استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن كتاب «قراءة استراتيجية في السيرة النبوية»

الخميس 9 يوليو 2020 06:22 م

عن كتاب «قراءة استراتيجية في السيرة النبوية»

قراءة ستؤثر كثيراً في طبيعة تفكير القيادات وتجعلهم أقدر على تصويب حركتهم السياسية فقد كلفتهم القراءة السطحية للسيرة خسائر بالغة.

العجز عن قراءة الواقع وموازين القوى ينتج قراءة سطحية قبل كونه نتاج ثقافة سياسية هشة وضعف قراءة الواقع وتجارب أمم وحركات سياسية وعقائدية أخرى.

*     *     *

هناك إشكالية كبرى واجهت وما زالت تواجه القراءة الإسلامية التقليدية للسيرة النبوية في أبعادها السياسية والعسكرية أو الاستراتيجية، وتتمثل في حصر الأمر في الأبعاد الإيمانية وحدها دون غيرها، وجعل التقدم والتراجع، والنصر والهزيمة، محصوراً فيها؛ حتى شاع في بعض الأدبيات الإسلامية قصة تتحدث عن أن نصراً ما قد تأخر بسبب عدم التزام عناصر جيش المسلمين بإحدى السنن، وهي استعمال السواك.

والحال أن القرآن الكريم لم يقل ذلك، إذ اعتبر أن مستوى الإيمان والصبر يمكن أن يضاعف القوة، لكنه لا يكسر كل موازين القوى (بمفهومها الشامل) على نحو يجعل النصر مؤكداً في كل الأحوال إذا توفّر الإيمان.

فقد قال إن عشرين صابرين، يمكن أن «يغلبوا مئتين»، «وأن مئة قد يغلبوا ألفاً، لكنه عقّب مباشرة بالقول: «الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» [الأنفال: 66].

اللافت هنا أن البعض قد رأى في الأمر نسخاً، لكن واقع الحال أن المعادلة الأولى تبقى قائمة في بعض الحالات، حتى مع غير المسلمين، تماماً كما الحالة الثانية!

وفي التاريخ معارك لا تحصى لطوائف وأعراق شتى انطبقت عليها المعادلتان، لكن ذلك لم يعتمد على الإيمان أو المستوى العقائدي وحده، بل على موازين القوى بمعناها الشمولي (نتحدث هنا عن معارك الجيوش، وليس معارك المقاومة مع المحتلين التي تتميز بحسابات مختلفة).

هناك دول تكون في مرحلة تراجع كنتاج هزائم سابقة أو صراعات داخلية، وهي بذلك تكون مرشّحة للهزيمة، وإن امتلكت عدداً كبيراً من الجند، بينما تكون أخرى في مرحلة تماسك وعقائدية وصعود، فيكون النصر حليفها، فضلاً عما يتعلق بإدارة المعارك ذاتها، ومجمل الظروف الموضوعية الأخرى؛ داخلياً وخارجياً.

القراءة الأخرى الإشكالية في السيرة النبوية، هي تلك التي حيّدت الإبداع البشري، وصوّرتها كأن الوحي كان يحدد للنبي ﷺ كل خطوة كان يخطوها، مع أن أحداثاً كبرى كانت واضحة في تأكيد الإبداع البشري، ولجوء النبي إلى مشورة الصحابة، كما في لحظة فارقة شهيرة هي بناء الخندق حول المدينة، والذي فاجأ «الأحزاب» وأربك كل حساباتهم.

وحين يخبرنا الحق-عز وجل- بأن لنا في «رسول الله أسوة حسنة»، فإنه يحدثنا عن أخلاقياته بكل تأكيد، لكنه يحدثنا أيضاً عن إبداعه الاستثنائي في كل شأن من شؤون الدعوة بجانب السياسة وإدارة الصراعات، والأخيرة بالغة الأهمية للأمة في مسيرتها الطويلة؛ قديماً وحديثاً.

نذكر ذلك كله في سياق الحديث عن كتاب بالغ الأهمية، صدر حديثاً عن دار «جسور» في بيروت، هو (الربيع الأول: قراءة سياسية واستراتيجية في السيرة النبوية)، لوضاح خنفر.

ونقول إنه كتاب بالغ الأهمية؛ لأنه يختلف عن معظم القراءات السابقة في السيرة النبوية، إذ يضعها في إطار سياسي واستراتيجي يكشف ذلك القدر الرهيب من الإبداع في حركة النبي -عليه الصلاة والسلام- في مسيرته منذ اللحظة الأولى للرسالة، وحتى ختام الرحلة.

سنظلم الكتاب إذا جئنا نتحدث عن فصوله أو مضامينه، وهو الذي امتد لـ 400 صفحة من القطع الكبير، ويبدو كما لو كان رواية تاريخية تنقلك من فصل إلى آخر بقدر متميز من الإبداع، رغم أنك تعرف أكثر الأحداث من حيث روايتها التقليدية، ونتائجها النهائية.

إنه يدخل في ثنايا تلك الأحداث والصراعات، ليمنحك صورة عن حجم الإبداع في إدارتها، وكيف كانت تنطوي على رؤية استراتيجية بالغة الدقة من حيث قراءتها لكل الظروف الموضوعية وموازين القوى الداخلية والخارجية.

هو كتاب بالغ الأهمية، وفي ظني أن قراءته من قبل المعنيين بالهمّ الإسلامي ستؤثر كثيراً في طبيعة تفكيرهم، وتجعلهم أكثر قدرة على تصويب حركتهم السياسية؛ فهم الذين كلفتهم القراءة السطحية للسيرة الكثير من الخسائر.

ذلك أن عجزهم عن قراءة الواقع وموازين القوى ذو صلة بتلك القراءة، قبل أن يكون نتاج هشاشة الثقافة السياسية، وضعف قراءة الواقع، بجانب تجارب الشعوب والحركات السياسة والعقائدية الأخرى، قديماً وحديثاً.

* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/فلسطيني

المصدر | العرب القطرية

  كلمات مفتاحية