغييب مفقودين ما تزال أعدادهم مجهولة.

وإذا كانت تلك الواقعة المشؤومة قد سجّلت انكشاف نهج بعض جنرالات الجيش والميليشيات وأجهزة الأمن في استعادة ممارسات البطش والقمع المفتوح، فإنها أيضاً دشنت نجاح قوى الانتفاضة المدنية في فرض حضورها ضمن المعادلة السياسية وفي إعادة تأكيد سلسلة من المطالب والثوابت التي تضمن تحقيق أهداف الحرية والسلام والعدل.

التظاهرات استهدفت أيضاً تذكير السلطة، سواء على مستوى الحكومة والمجلس العسكري أو «قوى إعلان الحرية والتغيير» ومجموعات المعارضة إجمالاً، بأن الفترة الانتقالية التي بدأت يوم 21 آب/ أغسطس الماضي ما تزال حبلى بوعود التغيير والتطوير، التي لا تتجسد عيانياً على الأرض من حيث معاش المواطنين وحال الاقتصاد وسوق العمل وندرة المواد الأساسية وغلاء الأسعار وتدهور الخدمات العامة.

ولم يكن مستغرباً أن تتسلم الحكومة مذكرتين، وصلت مضامينهما إلى جنرالات الجيش من دون شك:

أتت الأولى من «أسر الشهداء» فطالبت بالعدل وإحقاق حقوق الشهداء وقطع خطوات ملموسة أبعد على صعيد لجنة التحقيق في انتهاكات فض الاعتصام.

وأتت الثانية من «لجان المقاومة» فنصّت على تحقيق إصلاحات جذرية تشمل الأجهزة العدلية والقضائية ومجلس القضاء العالي وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإقالة الولاة العسكريين وتشكيل المجلس التشريعي وسوى ذلك من مطالب حددتها الوثيقة الدستورية.

وهذا التنويع في تحديد أهداف المليونية يمكن أن يشكل مظهراً إيجابياً للحراك الشعبي والثوري السوداني بصفة إجمالية، فهو يشير إلى أن مبدأ التعددية قابل للحياة والتعايش على نحو سلمي وبناء، كما يوحي بمقدار من الاطمئنان إلى أن أشكال الرقابة الشعبية على برامج السلطة وخطابات المعارضة يمكن أن تكون مضمونة بدرجة مقبولة أو حتى متقدمة.

ولم يكن خافياً على هذا الصعيد أن فئة من منظمي المليونية رفعت شعارات الإصلاح، مقابل فئة ثانية طالبت بتصحيح المسار، وفئة ثالثة ذهبت إلى حدّ المطالبة بإسقاط الحكومة.

ذلك لأن سلوك السلطة، وخاصة ضمن الفريق العسكري، لم تخل خلال الأشهر العشرة المنصرمة من زلات بالغة الخطورة، لعلّ في طليعتها انفراد عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالاجتماع مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في أوغندا من دون تنسيق مع الحكومة السودانية.

وكذلك الانتهاكات السياسية والأمنية والدستورية التي واظب "الفريق أول" محمد حمدان دقلو قائد «قوات الدعم السريع» على ارتكابها في ليبيا وإثيوبيا بالتنسيق مع الإمارات.

ولعل الخشية من أن تتخذ المليونية صفة القصاص المباشر ضد هذه الممارسات، وليس تصحيح مسارات الانتفاضة فقط، أن الجيش حوّل العاصمة إلى ثكنة عسكرية فقطع الطرقات وأغلق الجسور ونشر الوحدات العسكرية، كما استبق موعد المليونية بتنفيذ مداهمات واعتقالات ونشر إشاعات حول وقوع انقلاب عسكري.

ذلك لأن الأجراس التي قُرعت خلال هذه المليونية كان مقدراً لها أن تصل إلى آذان المعنيين لإسماع صوت الشعب، فهل أصغى هؤلاء وأدركوا مجدداً بأن دماء الشهداء لن تذهب هدراً والتضحيات لن تضيع؟

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية