استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أسباب عدة لانحدار أميركا

الخميس 6 أغسطس 2020 11:26 ص

أسباب عدة لانحدار أميركا

«لحظة القطبية الأحادية» لم تخط بالعالم خطوة للأمام على طريق التنمية والسلام وحماية حقوق الإنسان.

ظروف قصة انحدار لا تزال ضاغطة ومؤثرة وبعض أبطالها أحياء مثل ترامب أحد أبطال الانحدار لكنه ليس الأهم، حتى اللحظة.

فشلت أميركا عندما قادت منفردة وبدأ انحدار أميركا فورا عقب تفجير سفارتيها في كينيا وتانزانيا أو يوم سقطت بغداد أو يوم أسقطت "القاعدة" برجي مانهاتن.

سقط سقوطاً مدوياً مبدأ أن التفوق العسكري الأميركي يمنع أي دولة من الصعود لمنافستها.. الصين وكوريا الشمالية صعدا وواصلا الصعود رغم الإنفاق العسكري الأميركي الهائل.

*     *     *

الرئيس دونالد ترامب في تغريدته الأشهر عن احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية كان حريصاً على ألا يهتم باللياقات المؤسسية، مثل تحديد الجهة التي سوف تصدر قرار التأجيل. هكذا وعلى هذا المنوال، أعتقد أنه سيستمر في تحدي القواعد والمؤسسات، يغير في تشكيلها ما شاء أن يغير، ويدمر ما جاء من أجل تدميره.

لا شيء، لا شيء على الإطلاق، طرأ خلال عام أو أطول من الكتابة في هذا الموضوع دفعني لتغيير رأيي في موقفين، الأول هو ثقتي المطلقة في أن انحدار أميركا بدأ قبل ظهور ترامب كمرشح رئاسي.

هنا أنا لا أبرئ الرجل من مسؤوليته عما أصاب أميركا في عهده من مصائب، وما فقدته من مكانة ومصادر قوة.

أما الموقف الثاني الذي تمسكت به وما أزال فهو اقتناعي الراسخ بأن الرئيس ترامب لن يتخلى بسهولة عن منصب الرئاسة فاز في الانتخابات أم خسر. اعترف أنني ربما فشلت في إقناع بعض الأصدقاء أن ترامب جزء من رسالة تبشير عنصرية، تهب على العالم مرة أخرى من الغرب.

هذه الرسالة لم تصل بعد إلى كل أهدافها، إلا أنها وجدت في انتظارها في عديد محطاتها آذاناً صاغية وتنظيمات واعية مستعدة لتغيير أميركا نحو خيارات متشددة.

لكثرة ما كتب وقيل ولجودة وأصالة بعضه صار انحدار أميركا له أدب خاص به. أسبابه ومصادره عديدة. وللحق سرعان ما يكتشف القارئ الموضوعي مبكراً أن الانحدار الأميركي له ما يبرره، وبخاصة إن جرى التحليل ضمن السياق التاريخي.

أعتقد أنها متعة من المتع الأصيلة، العودة إلى قراءة تاريخ صعود وانحدار القوى العظمى والإمبراطوريات الكبيرة. المتعة الأعظم هي في قراءة ومتابعة سياسيين من دول حملتها إلى المجد سيرتها الإمبراطورية.

وألقت بها إلى سكك ودروب الانحدار حروب وأوبئة أو قصور ذاتي أو نهم التوسع، هؤلاء تراهم الآن يقفون على أبواب مدن نصف مدمرة في سوريا والعراق وليبيا يحلمون ببعث إمبراطوري بعد طول انحدار.

اندثرت في تاريخنا الحديث إمبراطوريات أوروبية، وحلت محلها إمبراطورية أميركية، ها هي بدورها تسحب قواتها مخلفة وراءها فوضى ودمار. المأساة تتكرر في صور شتى.

عندما قرر الاستعمار الأوروبي الخروج خلّف وراءه عالماً عربياً ممزقاً و«إسرائيل» وهيمنة أميركية وراء أستار حرب باردة بين القطبين السوفييتي والأميركي.

والآن يخرج الأميركي مخلفاً وراءه في العراق وسوريا وليبيا ومواقع أخرى دمارًا وخرابًا وعملاء ووسطاء في شكل دول أو ميليشيات وجيوش مرتزقة أو منظمات وأحزاب أو أفراد من حملة رايات مجد زال وعقائد فسدت أو بارت.

هؤلاء وغيرهم ممن يعج بهم الشرق الأوسط يسعون الآن إلى تسهيل إقامة إمبراطوريات جديدة أو هيمنات إقليمية تحل محل الهيمنة الأميركية وتملأ فراغاً كبيراً وفراغات عديدة صغيرة احتفظ بعضها بقوة جذب رهيبة.

كنت هناك. كنت في أميركا في نهاية القرن العشرين، القرن الذي حظي بشرف أن يسمى بالقرن الأميركي تسجيلاً للمكانة التي احتلتها أميركا في نفوس مثقفي الغرب في ذلك الحين.

كنت هناك، رأيتها تتجمل وهي تستعد لأداء واجباتها باعتبارها الدولة الأعظم في نظام ثنائي القطبية، القطب الثاني فيه وهو الاتحاد السوفييتي، قطب غائب؛ لسقوطه ثم انفراطه بعد انحدار متسارع، أودى بحقه في مكانته القطبية.

رأيت أميركا في «لحظة القطبية الأحادية». رأيتها في القمة سعيدة بما حققته على صعيد العولمة، وبالرخاء الذي حط بها، ثقة هائلة في النفس جعلتها تدعو الصين إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي وفقاً لقواعد وضعها الغرب وعقيدة يؤمن بها ومنظومة قيم هو مبدعها.

كنت هنا وهناك عندما توقفت أميركا فجأة عن نشر عقيدتها أو بدأت تتراخى. رأيتها عاجزة عن توفير الدافع ثم الطاقة والإمكانات اللازمة لتزويد دول بأنظمة حكم على شاكلتها، رأيتها تنسحب!

دخلت العراق بعد إعلان انسحابها، فهمت لماذا استحقت كل هذا الكره، تساءلت ومن معي عن مصادر كل هذا الفساد، أهو من صنع جنود أميركا وموظفيها أم من صنع مختلط، عبقرية الغرب وعبقريات الشرق وكلاهما ساقط أو في مرحلة متقدمة من الانحدار.

في العراق كما في غيرها من دول في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية فقدت أميركا الكثير. آلاف الضحايا في حروب كلها من دون استثناء خاسرة حتى بحساب آبار نفط منهوبة ومناجم نحاس مسلوبة وغابات منقولة.

في العراق وحدها أنفقت أميركا على التدمير والتخريب تريليونات من الدولارات، هنا وهناك وفي كل مكان تراكم لأميركا أعداء وخصوم ومحتجون وخائبو أمل وفاقدو ثقة، وقفت ضد العالم تتحدى إجماعه على ترطيب المناخ.

صار واضحاً وجلياً للعالم أن الفضل يعود للصين والهند في تقليص نسب الفقر، صار حقيقة ملموسة أن «لحظة القطبية الأحادية» لم تخط بالعالم خطوة واحدة إلى الأمام على طريق التنمية وطريق السلام وحماية حقوق الإنسان.

فشلت أميركا عندما قادت منفردة، رأي يستحق نقاشاً مطولاً، بدأ انحدار أميركا فوراً في أعقاب تفجير سفارتيها في كينيا وتانزانيا أو يوم سقطت بغداد أو يوم أسقط "القاعدة" البرجين في مانهاتان.

رأي يستحق هو الآخر نقاشاً مطولاً. سقط سقوطاً مدوياً المبدأ القائل إن التفوق العسكري الهائل للولايات المتحدة يمنع أي دولة من الصعود لموقع تنافسها منه.

رأي أحبطه صعود الصين وكوريا الشمالية. كلاهما صعد ثم واصل الصعود رغم الإنفاق الهائل على القوة العسكرية الأميركية، ويستمر التاريخ مزوداً بكل آليات التغيير.

من حظ هذا الجيل أنه كان شاهداً على قصة انحدار بتفاصيلها وأفراحها وأحزانها، ظروفها لا تزال ضاغطة ومؤثرة وبعض أبطالها أحياء ومنهم الرئيس دونالد ترامب، نحسبه بطلاً من أبطال الانحدار ولكنه ليس الأهم، حتى لحظة كتابة هذه السطور.

* جميل مطر كاتب ومفكر مصري ودبلوماسي سابق.

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية