استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الاسـتشــراق والمنـهــج الإسـقــاطي

السبت 29 أغسطس 2015 06:08 ص

المنهج الإسقاطى، وهو في الغالب لا شعوري، يستبدل بالظاهرة المدروسة ظواهر أخرى هي أشكال الأبنية النظرية الموجودة في ذهن المستشرق يراها في الواقع مخفياً بذلك الظاهرة الموضوعية التي أمامه والتي كان في نيته دراستها.

قد يكون الإسقاط مطلقاً عندما لا يرى المستشرق من الظاهرة التي أمامه شيئاً ولا يرى فيها إلا صورته الذهنية. وقد يكون نسبياً عندما يرى الظاهرة ولكن يضيع منه تفسيرها الحقيقي وكيفية خروجها من النص الديني، ويعطي بدلاً عنه تفسيراً آخر يخضع للأبنية النظرية لصوره الذهنية.

والظاهرة الموجودة بالفعل بما أنها لا توجد كصورة عقلية في ذهن المستشرق فهو يحكم عليها بالنفي. والظاهرة التي لا وجود لها بالفعل ولكنها توجد كصورة ذهنية عند المستشرق يحكم عليها بالوجود الفعلي. والشيء الوحيد الموجود بالفعل يصبح خلطاً لأن البناء النظري في ذهن المستشرق بناء ثنائي، والشيء الوحيد الموجود بالفعل يصبح تفرقة لأن صورته الذهنية في ذهن المستشرق صورة مفترقة. وهكذا يصدر المنهج الإسقاطي أحكام قيمة يعلي فيها من شأن هذه الصور الذهنية ويقلل من شأن الموضوعات المدركة بالفعل.

ويتضح هذا باستمرار خاصة إذا كان موضوع الدراسة نفسه باعتباره مقياساً للظواهر الفكرية يمكن أن يكون مرآة تعكس الصور الذهنية المسقطة عليها من شعور المستشرق وأن يردها من جديد إلى ذهنه. الإسقاط إذن خطأ في الإدراك يجعل المستشرق في عزلة ذهنية، ويضعه في موقف نرجسي خالص عندما لا يرى في العالم الخارجي من موضوعات إلا ما هو موجود في نفسه كصور ذهنية.

فمثلاً كثيراً ما تحدث المستشرقون عن سبب تأخر العالم الإسلامي، مع أخذ النمط الغربي على أنه هو النمط العام الذي على أساسه يُعاد بناء كل الأنظمة الأخرى، أو اتهام الفكر الإسلامي بأنه تجريدي خالص لا يمكن فهمه ولا يقاد إليه الذهن ابتداء من رموز حسية. وهذا إسقاط من ذهن المستشرق وثقافته الخاصة.

وإذا ما نشأت حركات تدعو إلى البدء بالواقع وإلى فهم حياة الناس قيل مادية وماركسية، وذلك لأن الباحث الغربي تعود على أن الروح شيء وأن المادة شيء آخر، وعلى أن كل من يبدأ من العالم يكون مادياً وكل من يبدأ بحياة الناس وصراعهم يكون ماركسياً، في حين أن تراثنا القديم قد قدم لنا هذا النمط الفكري عند أصحاب الطبائع من علماء الكلام وعند ابن رشد من الفلاسفة. ولا يحدث هذا الإسقاط من الباحث الأوروبي فحسب بل قد يحدث أيضاً من باحث ينتسب إلى الحضارة الإسلامية ولكنه مثقف ثقافة غربية، ويتبع منطق الغرب في تفكيره، ولم يحاول التنصل منها أو وعي ذاته ومنطق حضارته.

وينشأ المنهج الإسقاطي من خضوع الباحث لهواه وعدم استطاعته التخلص من الانطباعات التي تركتها لديه بيئته الثقافية المعينة، مع أن التحرر من الأحكام المسبقة العقلية والانفعالية معاً هو الشرط الأول للبحث العلمي، وذلك ناشئ عن إيمان المستشرق بثقافته وأنها هي النموذج الوحيد لكل الثقافات وأنه ينتسب إلى حضارة هي مركز العالم، ومحور التاريخ ومصدر الحقائق، ومنبع المناهج، ومهد العلوم.

وقد يرجع ذلك إلى تضخم الذات الحضارية لدى المستشرق، ونعرة غربية تجعله ينظر إلى الظواهر المدروسة من علٍ ولا يضعها على نفس المستوى مما يسهل الإسقاط. فالإسقاط في نهاية الأمر هو وضع الآخر في قالب الذات، والحكم بالسواد على ما ليس بأبيض، وكأن العقلية الغربية بإسقاطها في جوهرها عقلية عنصرية هي الأساس للثقافة والدين والفن والعلم والحضارة.

وليس معنى ذلك أن الإسقاط ذاته لا يؤسس منهجاً ولا يعطي رؤية، بل الإسقاط من حيث هو إسقاط لهوًى أو مصلحة أو صورة ذهنية بيئية هو الذاتية عندما تتوقف عن أداء دورها في كشف الموضوع. ولكن الذاتية يمكنها أن تتجه نحو الموضوع وتنيره. وتحليله إلى معنى، وفي هذه الحالة تكون الذاتية مصدراً لحدس وأساساً لرؤية، وتكون هي الذاتية الخالصة المتجردة عن أي هوى أو مصلحة أو صور ذهنية بيئية.

وتراثنا القديم مارس هذا التوجه من الذات نحو الموضوع كما هو واضح في علوم التصوف واعتمادها على الرؤية والحدس والإدراك المباشر، وكما هو واضح أيضاً في علم أصول الفقه عندما يقوم النص الذي يحتوي على الأصل بتوجيه الشعور نحو العلة المشتركة مع الفرع من أجل تعدية حكم الأصل إلى الفرع. ومناهج الأصوليين في تحقييق المناط وتنقيح المناط وتخريج المناط كلها قائمة على البداية بالذاتية النصية. والقياس الشرعي أيضاً يبدأ بتوحيه النص نحو الواقع من أجل رؤيته.

* د. حسـن حنـفي أستاذ الفلسفة - جامعة القاهرة

  كلمات مفتاحية

الاستشراق المنهج الإسقاطي المستشرق

التراث وتحيزات الاستشراق

الدراسات الاستشراقية .. والنعرة العلمية

الاستشراق.. وتنميط العرب في أميركا

الاسـتشـراق ومنهـج الأثـر والتـأثــر