ديفيد هيرست: اتفاق التطبيع الإماراتي سيفشل.. وثورة جديدة تلوح في الأفق

الخميس 20 أغسطس 2020 04:41 م

ستفشل الصفقة الإماراتية الإسرائيلية بشكل أسرع بكثير من المعاهدات الأردنية والمصرية الهشة مع (إسرائيل) ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الصراع، حيث إن القادة الذين قدموا أول اعتراف من قبل دولة عربية بـ(إسرائيل) منذ 26 عامًا جميعهم في مأزق محلي.

يبحث الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن أي طريقة ممكنة لكسب الانتخابات، أما رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" فالاحتجاجات خارج منزله بسبب تعامله مع "كورونا" لا زالت تتواصل، وكذلك فإن المحاولات الفاشلة لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" أيضا مستمرة، سواء في دعم محاولة الانقلاب في تركيا، ثم حصار قطر، وأخيراً فشل القوات التي يدعمها في الاستيلاء على طرابلس.

كان كل رجل منهم بحاجة إلى انقلاب دبلوماسي، وهو أمر يمكن أن تسميه وسائل الإعلام الخاصة بهم "تاريخيًا". كل منهم يعرف ماذا سيحدث له إذا فقد السلطة. بالنسبة لـ"نتنياهو" و"ترامب" قد يعني ذلك السجن. بالنسبة "لبن زايد"، سيعني ذلك النفي أو الموت. إن علاقة حب "بن زايد" مع (إسرائيل) هي في الحقيقة تأمين لحياته حيث تتشابك مصائرهم الشخصية إلى حد غير عادي.

كان "بن زايد" بحاجة إلى إيجاد داعم إقليمي بديل، لأنه كان على علم بالقيمة المتدنية لاستثماره في "ترامب". لقد صنع ما يكفي من الأعداء في وكالة المخابرات المركزية والبنتاجون، وفي اللحظة التي يغادر فيها "ترامب"، ستعود الدولة العميقة للولايات المتحدة بالانتقام.

كان "نتنياهو" بحاجة لإيجاد استراتيجية خروج من أزمة الاحتجاجات ومن الائتلاف المهترئ، لإيجاد سياسة يسيطر عليها وحده. في حين أنه قد يكون خان اليمين مرة أخرى عن طريق تجميد ضم الضفة، بالرغم من عدم التخلي نهائيا عنه.

تباهى "نتنياهو" في مقطع فيديو على "تويتر" قائلاً: "للمرة الأولى في تاريخ البلاد وقعت على اتفاق سلام على أساس السلام مقابل السلام.. هذا هو النهج الذي اتبعته على مدى سنوات: تحقيق السلام ممكن دون تسليم الأراضي، دون تقسيم القدس، دون تعريض مستقبلنا للخطر. في الشرق الأوسط، الأقوياء والشعب القوي يصنع السلام".

احتاج "ترامب" إلى حيلة سياسية خارجية مميزة، لاستعادة رأس المال السياسي الذي أنفقه على صهره "جاريد كوشنر" بعد أن كادت "صفقة القرن" تموت في الوقت الذي يشتد حاجة "ترامب" لها.

لكن هذه الصفقة، التي ستدعمها المغرب والبحرين وعمان والسعودية، تختلف اختلافًا جوهريًا عن اتفاقيات السلام المصرية أو الأردنية مع (إسرائيل) حيث بشر كل منهما بمفاوضات أوسع نطاقا، جلبت، لبعض الوقت، الأمل في تسوية عادلة للصراع الفلسطيني.

هذه الصفقة لا تتعلق بالسلام. التقى القادة العرب بالقادة الإسرائيليين بانتظام. التقى العاهل الأردني الملك "عبدالله" الأول بقادة الصهاينة قبل عام 1948 وواصل حفيده الملك "حسين" هذا التقليد. أحصى كاتب سيرته الذاتية "آفي شلايم" 42 لقاء مع نظرائه الإسرائيليين. واستعان الملك "الحسن" المغربي بالموساد للتخلص من خصومه. ولم يؤثر رفض الجماهير العربية لـ(إسرائيل) في هذا الاتصال المنتظم.

لا علاقة لاعتراف الإمارات بـ(إسرائيل) بالبحث عن نهاية للصراع. يتعلق الأمر بإقامة نظام إقليمي جديد بين الديكتاتوريين العرب والمحتلين الإسرائيليين. مع انسحاب أمريكا باعتبارها القوة الإقليمية المهيمنة، فإن هناك حاجة إلى قوى جديدة. وهي خطوة إلى الأمام بين (إسرائيل) والإمارات.

ستصبح التجارة والاتصالات والسفر والعلاقات بين (إسرائيل) وأغنى جيرانها الخليجيين "حقائق جديدة على الأرض"، كما يتصور مهندسوها، ثابتة مثل الطرق التي تلتف على القرى الفلسطينية والمستوطنات نفسها. لا يوجد هناك تفاوض مطلوب. فقط علم الهزيمة الأبيض.

هذا الاتفاق هو الواقع الافتراضي. أما الحقيقة فإن ثورة شعبية جديدة ستندلع ليس فقط في فلسطين ولكن في جميع أنحاء العالم العربي.

إنني على ثقة تامة من أن الفلسطينيين لن يرفعوا راية الاستسلام البيضاء اليوم، ولن يتخلوا عن حقوقهم السياسية مقابل المال.

لو كان هذا الانهيار الأخلاقي سيحدث في أي مكان، لكان سيحدث في الجيب الذي جوعته (إسرائيل) منذ 14 عامًا (غزة). لكن لا يوجد مؤشر على تراجع المقاومة الشعبية لـ(إسرائيل). ولن يحدث هذا في الضفة الغربية الأكثر حرية نسبيًا، حيث وصفت السلطة الفلسطينية القرار بأنه "حقير" و "خيانة" للشعب الفلسطيني والقدس والمسجد الأقصى.

تنعكس موجة الغضب والاستياء التي تجتاح عروق الفلسطينيين في عموم السكان العرب. وتأتي كل محاولة صادقة لمراقبة الرأي العام حول هذه القضية بإجابات يفضل "ترامب" و"نتنياهو" و"بن زايد" ألا يسمعها.

ارتفعت نسبة العرب المعارضين للاعتراف بـ(إسرائيل)، في العقد الماضي. وقد حدد مؤشر الرأي العربي هذا الاتجاه كمياً. في عام 2011، عارض 84% الاعتراف الدبلوماسي. وبحلول عام 2018، كان الرقم 87%.

سيكون هناك رد فعل على الخطوة الإماراتية بين الفلسطينيين وفي الشارع العربي بشكل عام. ومن الممكن بالفعل تمييز اتجاهين.

بين الفلسطينيين، ستجبر هذه الصفقة "فتح" و"حماس"، الخصمان اللدودان منذ الحرب الداخلية في غزة عام 2007، على التقارب. وهذا يحدث بالفعل على مستوى الشباب، ولكن درجة الغضب والخيانة التي يشعر بها كبار المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية، قد تدفع هذا التقارب أيضًا على مستوى القيادة.

إذا كان "نتنياهو" و"بن زايد" على اتصال هاتفي مع بعضهما البعض، فإن الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، و"إسماعيل هنية"، الزعيم السياسي لحركة "حماس" على اتصال أيضا. ورحبت "حماس" برد الفعل القوي للسلطة الفلسطينية على الاتفاق الإماراتي. وقال مصدر في "حماس" إنه يرى في موقف السلطة الفلسطينية "فرصة للعمل السياسي والميداني المشترك في الضفة الغربية وقطاع غزة".

إذا كان هذا الشعور الجديد بالهدف المشترك بين الفصيلين الفلسطينيين المتنافسين الرئيسيين بعد أن كان "عباس" في الماضي غير مستعد لقبول أي شركاء في حكم فلسطين - فهذه هي بداية نهاية اعتقالات ناشطي حماس في الضفة من قبل الأمن الوقائي الفلسطيني الذي كان يرأسه "جبريل الرجوب"، والذي يشغل الآن منصب الأمين العام لحركة "فتح"، حيث يعقد "الرجوب" اليوم مؤتمرات صحفية مع الرجل الثاني في قيادة حماس "صالح العاروري"، في إشارة أخرى إلى أن التقارب بين الطرفين يكتسب زخما.

وقال "الرجوب" الذي كان يتحدث خلال لقاء صحفي مشترك عبر الهاتف مع "العاروري": "سنقود معركتنا معا تحت علم فلسطين لتحقيق دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود 1967 وحل قضية اللاجئين على أساس من القرارات الدولية".

أرادت الإمارات و(إسرائيل)  ترقية الزعيم الفلسطيني المنفي "محمد دحلان" و/ أو من ينوب عنه كرئيس فلسطيني. لقد كشفتُ عن هذه الخطة قبل 4 سنوات وكتبتُ في وثيقة تلخص المناقشات بين الإمارات والأردن ومصر.

وارتبطت عودة "دحلان" إلى الوطن على وجه التحديد بـ "اتفاقية سلام مع (إسرائيل) بدعم من الدول العربية".

لم يقل "دحلان" نفسه، الموجود في المنفى في أبوظبي، شيئًا عن الاتفاقية. لكن فصيله داخل فتح، الذي يطلق على نفسه اسم "التيار الإصلاحي"، أصدر بيانا قال فيه إنه "تابع باهتمام كبير البيان الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي المشترك، الذي أعلن عن بدء مسار لتطبيع العلاقات، يتضمن تجميد قرار ضم (إسرائيل) إلى أجزاء من الضفة الغربية المحتلة".

في الماضي، لعب "دحلان" بذكاء على الانقسامات بين "حماس" و"فتح". ولفترة وجيزة كان هناك حديث عن تقارب بين "دحلان" و"حماس"، بسبب علاقته مع "يحيى السنوار"، زعيم "حماس" في غزة حيث كان "السنوار" و"دحلان" زميلين سابقين في المدرسة. والتقى الاثنان في محادثات سرية في القاهرة.

عمل "دحلان" على تمويل حفلات الزفاف في غزة وزراعة مؤيدين وميليشيات في مخيم بلاطة، ولكن كل ذلك تلاشى الآن. لقد تخطى "دحلان" الحد من خلال دعم هذه الصفقة.

كان التأثير الثاني لهذا الإعلان في العالم العربي بشكل عام هو الاعتراف بأن مطالب الربيع العربي من أجل الديمقراطية في العالم العربي ومطالب الفلسطينيين بالسيادة هي شيء واحد.

لديهم أعداء مشتركون: طغاة عرب أصبح قمعهم للديمقراطية أكثر قسوة من أي وقت مضى. ولديهم قضية مشتركة - المقاومة الشعبية لحكم القلة الذين يمارسون السلطوية العسكرية والاقتصادية على حد سواء.

لم يكن "نتنياهو" يبالغ عندما قال مساء الخميس أن اعتراف الإمارات سيثري (إسرائيل). وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي: "هذا مهم جدا لاقتصادنا الإقليمي ومستقبلنا".

وأكد "نتنياهو" أن الإمارات ستقوم باستثمارات من شأنها تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي.

وبدلاً من استثمار أموالها في الأردن أو مصر التي هي في أمس الحاجة إلى السيولة النقدية، سيبدأ أغنى صندوق ثروة سيادي في الخليج بالاستثمار في (إسرائيل).

وبينما كان بإمكان القادة الإسرائيليين في السابق التظاهر بأنهم متفرجون على اضطراب الديكتاتورية في العالم العربي، فإن الاتفاق الأخير يربط الدولة اليهودية بالحفاظ على الاستبداد والقمع من حولها. ولا يمكنهم التظاهر بأنهم ضحايا "جوار صعب" هم ركيزته الأساسية.

هذا الاتفاق هو واقع افتراضي. والحقيقة أن ثورة شعبية جديدة ستندلع ليس فقط في فلسطين ولكن في جميع أنحاء العالم العربي. وربما تكون هذه الثورة قد بدأت بالفعل.

المصدر | ديفيد هيرست/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التطبيع الإماراتي الإسرائيلي العلاقات الإماراتية الإسرائيلية

وفد إسرائيلي يزور الإمارات خلال أيام لبحث خطوات التطبيع

الحوثي: علاقات الأنظمة العربية مع إسرائيل بدأت تتحول من السري إلى الرسمي