حقيقة النفوذ الإيراني في القرن الأفريقي

الأحد 9 أغسطس 2020 02:43 م

منذ ثورة 1979 في إيران، سعت طهران لتحقيق تطلعات جيوسياسية في أجزاء كثيرة من العالم من أجل تقويض الجهود الرامية إلى عزل البلاد.

وكانت السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في القرن الأفريقي منذ عقود جزءا من سعي إيران لتأمين المزيد من العمق الاستراتيجي من خلال زرع شراكات مع مختلف الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية.

وغالبا ما تكون يد إيران المثيرة للجدل في القرن الأفريقي غير مفهومة جيدا، وغالبا ما يتم تحريفها لأغراض سياسية.

وبالرغم من وجود قيود كبيرة على وجود إيران في هذا الجزء من أفريقيا، فقد تمكن الإيرانيون من استخدام المنطقة كممرات بديلة لتقديم المساعدة العسكرية والمالية إلى وكلاء طهران في جميع أنحاء المنطقة العربية.

على سبيل المثال، منذ عام 2015، زودت إريتريا إيران بمنصة إطلاق لتسليح المتمردين الحوثيين في اليمن القريب.

ومع نظرها لإيران كجهة فاعلة مزعزعة للاستقرار في القرن الأفريقي، وبالتالي في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من أفريقيا، دعت السعودية والإمارات إلى مواجهة نفوذ الجمهورية الإسلامية في المنطقة المضطربة.

اتصالات إيران في القرن الأفريقي

ومنذ عام 1979، دفع مزيج من العوامل الأيديولوجية والتكتيكية السياسة الخارجية لطهران في القرن الأفريقي. وبحكم التوجه الإسلامي لإيران، كان للنظام الثوري الإيراني تقارب أيديولوجي مع مختلف الحركات الإسلامية في أفريقيا ومناطق أخرى أيضا.

وعلى نفس المنوال، استلهمت بعض الحركات الإسلامية في المنطقة الثورة الإسلامية. وأصبحت طهران أكثر جدية بشأن القرن الأفريقي في التسعينيات، على خلفية انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وانهيار الاتحاد السوفيتي في 1988 و1991 على التوالي.

وبعد أن بدأت رئاسة "محمود أحمدي نجاد" عام 2005، بلغ اهتمام إيران بأفريقيا عموما، بما في ذلك القرن الأفريقي، ذروته.

وكان "نجاد" أول رئيس للجمهورية الإسلامية ينظر بجدية إلى أفريقيا. وكان تواصل طهران مع القرن الأفريقي موجها لتحقيق أهداف مختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وكان إقناع "الإيرانيين العاديين" بأن الجمهورية الإسلامية زعيمة في العالم الإسلامي الأوسع أمرا مهما للنظام الذي رأى القرن الأفريقي، حيث معظم البلدان ذات أغلبية مسلمة، كمكان حيث يمكن لطهران نشر نفوذها.

وفي ما يتعلق بأجندة السياسة الخارجية الإيرانية، فقد ضغط تواصل طهران مع منطقة القرن الأفريقي على القوى المتنافسة في الشرق الأوسط، مثل السعودية، لتكرس المزيد من مواردها لمواجهة التهديد الإيراني المتصور في هذا الجزء الفقير من أفريقيا.

وكان الدعم الإيراني لاتحاد المحاكم الإسلامية الصومالي مثالا على الأيديولوجية التي تقود انخراط طهران في القرن الأفريقي.

وظهرت هذه المجموعة وسط الفوضى التي سببها فشل الدولة الصومالية عام 1990. وقاتل اتحاد المحاكم الإسلامية ضد الحكومة الانتقالية وأمراء الحرب المحليين، حتى أنه استولى على مقديشو قبل أن يهزمه الجيش الأثيوبي.

وبحسب لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة عام 2006، انتهكت إيران حظر الأسلحة من خلال توفير الأسلحة للجماعة.

وخلق هذا الدعم صدعا عميقا بين طهران ومقديشو لم تحاول الأولى إصلاحه إلا عام 2012 من خلال المساعدة الإنسانية الإيرانية وفتح المدارس الدينية في الدولة الأفريقية الفقيرة التي مزقتها الحرب.

وكانت إريتريا حالة تعاون تكتيكي. ويحكم نظام علماني إريتريا منذ الاستقلال، وبالتالي عارضت سياسة الأسلمة الإيرانية في المنطقة. حتى إنها تمتعت بعلاقات ودية مع (إسرائيل) حتى ذلك الحين. لكن العزلة الدولية دفعت الدولة الأفريقية إلى الاقتراب من طهران.

وبدأ التقارب عام 2006، عندما قطعت الولايات المتحدة علاقاتها مع إريتريا بسبب حربها الطويلة ضد أثيوبيا ودعمها لحركات مسلحة في الصومال، مثل "حركة الشباب".

وأدى هذان السببان في النهاية إلى تبني عقوبات الأمم المتحدة عام 2009. وقام الرئيسان "إسياس أفورقي" و"أحمدي نجاد" بزيارات متبادلة، ووقعا 4 اتفاقيات لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية في عام 2008.

كما سمحت إريتريا للسفن الحربية الإيرانية بالرسو في ميناءي مصوع وعصب، في موقع استراتيجي بالقرب من مضيق باب المندب.

تراجع إيران

وكان لعودة التوترات في العلاقات الإيرانية السعودية في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011 تداعياتها، ليس فقط على الشرق الأوسط ولكن أيضا على القرن الأفريقي. وفي هذا الجزء من القارة الأفريقية، حاول السعوديون مواجهة نفوذ طهران.

وكانت إريتريا مثالا على ذلك. واعتبرت السعودية ميناء عصب محورا إيرانيا لتعزيز قدرات الحوثيين الحربية. وإلى جانب الإمارات، عززت الرياض علاقاتها مع الرئيس "أفورقي" من خلال تقديم استثمارات في البنى التحتية العامة وحزم المساعدات المالية عام 2016. وكانت نتيجة هذا التعاون طرد البحرية الإيرانية من عصب واستبدالها بالقوات السعودية والإماراتية.

كما نأت دول أخرى في القرن الأفريقي بنفسها عن إيران. وأدى ضغط الرياض إلى قطع جيبوتي والصومال علاقاتهما الدبلوماسية مع طهران في أوائل عام 2016.

حتى أن الصومال انضم إلى التحالف الذي تقوده السعودية والمناهض للحوثيين من خلال فتح مجاله الجوي أمام القوات الجوية للتحالف.

ولم تقم إثيوبيا قط بتطوير علاقات وثيقة مع إيران، لذلك لم تتخذ أي موقف محدد ضدها. واقتربت أرض الصومال من الإمارات مقابل استثمارات في بربرة.

والآن، يبدو أن السعودية تعمل على تعزيز نفوذها في القرن الأفريقي عبر مجلس البحر الأحمر وخليج عدن، الذي يتألف من جيبوتي ومصر وإريتريا والأردن والسعودية والصومال والسودان واليمن.

وتجمع هذه المنظمة الجديدة التي تقودها السعودية جميع دول القرن الأفريقي والبحر الأحمر، باستثناء إثيوبيا، وتهدف إلى مكافحة ما تعتبره تهديدات خارجية في المنطقة، بما في ذلك إيران، وكذلك تركيا وقطر.

النظرة الماضية والمستقبلية

ولأسباب عديدة، كانت إيران أقل نجاحا بشكل ملحوظ من مجلس التعاون الخليجي وتركيا من حيث العمل مع الحكومات والمجتمعات في القرن الأفريقي.

وكان للدين والطائفية والأيديولوجية صلة بالأمر. وأوضح الخبير في الشؤون الإيرانية "ميسم بهرافيش"، في مقابلة في 20 يوليو/تموز، أنه "فيما يتعلق بالقرن الأفريقي، لا توجد أرضية أيديولوجية خصبة للمناورة الإيرانية وبناء النفوذ، على عكس نيجيريا في غرب أفريقيا، على سبيل المثال، حيث يوجد عدد كبير من السكان الشيعة".

ووسط تقارير تفيد بأن طهران ترعى "حركة الشباب"، فإن "بهرافيش" يشكك في مثل هذه المزاعم، قائلا: "نحن بحاجة إلى أدلة موثوقة لنكون قادرين على القول أنه في ظل وجود إسماعيل قاآني، ذهب فيلق القدس إلى مساعدة مجموعة مثل حركة الشباب من أجل تأمين مصالح إيران الجيوسياسية".

ويعد نقص الموارد المالية سببا آخر لعدم قدرة إيران على التنافس مع دول مجلس التعاون الخليجي ذات الجيوب العميقة في القرن الأفريقي.

وبالنظر إلى كيفية حكم هذه البلدان الفقيرة من قبل حكومات تعاني من ضائقة مالية، فقد منح النفوذ المالي دول الخليج العربي الغنية ميزة كبيرة على إيران فيما يتعلق بتعزيز النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي في هذه المنطقة.

وفي ظل العقوبات، أعطت إيران الأولوية لمساعي سياستها الخارجية في أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا، التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية أكبر بكثير لطهران من القرن الأفريقي.

وبالرغم من أن أعداء الجمهورية الإسلامية يواصلون تصوير إيران على أنها تهديد لاستقرار القرن الأفريقي، إلا أن وجودها وتأثيرها الحالي في المنطقة ضئيل للغاية وغالبا ما يكون مبالغا فيه للغاية في عواصم معينة.

وقال الدكتور "توماس جونو"، الأستاذ المساعد في جامعة أوتاوا، في مقابلة: "هناك بالتأكيد مبالغة حول النفوذ الإيراني في القرن الأفريقي".

ومع ذلك، سيكون من الخطأ تجاهل دور إيران في هذه المنطقة تماما. وبما أن الدول الأفريقية على طول البحر الأحمر تقع بالقرب من اليمن، فإن الحرس الثوري لديه كل الأسباب لمواصلة الاستفادة من هذه الجغرافيا واستخدام القرن الأفريقي لتقويض الأمريكيين والإماراتيين والسعوديين مثلما أشار "بهرافيش".

وبالنظر إلى المستقبل، يرى "جونو" أن طهران ستهدف إلى دفع أجندتها في القرن الأفريقي على "أسس براجماتية بحتة"، مع فهم مدى محدودية نفوذها في المنطقة.

وعلى الأرجح، سيعمل المسؤولون الإيرانيون على الحفاظ على شبكاتهم وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع لاعبين متنوعين في القرن الأفريقي، مع القيام باستثمارات استراتيجية لضمان درجة من النفوذ المحدود لطهران.

ومع ذلك، فمن الناحية الواقعية، لا تواجه تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي ذات السياسات الخارجية الأكثر طموحا منافسة كبيرة من إيران في هذا الجزء من أفريقيا.

ومع ذلك أيضا، سيظل التهديد الإيراني المتصور للاستقرار في القرن الأفريقي مشكلة تستخدمها أبوظبي والرياض لتبرير تدخلهما في المنطقة المضطربة.

المصدر | جورجيو كافييرو/إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القرن الأفريقي النفوذ الإيراني مجلس التعاون الخليجي

نفوذ الإمارات في القرن الأفريقي في مرحلة أفول