طوق نجاة.. حكومة الإمارات تحت وطأة الدمج

الثلاثاء 7 يوليو 2020 12:32 م

إلغاء 50% من المراكز الحكومية، ودمج 50% من الهيئات الاتحادية مع بعضها أو ضمن وزارات، وتغيير صلاحيات ومسؤوليات، وإعادة تشكيل الحكومة.

تلك كانت أبرز ملامح التعديلات الوزارية التي أعلنها نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، الأسبوع الجاري، وهي الأولى منذ العام 2017، والأكبر منذ 1971.

وعلى الرغم من الإعلان الرسمي عن التوجه نحو حكومة مرنة وسريعة هدفها تعزيز منجزات ومكتسبات الوطن، فإن التعديلات الوزارية، على صلة قوية بتداعيات أزمة تفشي فيروس "كورونا"، على الاقتصاد الإماراتي.

وفي مايو/أيار الماضي، قال "بن راشد" إنه "سيراجع هيكلة الحكومة وحجمها، وسيجري تغييرات لتكون أكثر مرونة وسرعة لتواكب أولويات وطنية جديدة ومختلفة بعد كورونا".

وأضاف، في بيان، آنذاك: "مخطئ من يظن أن العالم بعد كورونا كالعالم قبله".

خطة الدمج

تتضمن التغييرات الجديدة، إنشاء وزارة للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، على أن يتم دمج هيئة المواصفات والمقاييس معها، ونقل وزيرة الدولة للعلوم المتقدمة لتكون تحت مظلتها.

كذلك تقرر دمج وزارة الطاقة مع وزارة البنية التحتية، وإلحاق برنامج زايد للإسكان، والهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية بالوزارة الجديدة.

وتقضي خطة الدمج بإلحاق الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء، ومجموعة بريد الإمارات، ومؤسسة الإمارات العامة للنقل، ومؤسسة الإمارات العقارية، بجهاز الإمارات للاستثمار.

وتوسعت خطة الدمج، لتشمل المجلس الوطني للإعلام والمؤسسة الاتحادية للشباب مع وزارة الثقافة، ودمج الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، ضمن وزارة تنمية المجتمع.

ومن المقرر كذلك، دمج الهيئة الوطنية للمؤهلات مع وزارة التربية، ودمج هيئة التأمين مع هيئة الأوراق المالية والسلع، ونقل وكالة أنباء الإمارات "وام" لشؤون الرئاسة، وإلحاق وزيرة الدولة للأمن الغذائي والمائي "مريم المهيري" بشؤون الرئاسة، وإلحاق الهيئة الاتحادية للموارد البشرية، بمكتب رئاسة الوزراء.

اللافت في تلك التغييرات، إلغاء وزارة "السعادة" التي تحولت إلى "ملف" تقرر نقله لوزارة تنمية المجتمع، بعد 4 سنوات من استحداثها والترويج لها عالمياً على أنها ضامنة رفاهية المجتمع.

وفي أبريل/نيسان 2019، استحدثت أبوظبي وزارة "اللامستحيل" من أجل مواجهة التحديات المستقبلية، لكن يبدو أن الوزارة الجديدة تاهت هي الأخرى داخل نفق مظلم.

ضغوط مالية

دون مواربة، لم يأت أكبر تغيير وزاري في تاريخ الإمارات من فراغ، في ظل ما تعانيه محفظتها المالية، من ضغوط شديدة الوطأة، خاصة مع استمرار تورط أبوظبي في المستنقعين اليمني، والليبي، منذ سنوات، وإنفاق مبالغ طائلة لدعم الجنرال الليبي "خليفة حفتر".

ويعاني الاقتصاد الإماراتي أزمة سيولة نتيجة انهيار أسعار النفط، إلى 16 دولارا، أبريل/نيسان الماضي، ثم الصعود لاحقا إلى 42 دولارا للبرميل، لكن خزانة البلاد تحتاج إلى سعر 70 دولارا للوصول إلى نقطة التوازن(التعادل بين الإيرادات والمصروفات) في ميزانيتها.

وإضافة إلى الضغوط الخارجية على مواردها النقدية، من المتوقع أن يتزايد معدل الشركات المفلسة وغير القادرة على خدمة ديونها، خلال العام الجاري.

وتحسبا لذلك، رفعت مصارف الإمارات مخصصاتها للديون المعدومة بنسبة 222% في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بمعدلاتها في الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يعني أن البلاد بصدد أزمة مصرفية خانقة.

وتفيد توقعات صادرة عن مؤسسة "فيتش" العالمية للتصنيف الائتماني، بأن الأزمة المالية التي تعاني منها دبي ربما ستضرب القطاع المصرفي في كامل البلاد، ولن تستثني مصارف أبوظبي.

ويحين أجل سداد 30 مليار دولار من ديون الشركات الحكومية بدبي في العام 2023، وهو ما يفاقم أزمة ديون الإمارة، بحسب مؤسسة "كابيتال إيكونومكس".

وتقدر ديون دبي وحدها، وفق تقديرات غير رسمية، بحوالى 121 مليار دولار، العام الماضي، بينما يقدر صندوق النقد الدولي ديون دبي بأكثر من 100% من إجمالي الناتج المحلي.

وتبدو التوقعات أكثر تشاؤما بالنظر إلى تضرر ربحية البنوك الإماراتية بشكل عام، وخفض معدل الفائدة على عمليات القروض، وتدهور الإيداعات من مداخيل النفط وحركة العقود جراء انهيار القطاعين العقاري والسياحي، بحسب "فيتش".

وجراء تلك الأزمات، يتجه الاقتصاد الإماراتي، نحو تحقيق معدل انكماش خلال العام الجاري بنسبة تزيد عن 3.6%، وفق تقديرات اقتصادية دولية.

أزمة "كورونا"

ويرتبط التغيير الوزاري الكبير بحجم القلق المالي الذي تعيشه الإمارات على جبهات عدة، بسبب تداعيات "كورونا"، وتضرر قطاعات السفر والسياحة والضيافة والفندقة.

ووفق الخبير الاقتصادي الإماراتي "عبدالرحمن الطريفي"، فإن الإجراءات التي اتخذتها الدولة حديثا، ضمن حزمة تغييرات ودمج، تأتي ضمن سياسة خفض النفقات.

وأضاف في تصريح لوكالة "سبوتنيك" أن الاقتصاد الإماراتي تأثر بشكل كبير بسبب جائحة فيروس "كورونا"، وتأثر قطاعات النفط والعقارات والبنوك.

ويرى الخبير المتخصص في أسواق المال "نزار العريضي"، أن "القطاع الخاص في الإمارات مجبر على مواكبة تطور القطاعات الحكومية، وذلك لدعم الاقتصاد الوطني وتعزيز النمو، خاصة في ظل التباطؤ الذي يشهده العالم الآن".

واعتبر "العريضي"، تحويل نصف الدوائر والجهات الحكومية لمنصات رقمية، خطوة لمواكبة التطور وتوفير الكثير من الوقت والجهد؛ لتمكين الحكومة من تجاوز هذه المرحلة الصعبة.

خيارات صعبة

ويبرز التعديل الوزاري الضخم، كأحد الخيارات الصعبة التي فرضت نفسها على ساسة الإمارات، وسط توقعات بطول أمد أزمة "كورونا" وبطء التعافي من آثارها.

ومن الخيارات الأخرى المطروحة على الطاولة، اللجوء إلى دمج بنوك، وأسواق مال، وكذلك دمج أصول في الإماراتين "أبوظبي، دبي"، وفق "رويترز".

ووفق مصادر مطلعة، فإن أبوظبي ستربط دعمها لدبي عبر عمليات اندماج لأصول تتنافس فيها الإماراتين بشكل مباشر، أو حيث لهما ملكيات مشتركة.

ومن المتوقع حصول أبوظبي على حصص في أصول إستراتيجية مملوكة لدبي، ضمن خطط إنقاذ مالي للإمارة التي تعد مركزا للسياحة والتجارة والأعمال في الشرق الأوسط.

وتعد الصفقة الأكثر ترجيحا لأن تتم في الأمد القريب، اندماج لأسواق الأسهم المحلية، وربما اندماج بنوك أيضا.

وسبق أن دمجت الإمارات شركتي الألمنيوم في دبي وأبوظبي لتأسيس شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، المملوكة بشكل مشترك لصندوق "مبادلة" ومؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية.

إذن، هناك حكومة إماراتية جديدة، بثوب جديد، أمام تحديات صعبة، وبحوزتها محفظة مالية تعاني ضغوطا، وأمامها طريقا طويلا للتعافي من أزمات عدة، قد يكون الدمج وترشيد النفقات وتحجيم التدخلات الخارجية، طوق نجاة لها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية