الإدارة الأردنية «العليا» تتغير ببطء ولكن «بعمق»

الأحد 30 أغسطس 2015 05:08 ص

يؤشر السفير والمستشار في وزارة الخارجية الأردنية الدكتور نواف التل على مساحة إدارية عبثية وهو يتجول بين نخبة من كبار الكتاب الصحافيين لإقناعهم بأن ملف العلاقات مع السعودية «عاد» إلى وزارة الخارجية وكأن احدا ينافس الوزارة أصلا في القيام بواجباتها.

بعد جولة من هذا الصنف بين أصحاب أقلام معروفة ولدت مقالات لا تعكس الحقيقة بعنوان «ملف السعودية إلى الخارجية» ورغم أن خبرا من هذا النوع لا يستحق النشر ببساطة لإنه يقع في صلب واجبات الوزارة الإعتيادية إلا ان حركة الدبلوماسي التل كانت تهدف بوضوح لإعاقة مجهودات تنظم في زوايا أخرى من الدولة لهندسة العلاقات الأردنية مع السعودية.

الهدف كان إظهار الولاء للمؤسسة من قبل أحدث رجال الظل تعيينا في وزارة الخارجية لكن المسألة إنتهت بإثارة وشغب بدأ يلتهم الوزيرالمخضرم وأعتق وزراء الحكومة ناصر جودة الذي يتعرض حاليا لحملة غير مسبوقة من النقد ومطالبات الرحيل.

أخرون بعيدا عن الخارجية وفي مربعات موازية وللأسباب العبثية نفسها تقدموا لإعاقة «منتج ينمو» على صعيد العلاقات القطرية بعد إنجاز حققه أحد رجال الظل بصمت خلف الستارة لإعادة ترتيب ملف هذه العلاقات.

إشكالية إدارية تنمو كمتوالية هندسية في الأردن على صعيد الإدارة الدبلوماسية فالحاجة تبدو ملحة لقنوات دقيقة وصادقة بين القيادة الأردنية وخلايا العمل الناشطة في الدول الشقيقة والصديقة. أحد مدراء المخابرات في الماضي قرر تعطيل آلية إسمها «المبعوث الشخصي» للملك لأغراض تعزيز صلاحيات رئيس التشريفات الملكية آنذاك. القرار تسبب بفوضى كبيرة في مستوى العلاقات الأردنية مع دول الخليج وتلك الدول الصديقة التي تعتمد في عملها على تقنية «خلايا العمل» الناشطة خلف كواليس المؤسسات والمكلفة دوما بنقل وتبادل الرسائل.

المهم في الموضوع اليوم أن جميع المسؤولين في الأضواء لا علاقة لهم بالقرارات والتقييمات التي تجري في «الظل» ليس في الأردن فقط بل في مصر ودول الخليج العربي ليس بسبب نقص في كفاءة ومهنية رجال الأضواء ولكن بسبب التسويات التي تجري عبر خلايا عمل في الظل بالصورة التي تتطلبها الأوضاع المتوترة والموتورة في المنطقة.

الاستدراكات في الحالة الأردنية تحديدا أصبحت صعبة ليس لإن المؤسسات العلنية المختصة مثل وزارة الخارجية لا تقوم بواجبها فقط ولكن لإن تحقيق نتائج يتطلب مساحات لرجال الظل في الدولة العميقة. وقد أظهر ملف العلاقة مع السعودية تحديدا مستوى المكاسب التي يمكن إنتاجها بالعودة لقواعد العمل في ظل المشهد وليس عبر موظفين بيروقراطيين لهم صداقات وتحالفات ولديهم ميل للتوسع في الأفق الإعلامي ويبحثون عن دور.

التجربة على هذا الأساس تخضع للتقييم في أرفع مستويات المسؤولية في عمان بهدف التوثق من نماذج منتجة جدا وفعالة لخلايا الظل خصوصا في ظروف إقليمية ودولية دخلت في مناخات غاية في التعقيد والإثارة ومفتوحة على كل الإحتمالات والسيناريوهات.

في كل الأحوال أجواء المناكفات بين سكان الوظيفة العليا في الأردن ما زالت تبدد العوائد المحتملة للمبادرات والسياسات وحتى الخطوات التي يقررها أو يتخذها القصر الملكي مما يفسر عبثية الأداء الإداري في بعض الأحيان وندرة أو تبديد المكاسب الكبيرة.

في شؤون الإدارة العليا في بلد كالأردن كان أصحاب المعالي والدولة وكبار المسؤولين هم المعنيون بإتخاذ كل القرارات وسط تقاليد تشاور قررها القصر الملكي منذ سنوات طويلة طالت حتى تشكيل الحكومات والفرق الوزارية وأعضاء مجلس الأعيان في الكثير من الحالات.

هنا حصريا تتدخل المناكفات والإعتبارات الشخصية ويظهر بعض الذين تتاح لهم فرصة المساهمة في مشاورات القرارات الكبيرة ميلا للتعامل مع الإعتبارات الشخصية أفضلية عن الإعتبارات المهنية أو تلك التي تخص حتى مصالح الدولة والنظام.

الإنتاجية بهذا الأسلوب كانت ضعيفة ومنتجة للمشاكل طوال الوقت وتم التورط بعدة مشكلات وأزمات ناتجة عن «خيارات سيئة» أو غير مناسبة في بعض المواقع العليا، لكن اليوم ثمة ما توثقت منه «القدس العربي» حول وجود مؤشرات ولو صغيرة على ان الآلية «قد تختلف» قريبا أو في طريقها للإختلاف.

آخر قرار مهم على صعيد إختيار أو إقالة مسؤولين كبار كان ذلك المتعلق بإقالة وزير الداخية الأسبق حسين المجالي وقطبين كبيرين في مؤسستين أمنيتين هما الأمن العام والدرك في التوقيت واليوم نفسه.

بصرف النظر عن مبررات ومسوغات إقالة ثلاثة جنرالات دفعة واحدة قبل أكثر من شهرين بقرار سياسي سريع وخاطف أدهش الجميع، يظهر الإتجاه ان المؤسسة المرجعية بدأت بتغيير النمط. فالبدلاء الجدد للمسؤولين المقالين وقد كان إثنان منهم في مواقع قريبة جدا من القرار المرجعي خضعوا للتدقيق وقرأت سيرتهما الذاتية وثمة معلومات عن مقابلات معمقة جرت للإختيار وبصفة مباشرة ومركزية، الأمر الذي يفسر عمليا القوة المعنوية التي ظهرت عند الإستعانة بوزير داخلية جديد وقوي مثل المخضرم سلامة حماد وجنرالين شابين تتاح لهما الفرصة.

قرار الإستبدال في هذه الحالة إنتهى بمعالجات «أمنية فعالة» وسريعة صفق لها الرأي العام وأسندها لكن سياسيا والأهم ان هذه القرار لم يتعلق فقط بإستبدال الأشخاص بل الآلية نفسها ونتائج العملية تقول اليوم بأن التفاصيل «منتجة» سواء اتعلق الأمر بعودة الإسترخاء لمدينة معان أو مواجهة بعض ملامح الفساد الصغير في بيروقراطية المؤسسات المعنية بالأمن الداخلي أو تعلق بالسيطرة المثيرة على ظاهرة إطلاق الرصاص في الإحتفالات.

على صعيد الأمن الداخلي ثمة جديد لا يمكن إلا رصده في مستوى الإدارة الأردنية نغمة «هيبة الدولة « تبرز ميدانيا وليس على المستوى اللفظي فقط والبلاد بصدد ولادة قوة مركزية لمنصب «وزير الداخلية» وهو ما يمكن لمسه من لغة الوزير الحالي سلامة حماد وهو يقول لـ «القدس العربي» مباشرة بأن صلاحياته سيمارسها ولن ينتظر ما تقرره تلك اللجان السياسية التي تجتمع أو لا تجتمع.

ثمة تجربة موازية أثارت تصفيق الرأي العام على صعيد بيروقراطي نجمها وزير التربية والتعليم محمد الذنيبات الذي نجح في مسألتين أرهقتا عدة حكومات سابقة بعدما حظي بغطاء سياسي وهما إستعادة هيبة إمتحان الثانوية العامة وإظهار نتائج للطلبة تعكس مستواهم الحقيقي.

وزير التعليم العالي بدوره حاول في مساحة المقاعد الجماعية لكنه أخفق وأعلن رسميا وهو يقول: مبادرات الإصلاح الجامعي التي تقدمت بها أحبطها البرلمان.

في كل الأحوال وفي المحصلة يمكن القول إن الأردن يتغير إداريا بشكل عميق وإن كان بطيئا هذه الأيام بسبب «صحوة» قوامها العودة لتوازنات الصلاحيات ومغادرة منطقة تفويض مجموعة مستشارين أو مسؤولين غير منتخبين بقرارات يقول الدستور انها مركزية وتخص السياق المرجعي للدولة كما فُهم من مصدر مطلع. القصر الملكي في طريقة لتغيير الآليات بعدما تبينت مساحات الشخصنة في الكثير من المواقع المهمة.

  كلمات مفتاحية

الأردن وزارة الخارجية الأردنية العلاقات السعودية الأردنية العلاقات القطرية الأردنية

ملك الأردن: حازمون مع من يستخدم السلاح في الأعراس حتى لو كان ابني