استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

(إســرائيـل) والمخــاض العــربي

الأحد 6 سبتمبر 2015 12:09 م

الناظر للواقع العربي اليوم والمتأمل لما يدور فيه من صراعاتٍ دمويةٍ وحروبٍ داخليةٍ مدمِّرةٍ تشمل دولتي المواجهة مع إسرائيل مصر وسوريا، ودولا أساسية في قوة العرب مثل العراق وليبيا واليمن، يخرج للوهلة الأولى باستنتاج أنّ إسرائيل هي المستفيد الأكبر من أحداث هذا الواقع ومن صراع العرب الداخلي، فماذا تريد إسرائيل أفضل من دمار سوريا وانشغال مصر بأمنها الداخلي ومن خروج العراق من الصراع معها؟

بل ما هو أعظم من إقامتها علاقاتٍ تحالفيةٍ مع جبهة النصرة والجماعات التكفيرية في سوريا، تقوم بموجبه هذه الجماعات بمحاربة أعداء إسرائيل، وإضعاف قوتهم، وإقامتها علاقاتٍ وطيدةٍ مع الكيان الكردي في العراق تؤمن لها ثلاثة أرباع نفطها بأسعارٍ رخيصة، وتسمح لمخابراتها بالتواجد شمال العراق، مما يمكنها من توسيع التجسس على الدول العربية وإيران والتدخل في شؤونها والعبث بأمنها؟!.

ورغم التسليم بصحة هذا الاستنتاج إلاّ أنّه محدودٌ بالزمن القريب والآني، ولا يصح على ما هو متوقع في المدى البعيد، فالنظر في واقع إسرائيل ومستقبلها على المدى الأبعد يقود إلى استنتاجٍ مخالفٍ، مفاده أنّ إسرائيل تواجه مخاطر حقيقية لم تواجهها منذ تأسيسها، ستضعفها أمام العرب والفلسطينيين وستجبرها على البحث عن تسويةٍ معهم تختلف أسسها عن التسوية الحالية، إن أرادت أن تبقى قائمةً في المنطقة، أو إن عجز العرب والمسلمون عن تحرير فلسطين واستعادة كامل الحق الفلسطيني.

يمكن إجمال هذه المخاطر ضمن ثلاثة أبعاد: الدولي والإقليمي والفلسطيني. ففيما يتعلق بالدولي، هناك نوعٌ من تآكل الإجماع داخل المجتمعات الغربية، والذي ساد لفترةٍ طويلةٍ، على دعم إسرائيل بصورةٍ مطلقةٍ، فالرأي العام الغربي يشهد تغيراً ملحوظاً ومتنامياً ضد إسرائيل، وقد نجم هذا التغيير عن عوامل عديدة، من أهمها الانفتاح العالمي في المواصلات والاتصالات والإعلام، والتطور الكبير في وسائلها، ممّا مكّن نقل الحقائق والوقائع كما هي، وأنهى قدرة إسرائيل وأنصارها في المجتمعات الغربية على السيطرة على وسائل الإعلام.

وقد نجم عن هذا تعاظم التعاطف مع الشعب الفلسطيني واستنكار سياسات إسرائيل ضده، وتزايد الأصوات الداعمة لحقه في دولةٍ مستقلة، وواكب هذا تنامي حركة مقاطعة إسرائيل اقتصادياً وثقافياً.

ورغم أنّ هذه القضية لم تصل إلى المدى الذي يجعلها ذات تأثيرٍ حاسمٍ على المواقف السياسية للدول الغربية، إلاّ أنّ تغير المزاج الشعبي هذا سيقود في النهاية لمثل هذا التأثير، بسبب سيادة النظام الديمقراطي في دول الغرب، ممّا سيستوجب الاستجابة من قبل النخب الحاكمة لتوجهات الرأي العام الغالبة ولمطالب الأكثرية من الشعب.

إنّ كلَّ حربٍ تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني وكلَّ سياساتٍ عنصرية وخارجة عن القانون الدولي ستقرِّب اليوم الذي يصبح الغضب عليها هو الغالب في مجتمعات حليفها التاريخي وصاحب الفضل في إنشائها.

وفي سياق العامل الدولي فإننا نلاحظ تناقضاً واضحاً بين تمتع الدول الغربية بالسيادة الكاملة وبين مصالح إسرائيل في التدخل في السياسة الخارجية لهذه الدول، والمثل الأقرب على هذا الأمر الخلاف بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل حول الاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، والعبارات القاسية التي وجهتها الإدارة الأمريكية لنتنياهو وإدانتها العلنية لتدخله في السياسة الخارجية.

وأيضاً الاستنكار الفرنسي لتصريحات نتنياهو حول هجرة اليهود الفرنسيين لإسرائيل بعد حادث الهجوم على صحيفة تشارلي إبدو في السابع من كانون الثاني 2015م.

والتناقض الأخير يعكس زوال دوافع التخلص من اليهود في المجتمعات الغربية، والذي كان دافعاً أساسياً وراء دعمها لإنشاء إسرائيل، وبالتالي عدم قدرة إسرائيل رفد سكانها بمزيد من اليهود وبالتالي الحفاظ على التفوق الديمغرافي على العرب داخل فلسطين التاريخية. بل إنّ الواقع في إسرائيل يشير بوضوح إلى وجود توجه لدى الإسرائيليين الأوروبيين للعودة لأوروبا والتخلص من هاجس العيش مع قلقٍ دائمٍ في منطقةٍ غير آمنة.

ومن المتوقع أن تكثر التناقضات بين إسرائيل والدول الغربية في حالة نجاح الشعوب العربية في تغيير نمط أنظمة الحكم فيها، وتمكنها من السيطرة على ثرواتها الطبيعية، مما سينهي قدرة الغرب على نهب هذه الثروات بأرخص الأسعار، وبالتالي اضطرار دوله للرضوخ لمعادلات جديدة في العلاقات الاقتصادية مع العرب، ترتكز على احترامهم والتعامل بعدالة مع قضاياهم، بما فيها صراعهم مع إسرائيل.

أيضاً من المتوقع تزايد الخلافات بين أمريكا وإسرائيل نتيجة للانحدار في القوة الاقتصادية الأمريكية وتلاشي هيمنة أمريكا على الساحة الدولية، الهيمنة التي ترسخت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن المنصرم، ودامت لسنواتٍ طويلة، فهناك الآن قوةٌ لا تنكر لدول «البريكس»، وبالأخص لروسيا والصين، اللتين تنحيا باتجاهٍ مخالفٍ للسياسة الأمريكية في العالم، مما سيجعل الأخيرة مضطرة في سبيل الحفاظ على قوتها الاقتصادية وتجنب الأزمات الخانقة استرضاء دول البريكس ومجاراتها في الموقف من الحقوق الفلسطينية على عكس ما تريد إسرائيل.

ومن الواضح أن أمريكا عجزت عن فرض إرادتها على روسيا والصين في مسألة إيران وحقوقها النووية فوقعت اتفاقاً معها يستجيب لمطالبها الأساسية وينهي العقوبات ضدها، كما عجزت في الأزمة السورية، فهي الآن أميل للحل السياسي الذي سيضع حداً لطموحها وطموح إسرائيل بالقضاء على محور المقاومة.

أمّا على المستوى الإقليمي فهناك تحركات شعبية في العالم العربي تسعى لإحداث تغييرات في أنظمة الحكم، ورغم أنّ هذه التحركات لم تنجح حتى الآن، إلاّ أنّ الواقع يشير إلى استمرارها وإلى إمكانيات نجاحها في المستقبل القريب، فالشعوب حين تبدأ بالتغيير وتظهر إصراراً عليه لن تقف في وجهها أية قوة. إن هذا التغير في العالم العربي سيضع إسرائيل في مواجهةٍ مع الشعوب التي لم تغب فلسطين وقضيتها عن وجدانها والتي تعتبر إسرائيل عدواً يهدد استقلالها ونهضتها، والتي أفشلت كلَّ محاولات التطبيع معها.

أيضاً تواجه إسرائيل حالياً تعاظم قوة إيران وتوسع نفوذها في المنطقة، وهي الدولة التي ترفع رسمياً هدف تدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود، وتعتبر ذلك جزءاً من عقيدتها الدينية، فتدعم حركات المقاومة بكافة الأسلحة. وقد نجحت إيران في كسر شوكة إسرائيل من خلال دعمها لحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والقيادة العامة، وغيرها من حركات المقاومة، والتي أنجزت ما عجزت عنه الجيوش العربية، فهزمت إسرائيل في لبنان وفي غزة.

وها هي إسرائيل تواجه الآن مخاطر تمدد القوة الإيرانية إلى الجولان المحتل، حيث تعمل قوى المقاومة على فتح جبهة ضدّها. وإنّ إسرائيل التي تبدي دائماً قلقها الشديد من حزب الله وتنامي قوته الصاروخية، اكتشفت أن اشتراك الحزب في الصراع داخل سوريا لم يعمل على إضعافه، بل من الواضح أن تجربته العسكرية في سوريا زادته قوة وقدرة على القتال، ورفعت من أهميته لدى حلفائه وفي العالم.

وأخيراً وعلى المستوى الفلسطيني فإن فشل إسرائيل في الحصول على استسلامٍ فلسطينيّ، رسميٍّ أو شعبيٍّ، وسقوط إمكانية الحصول على شرعيةٍ شعبيةٍ عربيةٍ لوجودها، تضمن لها البقاء في المنطقة العربية دون تهديدٍ أو صراعات حربية، وذلك من خلال التوقيع على اتفاق سلام مع القيادة الفلسطينية، سيبقي الجرح الفلسطيني نازفاً، وسيبقي جذوة المقاومة لإسرائيل حيَّة، ولن يجعل المستوطنين ينعمون براحةٍ نفسية مثل حال أبناء دينهم الذين يعيشون خارج دولة اليهود، إسرائيل.

  كلمات مفتاحية

العرب فلسطين إسرائيل سوريا العراق