التوتر العراقي التركي.. أزمة عابرة أم بداية لمعادلة إقليمية جديدة؟

الاثنين 17 أغسطس 2020 01:03 م

هل يؤشر إعلان وزارة الخارجية العراقية، الأحد، عن إيقاف منح تأشيرات الدخول في المنافذ والمطارات الحدودية العراقية، وإلغاء جميع زيارات المسؤولين الأتراك للبلاد، إلى تغير نوعي في علاقة البلدين بما يصب في معادلة إقليمية جديدة؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه جزءا من إطار رد فعل بغداد على قصف لأنقرة استهدف منطقة سيدكان التابعة لمحافظة أربيل في إقليم كردستان؛ ما أسفر عن مقتل ضابطين وجندي من الجيش العراقي؟

تدور تحليلات مراقبي الشأن العراقي حول هذين السؤالين، خاصة في ظل مؤشرات على اتجاه بغداد نحو تصعيد موقفها تجاه أنقرة، وتصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية "أحمد الصحاف" بأن "جميع الدول على المستويين العربي والأوروبي تؤيد موقف العراق وتسانده في الدفاع عن وحدته وسيادة أراضيه".

فوزراء خارجية السعودية والكويت ومصر والأردن أبدوا رفضهم عملية "مخلب النمر" العسكرية التركية بإقليم كردستان شمالي العراق، وهي العمليات التي تعتبرها أنقرة، منذ يونيو/حزيران الماضي، حماية لأمنها القومي ضد أنشطة حزب العمال الكردستاني على الحدود التركية.

وجاء الموقف الرباعي بعد اتصالات أجراها وزير الخارجية العراقي "فؤاد حسين"، مع نظرائه العرب؛ للخروج بموقف موحد يلزم تركيا بعدم تكرار الانتهاكات على الأراضي العراقية، حسبما نقلت قناة" العربية" (سعودية تبث من دبي).

تحشيد مدفوع

وفي السياق، تحدثت مصادر مطلعة عن محاولات تحشيد ودفع من أطراف عدة، بينها عربية وأخرى أجنبية، أبرزها الإمارات ومصر وفرنسا للعراق، من أجل اتخاذ موقف أكثر تشدداً تجاه أنقرة بعد حادثة مقتل عنصري حرس الحدود، حسبما نقل موقع "العربي الجديد".

وجاء ذلك تزامنا مع مطالبة باريس بـ"توضيح" لملابسات الهجوم الجوي التركي الذي أودى بحياة الضابطين العراقيين، ونددت "بهذا التطور الخطير الذي يجب توضيحه بشكل كامل"، بحسب بيان لوزارة الخارجية.

ويعبر عن موقف الرباعي العربي المحلل السياسي "عبدالواحد طعمة"، الذي اعتبر أن الوضع الراهن سببه "الغياب العربي عن العراق بعد 2003" في إشارة إلى تاريخ العزو الأمريكي وإسقاط نظام الرئيس الأسبق "صدام حسين"، لافتا إلى أن هذا الغياب ملأه النفوذ الإيراني ويزاحمه حاليا النفوذ التركي، وفقا لما أوردته بوابة "الهلال اليوم".

وحمل حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، السلاح ضد الدولة التركية في عام 1984، ولقي أكثر من 40 ألف شخص حتفهم في الصراع الذي يدور أغلبه في جنوب شرق تركيا.

ولذا أكدت وزارة الخارجية التركية، في بيان أصدرته الخميس الماضي، أن وجود عناصر الحزب "يهدد العراق"، وأن بغداد مسؤولة عن اتخاذ إجراءات ضد المسلحين، مشددة على أن أنقرة ستدافع عن حدودها إذا سُمح بوجود عناصر الحزب المسلحة بكردستان العراق.

وأضافت الوزارة: "بلادنا مستعدة للتعاون مع العراق بشأن هذه القضية. ولكن في حال التغاضي عن وجود حزب العمال الكردستاني في العراق، فإن بلادنا مصممة على اتخاذ الإجراءات التي تراها ضرورية لأمن حدودها بغض النظر عن مكانها.. ندعو العراق إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لذلك".

هوى إيراني

غير أن الضغوط العربية والغربية على بغداد لاتخاذ موقف نوعي من أنقرة تلقى هوى لدى طهران أيضا، لاعتبارين، أحدهما أمني، يخص عدم الإخلال بالتركيبة المهيمنة على الدولة العراقية عبر زيادة معتبرة للنفوذ التركي، والآخر اقتصادي، يخص توفير إيران "بدائل" للمصالح الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية والتي تشترك فيها بغداد مع أنقرة.

وفي هذا السياق، يمكن قراءة إعلان عضو تحالف "الفتح" العراقي، الذي يضم الأجنحة السياسية لـ"الحشد الشعبي"، النائب "عامر الفايز"، أن "البرلمان سيفتح ملف التجاوزات التركية التي باتت تهدد جميع العراقيين" حسب قوله.

وتحدث "الفايز" عن "صمت مريب وغير مفهوم من قبل المسؤولين الأكراد بشأن الاعتداءات الكثيرة التي وقعت"، في إشارة إلى أن موقف الإدارة بكردستان العراق يميل إلى عدم التصعيد مع تركيا لاعتبارات شراكة اقتصادية وسياسية.

ويدعم ادعاء "الفايز" تحميل "عماد باجلان"، وهو عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" لبغداد تتحمل مسؤولية ما يجري من عمليات عسكرية شمالي العراقي، كونها "العاصمة الحامية للقانون والدستور ومصدر القرارات الأمنية"، ودعوته إلى "اللجوء إلى طاولة الحوار من أجل التوصل إلى مفاوضات مرضية لجميع الأطراف وعدم الاستمرار باستخدام لغة السلاح" إضافة إلى إنشاء وكالة المخابرات التركية مقر لها في مدينة أربيل، عاصمة حكومة كردستان العراق، حيث تقوم بجمع ومعالجة المعلومات الاستخبارية المتعلقة بأنشطة حزب العمال.

انقسام كردي

وهنا يلفت الباحث في العلوم السياسية بجامعة ساوث كارولينا الأمريكية "علي دميرداس"، إلى أن تركيا بدأت في ضرب أهداف داخل المنطقة التي يسيطر عليها حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" شمالي العراق، وهو الحزب الذي يبدي موقفًا عدائيًا تجاه "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، التابع لرئيس وزراء إقليم كردستان العراق ""نيجيرفان بارزاني"، ما ساهم -مع العوامل الإقليمية- في مساعدة تركيا بمعركتها ضد حزب العمال الكردستاني، حسبما نقلت مجلة "ناشونال إنترست".

ويشير "دميرداس" إلى أن "الديمقراطي الكردستاني" نسج علاقات وثيقة مع تركيا في العقود الثلاثة الماضية، في حين أقام حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، المنافس له، تحالفًا مع حزب العمال الكردستاني وإيران، ما دفع "بارزاني" إلى التنديد بوجود حزب العمال الكردستاني في العراق باعتباره "غير شرعي".

وسمح هذا الانقسام بين الأكراد وتهديد حزب العمال ضد "بارزاني" لتركيا بالتعاون مع "الديمقراطي الكردستاني" بشكل خاص في إنشاء شبكة معقدة من جمع المعلومات الاستخبارية في شمال العراق.

لكن المحلل السياسي "قاسم الغراوي" في المقابل، يرى موقف إدارة كردستان العراق "تكتيكيا" وليس "استراتيجيا"، مشيرا إلى أن حكومة الإقليم تحاول الظهور بمظهر المبتعد عن المواجهة مع تركيا لحساسية الموقف، وفي الوقت ذاته تؤيد حزب العمال الكردستاني لكونه يصب في صالح الطموح الكردي في تأسيس دولة على أجزاء من العراق وتركيا وإيران وسوريا،  لكنها لاتفصح عن ذلك خوفا من ردود افعال قوية من الحكومة التركية من خلال العمل العسكري.

ومن هنا، يسلط الخبير بالشأن الأمني الكردي "عباس برواري" الضوء على الأبعاد الإقليمية لـ "مخلب النمر" وتأثيرها على حكومة بغداد، مشيرا إلى أنها مختلفة تماماً عن أي ضربات تركية سابقة في شمالي العراق، ومن المرجح أنها سترسم خارطة جديدة لتواجد حزب العمال، تجعله أنقرة - من خلالها - يشكل مشكلة عراقية أكثر من كونها تركية، وذلك عبر دفعه إلى داخل المناطق العراقية أكثر بعيداً عن حدودها.

وفي السياق، يقرأ المحلل السياسي "قاسم بلشان التميمي" توغل الجنود الأتراك داخل عمق الشمال العراقي ضمن "إيعاز أمريكي" يخصم من رصيد إيران في المنطقة ويضع الساسة العراقيين المتحالفين معها تحت الضغط المتواصل، وفقا لما نقلته قناة "الغد" الإماراتية.

ويؤيد هذه القراءة المحلل السياسي "حسين عبدالحسين"، الذي يعتقد أن التوغل التركي شمالي العراق ليس موجها لحزب العمال الكردستاني فحسب، وإنما لإيران أيضا، لأن "سيطرة حكومة الكاظمي على المعابر الحدودية لا تسعد طهران والميليشيات التابعة لها، حيث تستغل تلك المعابر في عمليات التهريب وسلب أموال العراق" وفقا لما نقلته قناة الحرة الأمريكية.

مصالح استراتيجية

لكن بغداد ترتبط بعلاقات مصالح استراتيجية مع أنقرة في المقابل، خاصة بعدما أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، في 6 أغسطس/آب الجاري، أنها تجري مباحثات لاستيراد 200 ميجاوات من الطاقة الكهربائية من تركيا، للحد من نقص الطاقة المزمن في البلاد منذ عقود.

فإنتاج العراق من الطاقة الكهربائية، وفقا للوزارة، يبلغ 13.500 ميجاوات، في حين تؤكد التقديرات الفنية حاجة البلد إلى أكثر من 20 ألف ميجاوات للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

ولذا أكد مسؤول عراقي بارز في بغداد وجود تواصل بين حكومة بلاده والجانب التركي بشكل غير معلن حيال العمليات القائمة في إقليم كردستان، لافتا إلى أن العراق "لا يريد الدخول في مواجهة أو أزمة مع تركيا لوجود ملفات حرجة ومهمة".

ومن هذه الملفات، تقسيم حصص مياه دجلة والفرات وقضية ملء سد أليسو التركي وتأثيرها على العراق، وتصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي.

ولما كان رئيس الحكومة العراقية الحالي "مصطفى الكاظمي" مشتهرا بنفوره من النفوذ الإيراني ببلاده، فإن بعض تحليلات المراقبين تصب لصالح اتجاهه لاحتواء التوتر مع تركيا.

فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن "الكاظمي" يريد "تحييد" العراق بالأساس عن الصراعات الإقليمية مع الحفاظ على استقلال سيادته، وهو ما لا تحققه صيغة العمليات العسكرية التركية بكردستان حاليا، ولذا فمن الوارد أن يستغل الدعم العربي والغربي والإيراني لتحجيم التدخل التركي على الأقل عبر استغلال حادثة مقتل عنصري حرس الحدود العراقيين.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مصطفى الكاظمي كردستان العراق حزب العمال الكردستاني

رغم قيود كورونا.. 4.8 مليار دولار صادرات تركيا للعراق خلال 7 أشهر