إيريني الانتقائية.. لماذا تحول الموقف الأمريكي من العملية الأوروبية بليبيا؟

الاثنين 20 يوليو 2020 05:04 م

لماذا تحول الموقف الأمريكي  تجاة عملية "إيريني" العسكرية الأوروبية، المتعلقة بحظر توريد السلاح إلى ليبيا؟ وإلى ماذا يؤشر؟

تصدر هذان السؤالان اهتمامات مراقبي الشأن الليبي خلال الساعات الماضية بعدما انتقد مساعد وزير الخارجية الأمريكي "ديفيد شينكر" أداء العملية الأوروبية متهما إياها بـ"الانتقائية".

وقال "شينكر"، خلال فعالية افتراضية لباحثين، إن "اعتراضاتهم (الأوروبيين) الوحيدة على الأسلحة التركية المرسلة إلى ليبيا، في حين لا أحد يعترض على الطائرات الروسية، ولا الإماراتية، ولا على المصريين".

وعزز من تصدر السؤالين ما كشفه موقع "تاكتيكال ريبورت" الاستخباراتي بشأن تفاصيل اتصال هاتفي جرى بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ونظيره التركي "رجب طيب أردوغان"، قبل نحو 8 أيام، أكد فيها الأول دعمه لتوسيع نطاق تدخل أنقرة في ليبيا عبر دعم قوات حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، عسكريا.

وتعود الإجابة إلى ملفين رئيسين، الأول يتعلق بتعاظم دور مرتزقة "فاجنر" الروس، في دعمهم العسكري لقوات الجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر"، الذي ينازع السلطة مع حكومة الوفاق عسكريا منذ عام 2014، والثاني يتعلق باستمرار إغلاق تلك القوات لحقول وموانئ النفط شرقي ليبيا.

فمساعي واشنطن للبعثة الأممية في ليبيا لإعادة فتح حقول وموانئ النفط الليبي باءت بالفشل بسبب إصرار "حفتر" استنادا إلى قدرات الدعم الروسي، ولذا هددت السفارة الأمريكية من وصفتهم بـ"أولئك الذين يقوّضون الاقتصاد الليبي ويتشبثون بالتصعيد العسكري" بمواجهة "العزلة وخطر العقوبات".

أما الوجود العسكري الروسي قرب الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط فيمثل تهديدا لحلفاء الولايات المتحدة من دول الاتحاد الأوروبي، ولذا ركزت واشنطن انتقادها لعملية "إيريني" باعتبار أن "انتقائية" تعاملها مع توريد السلاح إلى ليبيا لا يصب في صالح أوروبا ككتلة، فضلا عن صالح الولايات المتحدة.

ويشير الأدميرال "هايدي بيرج"، كبير ضباط المخابرات في القيادة العسكرية الأمريكية بأفريقيا "أفريكوم"، في هذا الصدد، إلى أن موسكو "تحاول تأجيج الصراع الليبي خلف الكواليس، كما فعلت - وفق مسؤولين أمريكيين - في كل من أوكرانيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، بما يمكنها من فرض اعتبارها أمام الولايات المتحدة على الساحة الدولية، عبر ممارسات من شأنها أن تجعلها الطرف الأكثر تحكما على طاولة المفاوضات للوصول إلى حل سياسي في ليبيا، وفقا لتحليل نشرته "واشنطن بوست".

ويرى قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال "جوزيف فوتيل"، أن لعب موسكو لدور "مشعل النار ورجل الإطفاء" ينتهي إلى "مأسسة" الوجود الروسي بالمنطقة، وهو ما حذر منه "جيمس كويل"، المتخصص بالشؤون الروسية، في مقال نشره بتاريخ 14 يوليو/تموز بموقع "ذا هيل"، داعيا الولايات المتحدة للتحرك ووقف "ألعاب روسيا في ليبيا".

واعتبرت الموقع الأمريكي أن غياب دور واشنطن وفراغ السلطة في ليبيا جذبا لاعبين آخرين إلى الصراع، بينهم الإمارات ومصر، إلى معسكر من شأنه ترسيخ نفوذ موسكو المتنامي بالبحر المتوسط.

ومن المتوقع استفادة روسيا من التدخل المحتمل لمصر عسكريا شرقي ليبيا، إذ رغم الدعم السنوي المقدم من واشنطن بقيمة 1.3 مليار دولار، لكن القاهرة تقترب من موسكو منذ سنوات ووقّعت معها عقدا لبناء مفاعلات نووية.

وهنا يبدو الرهان الأمريكي على تركيا واضحا، بعدما أوضحت انتقادات "شينكر" أن واشنطن لم تعد تعول على الأوربيين في حسم الصراع الليبي.

فمنذ الإطاحة بنظام "معمر القذافي" عام 2011، حدت الولايات المتحدة من دورها وتعاملت مع ليبيا عبر منظور مكافحة الإرهاب، ودعت الأوروبيين لتسلم القيادة، لكن تضارب المصالح بين فرنسا وإيطاليا جعل الكتلة الأوروبية متأرجحة، وهو ما استغلته تركيا لدعم الحكومة التي تحظى بالشرعية الدولية.

من هنا يقرأ مراقبون تغريدة نشرها "فؤاد أوقطاي"، نائب الرئيس التركي، في 19 يونيو/حزيران الماضي، مشيرا إلى أن "التعاون التركي الأمريكي بشأن ليبيا اكتسب عمقا".

وإزاء ذلك، يحمل مراقبون إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مسؤولية التهديد الروسي في ليبيا، باعتبار أنه ناتج عن "عشوائية" بإدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إذ سبق لـ"ترامب"، العام الماضي، أن ساهم في تفكيك الجهود التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سلمية عندما أعلن دعمه لـ"حفتر" في هجومه على طرابلس العام الماضي.

لكن هزيمة "حفتر" في معركة طرابلس جعلت الرهان الأمريكي شبه منحصر في تركيا حاليا، وهو ما يمثل مؤشرا سلبيا لواشنطن في ملفات أخرى، بينها نفوذ تركيا على الطاقة بحوض البحر المتوسط.

وبحسب تحليل "واشنطن بوست"، فإنه من غير المرجح أن تزيد إدارة "ترامب" بشكل كبير انخراطها في النزاع الليبي رغم التهديدات التي يثيرها تموقع واشنطن الحالي، حيث ستبقى كما أعلنت سابقا متمسكة بسياسة التقليل من التدخل في الصراعات الخارجية حتى في الأماكن التي تبدو فيها مصالح واشنطن واضحة بجلاء، خاصة في ظل استمرار تركيا في لعب دور الدعم الصلب لحكومة الوفاق الليبية.

ويتزامن الخيار الأمريكي مع تسريبات إعلامية غير مؤكدة عن "مقترح لإخلاء منطقة الهلال النفطي من أي قوات عسكرية، وانسحاب ميليشيات حفتر إلى مدينة أجدابيا شرقا، مقابل عدم هجوم قوات حكومة الوفاق على المنطقة الممتدة من سرت إلى أجدابيا، وإشراف قوات أوروبية عليها برعاية الأمم المتحدة".

غير أن هكذا خيار قد يتسبب في تعميق الشرخ بين أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو"، خاصة تركيا وفرنسا، حيث تقفان على طرفي نقيض من الأزمة الليبية، في حين يستمر تدفق المرتزقة من روسيا وسوريا وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء بسبب استشعار الجميع الفرص الاقتصادية التي تتيحها البلاد.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

خليفة حفتر حكومة الوفاق

تركيا وليبيا ومالطا تتحفظ على عملية إيريني البحرية