لهذه الأسباب تتصاعد القومية العسكرية في الخليج

الجمعة 17 يوليو 2020 04:59 م

في السنوات الأخيرة، ارتفعت مشتريات دول الخليج من الأسلحة بشكل كبير، ويمثّل ذلك نمطا جديدا من "القومية العسكرية". ورغم الأخطار المختلفة التي تواجه دول الخليج، فإن هناك أسباب تجعل هذا الاتجاه مقلقًا.

أطلقت حرب الخليج عام 2003، وانتفاضات الربيع العربي عام 2011، حالة من عدم الاستقرار الواسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبطرق مختلفة، أدى كلاهما إلى تهديدات متزايدة وتوسع النفوذ الإيراني في بعض الدول العربية، فضلا عن الاضطرابات الداخلية في دول شبه الجزيرة العربية.

ونتيجة لذلك، كانت دول مجلس التعاون الخليجي تنظر في الغالب إلى عواقب سقوط "صدام حسين" وثورات الربيع العربي على أنها تطورات خطيرة؛ ما أدى إلى زيادات كبيرة في مشترياتها من الأسلحة، وهو اتجاه من المقرر أن يستمر. فوفقًا لبيانات "جين" لميزانيات الدفاع، سيصل الإنفاق الدفاعي لأعضاء مجلس التعاون الخليجي إلى ما يقرب من 117 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2023.

وبالرغم أن الحاجة إلى الأمن تفسر إلى حد كبير هذا الارتفاع في النفقات العسكرية، فإن ترويج أعضاء مجلس التعاون الخليجي لـ "القومية الجديدة" هو أيضًا جزء من الصورة.

تعرف "إليونورا أرديماني"، زميلة باحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، "القومية العسكرية" بأنها "منظومة القيم العسكرية التي يتم الترويج لها من الأعلى، بما في ذلك الرموز والتجارب الجماعية والسرديات، والتي تهدف إلى تعزيز الإحساس بالانتماء والتماسك الوطني في الأسفل".

يجدر التساؤل عما إذا كان هذا التحول نحو "القومية العسكرية" يمثل نقطة تحول أو مجرد استمرار لاستراتيجيات سابقة بخصوص بناء الدولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

توضح المبادرات المتعلقة بالعسكرة المتزايدة في الخليج مساعي خلق هوية جديدة مع تعزيز الوحدة الوطنية، وتنتشر حاليا في جميع دول الخليج العديد من المعارض والمتاحف والمهرجانات التي تعزز منظومة القيم الجديدة.

في الإمارات، أصبح العرض العسكري "حصن الاتحاد" حدثًا وطنيًا من خلال التمثيلات المختلفة لقادة كل إمارة والتدريبات العسكرية المقدمة للجمهور.

وفي قطر، كان العرض العسكري لعام 2018 مصحوبًا بأغاني وطنية أكثر 3 مرات مما كان عليه الأمر في عام 2017. فيما تحملت السعودية العام الماضي أكبر عبء عسكري في العالم، حيث خصصت 8% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، وهو ما تزامن مع الزيادة القومية المفرطة التي جلبها ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، بهدف تعزيز حكمه.

ولغرس قيم "القومية العسكرية" في السكان بشكل فعال، لجأ قادة دول الخليج إلى الروايات السياسية. في أواخر عام 2017، أعلن وزير الدولة القطري للدفاع، "حمد بن علي العطية"، أن التجنيد يساعد القطريين على أن يصبحوا مواطنين نموذجيين يحمون الوطن ويرفعون اسمه بين الدول.

فيما ربطت الإمارات جنودها بالأبطال الذين يمثلون قيمًا وطنية مهمة، واختارت السعودية رسائل مماثلة، على سبيل المثال، كان شعار "أبطالنا في قلوبنا" خلال العيد الوطني في عام 2016، مخصصا للفت الانتباه إلى الجنود السعوديين الذين يقاتلون في اليمن.

الترويج للقومية

وينبغي النظر إلى الترويج لـ "القومية العسكرية" على أنه إشكالي لسببين مهمين:

أولاً، كلما زاد امتلاك الدولة للأسلحة، زادت احتمالية استخدامها. وقال الأكاديمي الإماراتي "عبدالخالق عبدالله" إن "الخليج هو المكان الأكثر عسكرة على وجه الأرض، وبالرغم من ذلك لم نشهد الأمن أو الاستقرار... كلما زادت العسكرة، أصبحت المنطقة أقل أمانًا".

يمكن القول أن السعوديين والإماراتيين اتخذوا قراراتهم بشأن دخول المعركة في اليمن في عام 2015 لعدة أسباب منها ارتفاع مستويات الاستثمار في جيوشهم والتي تصاعدت بشكل كبير بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011. ومع ذلك فإن ما أكده الحوثيون والهجمات الصاروخية التي كشفت عن نقاط ضعف سعودية في السنوات الأخيرة، أثبت أن إنفاق الرياض الضخم على جيشها والحرب السعودية المستمرة منذ 5 سنوات ضد الحوثيين فشلت في الحفاظ على المملكة آمنة.

ثانيًا، كل دولار يُنفق على الجيش يتم خصمه من أشكال الإنفاق الأخرى التي يمكن أن تساعد في التنمية الاجتماعية والبشرية.

في منطقة الخليج، حيث لا يمكن للنفط الحفاظ على نمط الحياة الحالي إلى ما لا نهاية، تدرك جميع الحكومات أن التنويع الاقتصادي لتحقيق اقتصادات قائمة على المعرفة أمر أساسي، ويتطلب تحقيق هذه الرؤى مبالغ كبيرة من المال للاستثمار في تنمية قطاعات أخرى غير الطاقة.

مع استمرار بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي في إدراك التهديدات من أصحاب النفوذ العسكري التقليدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - بشكل رئيسي إيران وتركيا - إلى جانب الصراعات التي لم يتم حلها والتي تغذي الفوضى في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، من غير المرجح أن تقلل الأنظمة الخليجية بشكل كبير من الإنفاق العسكري في المستقبل القريب.

كما أعطت أزمة مجلس التعاون الخليجي أسبابًا لقطر للنظر إلى زيادة الإنفاق الدفاعي؛ نظرًا لأن السعودية والإمارات والبحرين ومصر تواصل الضغط على قطر من خلال الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية وحتى من خلال التهديدات العسكرية.

ومع ذلك، فإن تكاليف "القومية العسكرية" ستكون أكثر صعوبة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي مع تراجع أسعار النفط. ويبقى أن نرى كيف يستعد القادة في الخليج لمتابعة أهدافهم المتمثلة في خفض الإنفاق الحكومي، والاستثمار في أجندات التنويع الاقتصادي، مع غرس شعور أقوى بالهوية الوطنية بطرق أكثر عسكرة.

المصدر | جورجيو كافيرو وعائشة العلوي/ إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نفقات التسلح الخليجي القومية الخليجية التنويع الاقتصادي

سي إن إن: تزويد السعودية بالسلاح يقوض مصداقية أمريكا