خيارات بغداد محدودة.. مواجهة تركية عراقية "حذرة" في كردستان

الثلاثاء 18 أغسطس 2020 08:53 م

في الأسبوع الماضي، قتلت غارة تركية بطائرة مسيرة اثنين من كبار قادة كتيبة حدودية عراقية، حين استهدفت قافلة تابعة لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة متمردة مقرها شمال العراق وتركيا؛ ما خلق خلافا جديدا بين أنقرة وبغداد.

وفي غضون ساعات من الهجوم، ألغت الحكومة العراقية اجتماعا مع وزير الدفاع التركي "خلوصي أكاركان من المقرر عقده في ذلك الأسبوع، واستدعت السفير التركي في بغداد، وأرسلت تعزيزات عسكرية إلى الحدود العراقية التركية، وأدانت علنا الضربة التركية باعتبارها انتهاكا لسيادتها.

وأعلن مجلس الأمن القومي، أعلى هيئة عسكرية في بغداد، أنه سيتخذ "كل الوسائل الممكنة" للدفاع عن نفسه ضد "العدوان" التركي.

ويشير رد فعل العراق السريع والمتشدد على الهجوم التركي إلى أنها أحدث حكومة شرق أوسطية تنضم إلى التحالف الموسع المناهض لتركيا في المنطقة.

لكن مهما كانت نوايا بغداد، فإن الجمود السياسي والتشرذم الأمني ​​والجيش الضعيف سيمنعها من القيام بالكثير، بخلاف القيام بإيماءات دبلوماسية دون إجراءات عملية.

ومن المفارقات أن تركيا تعاني قيودا أيضا. فبالرغم من أنها تريد إعطاء الانطباع بأنها قادرة على إبراز نفوذ أمني طويل الأمد وإنشاء منطقة عازلة في شمال العراق، ومنع العنف من الانتشار إلى تركيا، ستمنع الالتزامات الدفاعية الخارجية تركيا من قطع تلك المسافة وإرساء أي بقاء عسكري في شمال العراق.

  • اهتمام تركي بكردستان

وكان العراق ضروريا لإبراز القوة التركية منذ الإمبراطورية العثمانية. لكن في الآونة الأخيرة، استخدمت تركيا العراق لتأمين المصالح الاقتصادية والأمن القومي.

وفي الواقع، أصبح كردستان العراق بيئة مواتية للاستثمار والأعمال التركية، وهو المكان الذي توافدت إليه الشركات التركية منذ منتصف العقد الأول من القرن الـ21 لتعميق الترابط الاقتصادي.

وتسعى أنقرة إلى إنشاء ممر اقتصادي يمكنها من خلاله استغلال أو خلق فرص اقتصادية، وبالتالي إبراز النفوذ التركي في جنوبها. وهو ما يتطلب من تركيا تطبيع العلاقات مع حكومة إقليم كردستان العراق ومقرها أربيل.

وبالرغم من الماضي الصعب، كانت الأوقات سيئة بشكل خاص خلال استفتاء الاستقلال الذي أجرته حكومة إقليم كردستان العراق عام 2017، والذي عارضته أنقرة بشدة.

وتعمل آلاف الشركات التركية بنشاط في إقليم كردستان العراق، وتشكل شيئا من احتكار مراكز التسوق الكردية والسلع التجارية والمتاجر والبنوك والزراعة والاتصالات.

ولقد التزم الأتراك ببناء البنية التحتية التي تسهل العلاقات الاقتصادية بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق، وإضافة منطقة صناعية على طول الحدود، ومعبرين حدوديين، وخطوط أنابيب النفط والغاز، وتحديث الطرق السريعة.

كما تهتم تركيا بشدة بمصادر الطاقة الهائلة في إقليم كردستان العراق، وهي في أمس الحاجة إلى تحقيق الاستقرار في اقتصادها، وتقليل اعتمادها على روسيا وإيران.

وتستقبل تركيا حاليا نحو مليون برميل من النفط يوميا عبر مينائها في "جيهان". والمشكلة هي أن بغداد تحتكر عائدات النفط الكردي، وهو أمر حاولت تركيا تقويضه من خلال دعم الأحزاب السياسية الكردية وبالتالي مواجهة الأحزاب الأخرى المعارضة للحكم الذاتي الكردي والجماعات الشيعية المدعومة من إيران، التي تعمل بالقرب من كردستان العراق أو داخله.

ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى أي من هذا على أنه تأييد لاستقلال الأكراد أو انفصالهم. بل هي مجرد وسيلة لجلب بعض الأموال التي تمس الحاجة إليها.

ولدى تركيا مشكلة كردية حقيقية في جنوبها، وتعارض أنقرة بشكل أساسي منحهم شبرا واحدا من الأرض. لهذا السبب، إضافة إلى الفرصة الاقتصادية للتنقيب، تنظر تركيا أيضا إلى شمال العراق كمنطقة عازلة يمكن من خلالها القضاء على المسلحين الأكراد.

  • خيارات عراقية محدودة

ولطالما استغلت تركيا الخلاف بين عناصر حكومة إقليم كردستان العراق وحزب العمال الكردستاني، مستخدمة علاقتها مع أربيل لتنفيذ عملية عسكرية عبر الحدود ضد المتمردين الأكراد.

وفي الواقع، مكّن امتثال حكومة أربيل تنفيذ التوغلات الأخيرة في جبال قنديل ومحافظات أخرى داخل كردستان العراق لاجتثاث متمردي حزب العمال الكردستاني وقطع خطوط إمدادهم.

وفي غضون ذلك، لا تشعر الحكومة الفيدرالية في بغداد بالرضى عن إجراءات أنقرة. ويخلق النفوذ الاقتصادي والسياسي التركي في الشمال خطرا طويل الأمد بفقدان العراق السيطرة على موارد الطاقة في الشمال والعملية السياسية والتجارة الكردية.

وكانت بغداد وأربيل على خلاف منذ عقود، لكن التوترات اشتدت بشأن تخصيص عائدات النفط، والصادرات الكردية، وبالطبع حالة الاستقلال الكردي.

وكانت أزمة كركوك عام 2017 استفزازية بشكل خاص. فبعد أن قاومت البشمركة المطالب العراقية بتسليم حقول نفط كركوك المتنازع عليها، وسط استفتاء مثير للجدل على الاستقلال، استولت بغداد على الحقول بالقوة؛ ما أثار الاشتباكات مع المسلحين الأكراد.

وكانت الحكومة الفيدرالية العراقية ناجحة في ذلك الوقت، لكن قطاعها الأمني ​​اليوم أكثر انقساما، واقتصادها أضعف، والتوترات مع أربيل أكثر حدة.

ولا تستطيع بغداد تحمل خسارة أصول الطاقة والقوات المقاتلة وتدفقات الإيرادات المستقرة في كردستان العراق.

علاوة على ذلك، فإن الهجمات التركية المستمرة، جعلت المسؤولين العراقيين قلقين. واستدعت الحكومة العراقية السفير التركي لدى بغداد 3 مرات هذا العام، وصنفت الهجمات التركية على أنها انتهاك لسلامة أراضيها.

ومع ذلك، لا تستطيع الحكومة العراقية وقف العمليات العسكرية التركية بشكل فعال. ويمنحها المشهد الأمني ​​المفكك خيارات قليلة للقيام بذلك.

ويمكن للميليشيات المدعومة من إيران في المؤسسة الأمنية العراقية أن تعمل ضد مصالح بغداد، وستتردد البيشمركة في السماح للجنود العراقيين الرسميين بدخول المحافظة في المقام الأول. وعندما أذنت الحكومة العراقية بتعزيزات حدودية ردا على هجوم تركيا الأخير بطائرة بدون طيار، كان معظمهم تابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني أو الاتحاد الوطني الكردستاني.

وسيكون من الصعب أيضا الرد اقتصاديا. وتعد أنقرة هي الشريك التجاري الأكثر أهمية للعراق، الذي يعاني من عجز تجاري معها قدره 8.35 مليار دولار، وتركيا مستثمر أساسي في البنية التحتية العراقية، بعد أن وعدت العراق بقرض بقيمة 5 مليارات دولار من جهود إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الدولة الإسلامية.

كما أن هناك مساحة صغيرة للعمل السياسي الفعال. وفي حين أن هناك مقترحات من الأحزاب لإطلاق دعوى قضائية دولية ضد تركيا، فإن البرلمان العراقي المنقسم وتراجع شعبية رئيس الوزراء يحدان من استجابة الحكومة خارج التصريحات الكلامية والإيماءات الدبلوماسية.

ولدى تركيا نصيبها من المشاكل أيضا. وأظهر التاريخ أن وجودها عبر الحدود في العراق يتأرجح ذهابا وإيابا مع محاولتها القضاء على حزب العمال الكردستاني؛ حيث تزيل القوات بعد بضعة أشهر من العمليات البرية والغارات الجوية لتواجه جيلا جديدا من المقاتلين بعد أعوام.

وفي عام 1992، طردت تركيا متمردي حزب العمال الكردستاني إلى جبال قنديل، وأجرت عمليات برية وجوية خلال عملية شمال العراق؛ ما مهد الطريق لغارات لاحقة في شمال العراق في 1995 و1997 و2008.

ولا يختلف الهجوم التركي الحالي كثيرا. وطبق الجيش التركي ميزة تكنولوجية أكبر في حملته بضربات الطائرات بدون طيار ضد حزب العمال الكردستاني بالتأكيد، لكن أنقرة لا تستطيع الحفاظ على عملية بهذا الحجم لفترة طويلة.

وزاد الضغط على الجيش بالفعل، بعد أن زاد من وجوده في سوريا وليبيا والصومال وشرق البحر المتوسط ​​والبحر الأسود وحتى القوقاز.

وإذا كان لتركيا سيطرة أكبر على شمال شرق سوريا، وتمكنت من توسيع ممر السلام الخاص بها إلى الحدود السورية العراقية، فسيكون لقواتها سهولة أكبر في تنسيق التعزيزات واللوجستيات بين جنوب تركيا والعراق وسوريا.

لكن القوات الروسية والأمريكية والكردية في شرق سوريا جعلت تركيا محصورة بين عين عيسى ورأس العين؛ ما أدى إلى فصل المنطقة العازلة الجنوبية المرغوبة.

وتواجه تركيا أيضا قيودا مالية متزايدة، مع أزمة مصرفية وركود بسبب "كورونا" وتباطؤ صناعة الدفاع؛ ما يجبر أنقرة على إعادة النظر في عدد النزاعات الخارجية التي تريد أن تتورط فيها.

ومع ذلك، ما دام هناك متمردين أكراد، ستستمر تركيا في الاهتمام بشمال العراق، حتى لو لم تتمكن من ترسيخ وجودها هناك على المدى الطويل.

ونظرا لأن تركيا تضع نفسها كقوة إقليمية، فإن الأزمة المالية المقبلة والقيود السياسية في الداخل ستجبر أنقرة على النظر في نطاق التزاماتها العسكرية وإعادة النظر في تعزيز عسكري طويل الأجل في شمال العراق.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كردستان العراق حزب العمال الكردستاني

وقف العمليات العسكرية التركية شمال العراق