خطة الإنعاش الأوروبية: إنقاذ الشعوب أم النظام الرأسمالي؟

الأربعاء 22 يوليو 2020 04:32 م

خطة الإنعاش الأوروبية: إنقاذ الشعوب أم النظام الرأسمالي؟

الأرجح أن الوقت لن يطول قبل اتضاح الحقيقة حول آمال وآلام هذا «الاتفاق التاريخي».

أسفر الاتفاق عن تبدلات نوعية تخص جوهر الرأسمالية المعاصرة وطبائع العلاقة بين الدولة المركزية واقتصاد السوق.

هل الخطة تستهدف إنقاذ شعوب أوروبا من اعتلالات كورونا أم إنقاذ النظام الرأسمالي من أزمة لعلها الأخطر في الأزمنة الحديثة.

*     *     *

توصل قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مفصل بشأن خطة إنعاش الاقتصادات الأوروبية التي تعثرت أو ركدت أو انتكست خلال الأشهر الخمسة التي أعقبت تفشي جائحة كوفيد ـ 19.

وذلك بعد مباحثات ماراثونية معقدة احتضنتها العاصمة البلجيكية بروكسيل على مدى أربعة أيام، وشهدت حضور القادة الأوروبيين شخصياً على خلاف اجتماعات سابقة كانت تتم عبر تقنية الفيديو.

وبات معروفاَ أن الخطة تقوم على إنشاء صندوق اقتراض مشترك قيمته 750 مليار يورو، تتوزع مبالغه بين 390 مليار يورو في هيئة منح مالية داعمة، و360 مليار يورو أخرى لها صفة القروض المشروطة التي يتوجب أن تسددها الدول المعنية بالاقتراض. وستكون حصة إيطاليا هي الأكبر إذ تبلغ 28٪ من إجمالي الصندوق، تليها إسبانيا وبولندا.

لم يخطئ بعض القادة الأوروبيين حين أطلقوا على الخطة صفة «الاتفاق التاريخي»، ليس لأنها الأكثر طموحاً بصدد الاقتصاد الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية فقط، بل كذلك لأنها أسفرت عن تبدلات نوعية تخص جوهر الفلسفة الرأسمالية المعاصرة وطبائع العلاقة بين الدولة المركزية واقتصاد السوق.

ففي مستوى أول بدا واضحاً أن الاتحاد انقسم في تفسير الخطة إلى أربع مجموعات، دارت حولها جولات الخلاف والتنازل والمساومة أيضاً:

- الأولى هي الدول «المقتصدة» ومثلتها النمسا والسويد والنروج والدانمرك وفنلندا.

- الثانية هي الدول الغنية ذات الاقتصادات المتينة والتصنيع المتقدم في ألمانيا وفرنسا أساساً.

- الثالثة هي الدول الأفقر والأدنى إنتاجية وقدرة على التأقلم مثل إيطاليا وإسبانيا وبولندا واليونان.

- الرابعة هي بقية الدول التي على الهوامش بين الفقر غير الشديد والغنى المتوسط.

في مستوى ثانٍ، لعل التطور الأهم الذي شهدته مباحثات بروكسيل كان انتقال المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من نهج الرفض البات لتوريط المصرف المركزي الألماني في أي عمليات منح لا تأخذ صيغة الإقراض المشروط، كما فعلت خلال أزمة الاقتصاد اليوناني قبل سنوات، إلى مرونة عالية في الموافقة على 390 مليار يورو من المنح المالية التي ستتكفل برلين بقسط غير قليل من تمويلاتها.

وإذا كان البعض ينسب هذا التحول إلى قناعة ميركل بأن أعراض الاقتصادات الأوروبية المريضة ستنتقل لا محالة إلى بلدها ذاته، فإن البعض الآخر يرى أنها شاءت اختتام تاريخها السياسي بنقلة سياسية واقتصادية تُحسب لها عندما تتقاعد في نهاية ولايتها الحالية، بعد 16 عاماً من القيادة الناجحة.

ولا ريب أن المشككين في فاعلية الاتحاد الأوروبي بصفة عامة، ومن الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية خاصة، سوف يتساءلون بحق عما إذا كانت الخطة تستهدف إنقاذ شعوب أوروبا من اعتلالات ما بعد كوفيد ـ 19، أم إنقاذ النظام الرأسمالي ذاته من أزمة لعلها الأخطر في الأزمنة الحديثة.

والبعض يضرب مثالاً على شطب بند في مسودة الاتفاق كان يشترط ربط المساعدات بتحسين الأداء الحكومي وسيادة القانون في دول مثل هنغاريا وبولندا.

كما يساجلون بأن قيادة الاتحاد انقلبت إلى ما يشبه احتياطي فدرالي دائن ومدين في آن معاً، لأول مرة منذ إطلاق الاتحاد قبل 63 سنة، وعلى نقيض من مبادئه التأسيسية الدستورية.

والأرجح أن الوقت لن يطول قبل اتضاح الحقيقة حول آمال وآلام هذا «الاتفاق التاريخي».

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية