استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحرية المنقوصة .. تنتج وعيا منقوصا

الاثنين 7 سبتمبر 2015 12:09 م

لم يتعرض مفهوم من المفاهيم للبحث والسجال والحفر والاستعادة كما مفهوم الحرية، بما تشتمله من حدود وحقوق وقيمة ومعنى.

منذ العتبات الأولى لسؤال الإنسان عن ماهية الحياة وماهية حضوره ومغزى الوجود؟ وعلاقته بذاته والناس والكون والطبيعة؟ وما وراء الطبيعة والوجود؟ إضافة إلى سر البدايات والنهايات؟ وماهية وهوية المتحكم في هذا العالم اللامتناهي؟ كان سؤال الحرية الإنسانية وكان قلق العقل.

هناك شاركت السماء في الإجابة على أسئلة الإنسان وحيرته، واندفع العقل في مقاربة الأشياء والأسرار، وذلك ما أنتج الوعاء الذهني الذي تكفل بمساءلة الطبيعة والوجود والمقدس المتمثل بالفلسفة الأولى.

كان مفهوم الحرية من أهم ما تناوله الدين وناقشته الفلسفة، وكان هذا المفهوم - الحرية - من أكثر أسباب العلاقة المتوترة بين الدين والفلسفة، وبين الفلاسفة والمفكرين والعقلانيين عبر التاريخ ومسيري شؤون المقدس، ذلك أن رجال الدين لا يؤمنون إلا بالعقل اللاهوتي المفارق المتعالي، ما يعني حتمية الإيمان التسليمي الامتثالي من قبل الإنسان، بدعوى تنزل الفيوضات السماوية ناجزة لا تقبل ولا تحتمل الإضافة والسؤال والشك.

وعجز العقل الإنساني عن التماس بالمتنزل السماوي المقدس وتوجيهه، بمعنى أن حملة الرأسمال الديني في مواجهته مع العقل الذي يتأبى التلقي والتأمثل للمعطى والتشريع المقدس من دون فرز ومساءلة، وهذا ما يعني في حال من الأحوال لدى (الأكليروس) التعدي على مهمة رجل الدين، الذي لا يجد ماهيته ورمزيته بحضور وتشغيب العقل، إضافة إلى جمود رجل الدين ذاته وعجزه عن استيعاب قيمة الحرية وتوهمه أن العلاقة بالسماء استسلامية خنوعية، وهذا ما جعل رجل الدين عدواً منهجياً وتقليدياً لمفهوم الحرية، وأنه تعدٍّ وحرب على روح المقدس وبالضرورة مناكفة العقل.

إذن، المدرسة الدينية مع الجبر الفكري الامتثالي وضد الحرية المؤثمة، في الجانب الآخر الفلاسفة والمفكرون والعقلانيون وغيرهم ممن يعلي قيمة العقل الإنساني في صف الحرية الإنسانية وضد الجبر التبخيسي.

ربما الأصعب والأخطر في مسألة الحرية هي حالة الإمحاء الذهني والوجداني، الذي يتعرض له اللاوعي الفردي والجماعي إزاء الدين، ما يحيله إلى الامتثال، الذي يعني فقدان الحرية والاختيار كما تأثيمها وازدراؤها، هذا الإمحاء في مواجهة المقدس ومسيريه من قبل العقل الإنساني كان له الأثر السلبي في ناحية تهميش الإنسان وتحويله إلى كينونة عاجزة متعثرة.

ليس الدين فحسب المسؤول عن معارضة وحجب قيمة الحرية، وإنما يتآزر معه في المجتمعات التقليدية أو البدائية سلطات أخرى ولعل أخطرها (السياسية/ الاجتماعية) وهنا تكمن المعرة ويستكن القهر والإكراه لقيمة الحرية ويتحول الإنسان لكيان سلبي تلقيني.

في البنية الاجتماعية الموشومة بهذه السلطات تتمظهر أزمات وإكراهات (ذهنية /فكرية/ نفسية/ أخلاقية/ معرفية) تمارس تشكيل الوعي قهرياً ولا شعورياً، وتنتج أفراداً غير أسوياء ومجتمعاً غير سوي.

ذلك أن هذه السلطات تمتلك صناعة واحتكار «الإطار المعرفي»، وهذا بدوره يخلق ممانعة ضد الفردانية التي لا يمكن أن تمارس تشكيل ذاتها من دون حرية وتجاوز لقوة الإطار المعرفي المتغور في اللاشعور العميق لدى الفرد كما الجماعة البشرية.

وبسبب حرمان الوعي من قيمة وروح الحرية، فإن أفراد هذه البيئة يتحولون إلى وحدات وجزيئات ضامرة ذهنياً، مكررة ومحاكاتية مطبوعة بالتشابه والتماثل شبه الكامل، وهذا يعني فقدان مقومات الإبداع والفرادة والإضافة والتميز، إلا في حدود مسطرة الإطار المعرفي الإكراهي الجبري، الذي يحتكر ويحدد مفهوم وميزان الحرية.

لذلك فإنه من الطبيعي أن يعجز فرد بيئات المحاكاة البدائية من أن يكوّن تصوراً سوياً مكتملاً وعقلانياً عن ذاته من خلال اختياره وتصوره الذاتي الاختياري، وإنما عبر قيم وتعاليم السلطة التي تهيمن على عموم الوعي الاجتماعي، ولأجل سطوة السلطة التي تدير الوعي قهرياً يتجه الفرد إلى نهج التمرد أحياناً وأحياناً إلى انتهاج النفاق والتمويه والازدواجية حتى لا يقع في قبضة الرقابة السلطوية «الدينية أو السياسية أو الاجتماعية».

إن هذا التغويل لمفهوم الحرية جعل من الفرد كياناً عاجزاً عن تعاطي الحرية الفكرية، حتى وإن أتيحت له البيئة الحرة، وذلك بسبب انعدام أبجديات وأدبيات الحرية في لاوعيه العميق المستلب نهائياً منذ لحظات تكوينه الأولى، وقد تتحول الحرية إلى منطقة ذهنية موحشة للوعي التقليدي الذي تغلغلت فيه قيم الاستعباد والفناء الفرداني الذي تم تشكيله في البيئة الكلاسيكية، وذلك لحظة تكون عقل وتصورات الإنسان.

(الحصاد) عادةً ما تتآزر القوى (السياسية/ الدينية/ الاجتماعية) في مواجهة قيمة الحرية؛ لشعورها بأن الحرية تعني تململ الوعي ويقظة العقل الذي قد ينتهي بالثورة على الإكراه والاستبداد، وهذا ما يعني فقدان وتهدم الامتيازات، امتيازات الهيمنة على العقل والسلطة.

الدين الذي يتعاطى قهر الحرية الإنسانية ليس دين الله الأصيل. وإنما الدين الذي أنتجه الإنسان على حواشي الدين الحقيقي وحوره لمضيق الانغلاق والأحادية اليقينية.

وإن زعم الأكليروس الديني احترام الإسلام للحرية فقد صدقوا نظرياً، فالإسلام يعلي من قيمة الحرية والنصوص في ذلك متآزرة، لكنهم عملياً وذهنياً لا يكتنهون ماهية هذه الحرية ولا يوقرونها، بل إنهم أكبر أعدائها والأكثر جهلاً بها.

الحرب على الحرية تخلق مجتمعاً مأزوماً يعاني من بؤس التشابه والتبعية والخوف من التحديث والاستقلال والتباين الفرداني، فرد هذه البيئات المرتهنة لأغلال الرقابة والتقييد لا يدرك مغزى الحياة والدين، ولا مغزى وجوده ودوره في الحياة، وهذا ما غوّر عديداً من العطوب التي لا توجد في بيئات الانفتاح. إنسان يعيش في مهب الريح لا يمتلك أي مقاومة ذهنية وحتى نفسية في مواجهة المتغيرات والصعوبات التي تزخر بها الحياة.

يتمكن القمع الفكري من الإنسان لمرحلة ألا يدرك ما معنى وقيمة الحرية أساساً، وإن حكى عنها طويلاً.

* عبد الله النغيمشي كاتب سعودي.

  كلمات مفتاحية

الحرية القهر المجتمعات السلطة الدين الإسلام الأنظمة الحاكمة

مؤشر الحرية: (إسرائيل) تتصدر والدول العربية في المراكز الأخيرة

أين أمتنا من ثقافة الاستبداد؟

في مواجهة الدولة الشمولية ودولة الاستبداد

مفهوم الحرية وعصر النهضة

حروب الاستبداد العربي

تكميم الأفواه باسم الحرية !

دائرة الهلاك... إما «داعش» وإما «الاستبداد»!

الوعي «العربي» الزائف

العقل العربي وسؤال الحرية والدولة