فيلم مسروق يخدم السيسي.. صاحب المقام يهدم ثوابت الدين

الاثنين 24 أغسطس 2020 04:54 م

لم يتوقع صناع فيلم "صاحب المقام"، أن يتعرض فيلمهم لكل هذا الهجوم، وبدلا من أن يحتفي الجمهور بالفيلم، تعرّض العمل لهجوم عنيف دينيا وفكريا وفنيا.

ويتناول الفيلم قصة رجل أعمال شاب، يبني مجمعا سكنيا في أحد المناطق التي يتواجد بها مقام لشخص يدعى "سيدي هلال"، ويحذره أحد شركائه من هدم المقام، ولكنه لا يبالي ويقوم بالأمر.

وبعد ذلك تنهار عليه المصائب، وتبدأ حوادث سيئة، منها دخول زوجته في غيبوبة.

وحينها، يصبح الأمل الوحيد في امرأة غامضة تُدعى "روح"، ليبدأ معها محاولة استرضاء الأولياء.

وحلًا للمشكلة، يذهب بطل الفيلم لضريح الإمام "الشافعي"، وبطريقة ما يحصل على الرسائل التي يرسلها له الزوار ومطالبهم ليصبح "رسول الإمام الشافعي"، ويبدأ في تحقيق أحلامهم، وبالتالي تشفى زوجته، بعد أن يؤمن بقدرة الأولياء.

تضرب هذه القصة، في مقتل كل محاولات التخلص من فكرة أولياء الله الصالحين، والشفاعة التي سيطرت قرونا على المصريين، حيث عاد حنين بعض المشاهدين لمثل هذا التدين الزائف.

ويتعارض الفيلم بصورة كبيرة مع ما ناقشه كاتب الفيلم "إبراهيم عيسى"، في فيلمه السابق "الضيف"، الذي تناول محادثة بين شخص علماني وآخر سلفي، حيث ظهر فيه أسلوب التفكير المنطقي.

ولكن في فيلم "صاحب المقام" يبدو كما لو أنه رمى هذا الأسلوب جانبًا، ليداعب الأساطير الشعبية لدى المصريين.

أراد "عيسى" من الفيلم التركيز على فكرة الإيمان، والعلاقة بين الإنسان وربه، مهما كانت ذنوبه أو طبقته الاجتماعية، فنجد أن مدمن المخدرات والعاهرة السابقة يرسلان رسائل إلى الله عبر الإمام "الشافعي".

وقد حاول المخرج ابتزاز مشاعر المشاهدين بالفعل في هذه المشاهد، خاصة لاستدرار دموع الإيمان من المتفرجين.
 


وانتقد كثيرون الفيلم، لافتين إلى أنه "يرسخ فكرة التبرك بالأولياء والصالحين، وأن قصة الفيلم قتلت كل محاولات التخلص من فكرة أولياء الله، والشفاعة المسيطرة على المصريين لقرون".

تثير الكاتبة الأردنية "إحسان الفقيه"، عدة تساؤلات عن الفيلم فتقول: "عيسى التنويري العلماني المتحضر، الذي يحاكم النص الإسلامي وتاريخ الأمة وتراثها، لماذا يقوم بإحياء وتعزيز الخرافة الدينية التي ينسفها الشرع والعقل معًا؟".

وتضيف: "لماذا يروج لقدرة الأموات على تفريج هموم الأحياء وقضاء حاجاتهم؟ ولماذا يريد إغراق الناس في الأوهام الدينية؟ ولماذا قام ببعث عادة إرسال رسائل إلى الأضرحة التي كادت تندثر بين المصريين؟".

وتزيد "الفقيه": "يطرح عيسى في فيلمه نموذج الإسلام الصوفي لمناجزة التيارات السلفية التي تعمل على تنقية المنهج من البدع والخرافات والتصورات المغلوطة، وبينهما تاريخ طويل من المعارك الفكرية والعلمية، فالمسألة لدى الكاتب لا تنبعث من إيمانه بهذه الخرافات، بل هو استخدام لذلك الاتجاه في معاركه الخاصة، ومعارك النظام، مع من يعرفون بالأصوليين".

وتتابع: "ليست هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها أدعياء التنوير مع التصوف، ولا يمكن إغفال انسجام هذا النموذج الانسحابي القائم على الخرافة الدينية، الذي يريده عيسى، مع متطلبات التجديد، الذي يقوم عليه عبدالفتاح السيسي".
 


وتزيد: "السيسي لا يعني سوى تطويع الدين، لأن يكون مقبولا وفاعلا في مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهو الأمر الذي للإمارات السبق فيه، ومن ثم أنشأت شبكة للتصوف السياسي لهذا الغرض".

هذا التوجه، الذي دفع مفتي مصر للتعليق على الفيلم، مبررا التبرك بالأولياء، ويقول: "عندما أذهب لأولياء الله الصالحين، فأنا أذهب إلى هذا المعنى الراقي، إلى الولي الذي قدم لله عز وجل تاريخًا مضيئًا، فكان أقرب لله، ولأجل هذا القرب والبركة أنا معه".
 


وجاء حديث المفتي رغم أن المستقر من ثوابت العقيدة الإسلامية، أن النفع والضر بيد الله وحده، ولا يملك أحد لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فالجميع متوجه له سبحانه.

كما أن التبرك بالأضرحة، أحد الموروثات الثقافية الدميمة، التي لا ترقى إلى مستوى الايمان بأن الله سبحانه وتعالى، هو وحده المانح وهو المانع، وهو وحده الذي يعطى ما يشاء ويمنع ما يريد، ومن في الأضرحة هم موتى لن يقدموا أي نفع لهم.
 

أما الكاتب "عبدالرحمن عباس"، فقال: "ما قدمه عيسى على مدار السنين الماضية، تهاوى على أعتاب صاحب المقام، فالكاتب الذي دعانا للإيمان بأن الله وحده هو المتحكم في مصير البشر، يقنعنا في فيلمه أن هناك وليّا يستطيع قلب حياتك رأسًا على عقب".

ويضيف: "من رفض عيسى وجود أي حديث عن الجن والخوارق، يوظف في عمله السينمائي روحا تظهر وتختفي، وأخيرًا يؤكد لنا أن الأضرحة لا يمكن هدمها، لأنها قادرة على الفعل من العالم الآخر".

أما الهجوم الفني فقد كان أقل وطأة، رغم أنها اتهامات تنسف مصداقية العمل، الذي قيل إنه مقتبس من عدة مصادر أخرى، خاصة رواية "مولانا الشيخ جواب" للكاتب المصري "يسري أبوالقاسم"، والفيلم الإسرائيلى "مكتوب" الذى عرض على منصة "نتفليكس" عام 2017.

و"مكتوب"، فيلم إسرائيلى، تدور أحداثه حول مجرمين ينجيان من تفجير ضخم فى أحد المطاعم، ومن بعد الحادث الذى راح ضحيته كل من بالمطعم، تغيرت حياتهما واختلفت بالكامل، ليبعدا عن حياة الاحتيال والنصب والإجرام، ويقررا القيام بأعمال خير، ليذهبا في رحلة تحقيق الأحلام للأشخاص الذين يكتبون أمنياتهم على الورق، ويضعونها بين الحجارة فى حائط المبكى.

كما لم يخلُ البناء الدرامي، وشكل السرد من النمطية طوال أحداث الفيلم تماماً، في ظل أسئلة لم نجد لها إجابات تتعلق بالحبكة الدرامية، مثل كيف وصل "يحيى" لعناوين المريدين وزوار المقامات؟

وتقول الكاتبة "لمياء رأفت": "طوال الأحداث لم يشرح لنا صناع الفيلم لماذا يحيى مادي لهذه الدرجة كما لو أن ذلك أمر مسلم به؟ أو لماذا يؤمن رجل أعمال كبير مثل حكيم بالمقامات والشفاعة؟ وكيف اقتنع رجل الأعمال المادي المراوغ بأن شفاء زوجته سيتحقق باتباع نصائح من حوله باسترضاء الأولياء؟".

وتتساءل عن الشخصية غير المفهومة تمامًا، وهي "روح"، وهي امرأة لا نعلم إن كانت حقيقية أو وهم، تظهر من حين لآخر لـ"يحيي" حتى ترشده للتخلص من آثامه واسترجاع "رضا الأولياء".

وتتابع: "في الوقت ذاته يراها الآخرون ولكن لا يعلمون من هي أو سبب وجودها حولهم بلا أي شعور بالاستغراب، إذ تظهر تارة ممرضة وتارة أخرى طبيبة، ولا مانع من ظهورها فرد أمن في المستشفى نفسه".

وتتحدث "لمياء" عن "روح" وتقول إنها "شخصية مفتعلة تمامًا وخارجة حتى عن سياق الفيلم، وإمعان من الكاتب في الغوص في عالم الماورائيات، وتضفيره مع أمور شائكة مثل الإيمان بالشفاعة والتواصل مع الله".

وتزيد: "إلى جانب سذاجة خداع زوجة يحيى للأطباء، الذين يرون حالتها مستقرة، لكنها في الغيبوبة، ولا يجدون تفسيرا طبيا لحالتها، ورغم ذلك يتقبل الجميع الأمر، بينما تتحسن تدريجيا بتربية يحيى روحانيا، حسب خطة روح".

وتساءلت: "ما علاقة زيارة يحيى للكنيسة وقراءة الفاتحة بها تقربا للإمام الشافعي؟".

وبعيدا عن الاشتباك الديني المعتاد عليه "عيسى" في أفلامه، والنقد الفني، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بردود أفعال حول الفيلم، أغلبها معارض لفكرة التبرك بالأولياء، باعتبارها هدما للدين وثوابته.
 


 


 


 


 

 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيلم صاحب المقام التبرك بالأولياء والصالحين إبراهيم عيسى

فيديو.. «إبراهيم عيسى» يهاجم مفتي السعودية بسبب موقفه من فيلم «محمد رسول الله» ﷺ