خط التوتر العالي للإمارات في الأردن

الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 09:28 ص

خط التوتر العالي للإمارات في الأردن

تبدي الإمارات نوعا من خطّ التوتّر العالي يتغذى على الصراعات الأهلية ليغذي ميليشياته وشخصياته المعروفة!

اللجوء إلى القمع، خيار الأجهزة الأمنية العربية الأول لا يتناسب مع الأردن ومؤسسته الملكية العريقة ونخبته السياسية.

الأمر صار أكثر صعوبة وخطورة مع دخول الإمارات على خطوط المواجهة والاستقطاب بطول الخارطة العربية وعرضها.

يظهر مثالا علي بن الحسين وعماد حجاج وكثير من أفراد النخبة الأردنية أن خطّ التوتر العالي الإماراتي يلقى مقاومة شديدة في الأردن.

*     *     *

باستثناء بقعة جغرافية شاطئية صغيرة يمثلها ميناء العقبة على البحر الأحمر فإن الأردن محصور بريا بين مجموعة من البلدان التي تشبه، أحيانا، ثقبا أسود للأزمات، أو محرّكا كبيرا لها.

يمتلك الأردن الحدود الأكبر لأي دولة عربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تؤدي قراراتها فيما يخص الفلسطينيين عموما، وسكان الضفة الغربية خصوصا، إلى تداعيات مباشرة داخل حقول السياسة والاجتماع والاقتصاد الأردنية.

وتحاذيه باتجاه الشمال سوريا، التي يعيش شعبها منذ عشر سنوات أزمة كبرى كان لها ارتدادات داخل المشرق والإقليم والعالم، كما يحدّه العراق، الذي كان مركزا للحروب والتوترات لعقود طويلة، ومن الجنوب السعودية، ويفصله عن سيناء المصرية، ممر بحريّ قصير.

تعرّض الأردن خلال السنة الحاليّة، مثل غيره من بلدان العالم، إلى موجة وباء كوفيد 19، وأثّر ذلك على وضعه الاقتصادي القلق، حيث تقلّص الدخل الناجم عن السياحة إلى حدود دنيا، وأدى ذلك أيضا إلى تقلص الأردنيين في دول الخليج التي دفعت العديدين منهم إلى العودة.

وتراجع مصدر تاريخي للدخل، وهو المساعدات من الدول العربية الثرية، لأسباب اقتصادية، منها تراجع أسعار النفط، وسياسية، سببها ممارسة الضغوط على الأردن لقبول خطط الإدارة الأمريكية فيما يخص «صفقة القرن».

حاولت النخبة السياسية الأردنية الحاكمة، منذ عقود، الحفاظ على توازن دقيق، بين مصالحها ومصالح جيرانها الأقوياء، وحقوق ومطالب شعبها، واستطاعت الخروج من أزمات قويّة مع إسرائيل، أو مع الأنظمة العربية الكاسرة في استبدادها.

وقد انعكس ذلك على مواقف تمسك العصا من المنتصف، أو تميل بها ميلا محسوبا، لكنّ الأمر صار، على ما يبدو، أكثر صعوبة وخطورة، مع دخول الإمارات على خطوط المواجهة والاستقطاب على طول الخارطة العربية وعرضها.

وهو ما انعكس أيضا على المواقف الأردنية الداخلية، بعد أن كانت المواقف الضاغطة يعبّر عنها في الخارج فحسب، كما هو الموقف من أطراف الصراع الليبي، أو الحرب الجارية في سوريا.

أظهر خبر اعتقال رسام الكاريكاتير المعروف عماد حجاج (الذي أطلق سراحه أمس) السطوة الإماراتية في الأردن، وأثار إعادة الأمير علي بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، مقالة ناقدة لولي عهد الإمارات محمد بن زايد، إلى حملة من الذباب الالكتروني الإماراتي ضده، وقام بحذف المقالة من صفحته على تويتر، بعد ما تردد عن طلب ملكيّ منه بحذفها.

الأمر أكبر بكثير من إظهار أبوظبي نفوذها في عمّان، فالسلطات الأردنية قامت خلال الأشهر الماضية بإجراءات سياسية وأمنية لا يمكن أن تخفي تقاربها مع الأجندة التي تحاول الإمارات فرضها عربيّا، ومنها حل جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، والتصعيد ضد نقابة الأطباء واتحاد طلاب الجامعة الأردنية والملاحقة الأمنية التي طالت نقابة المعلمين، التي تعتبر أكبر النقابات في البلاد، وأدت إلى اعتقال عدد من قادتها.

تبدو الإمارات نوعا من خطّ التوتّر العالي الذي يتغذى على الصراعات الأهلية، ليغذي ميليشياته وشخصياته المعروفة، كما هو حال الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، واللواء عيدروس الزبيدي، قائد المجلس الانتقالي اليمني، ومحمد دحلان، القائد الفتحاوي السابق، والمطلوب من السلطة الوطنية الفلسطينية بتهم عديدة.

والواضح أن هذا مثالها المفضّل للعمل «السياسي» في البلدان العربية كافة، غير أن مثالي علي بن الحسين وعماد حجاج، والكثير من أفراد النخبة السياسية والثقافية الأردنية، يشيران إلى أن خطّ التوتر العالي الإماراتي يلقى مقاومة شديدة في الأردن.

لا يمكن إنكار الصعوبة الكبيرة للوضع السياسي والاقتصادي للحكومة الأردنية، فالدين العام اقترب من نسبة 100%، والواضح أن «الدولة العميقة» تخشى من انقلاب الاحتجاجات النقابية إلى مرتبة أعلى، غير أن اللجوء إلى القمع، الذي يعتبر الخيار الأول للأجهزة الأمنية العربية، لا يتناسب مع الأردن ومؤسسته الملكية العريقة ونخبته السياسية، ولا مع حكومته التي يرأسها مثقف يؤمن بالديمقراطية والإصلاح السياسي.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية