السلام مجرد أمنيات.. زواج خطير بين الإمارات وإسرائيل

الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 08:48 م

كانت الإمارات مفتونة بـ(إسرائيل) لدرجة أنها حتى قبل إضفاء الطابع الرسمي على اتفاقها الثنائي الجديد، بدأت في تطبيع العلاقات معها على العديد من المستويات، بما في ذلك الاتصالات والنقل والأمن وغيرها.

وما بدا أنه "زواج مصلحة" كان في الواقع علاقة حب كاملة. فعلى عكس الزيجات التقليدية، وقع الاثنان في الحب وأكملوا علاقتهما سرا قبل الإعلان رسميا عن موعد الزفاف.

في الواقع، كان الإعلان قادما مع الأخذ في الاعتبار التلميحات والغمزات العديدة من كلا الجانبين، لكن إدارة "ترامب" كانت حريصة على نشر الأخبار بضجة كبيرة قبل الانتخابات الأمريكية.

وقد سخر كثيرون من المحاولة الإماراتية لتدوير استرضائها كحساب استراتيجي لوقف ضم (إسرائيل) غير الشرعي للأراضي الفلسطينية وتعزيز السلام في الشرق الأوسط.

كما كتبت في صباح اليوم التالي للإعلان، يظهر السجل أن الإمارات تضمر عداءً أكبر من التعاطف تجاه الفلسطينيين. إذا كان هناك أي شيء، فإن الصفقة ستزيد من قوة (إسرائيل) وتضعف النضال الفلسطيني من أجل الحرية.

علاوة على ذلك، لم تكن الإمارات في حالة حرب أبدًا، ناهيك عن حرب دينية، مع (إسرائيل)؛ لتضطر إلى إبرام "اتفاقية سلام" أطلق عليها اسم "اتفاق إبراهام" بشكل مشكوك فيه.

ما يحدث هو تحالف أكثر منه اتفاق، تحالف موجه ضد القوى الإقليمية، إيران وتركيا. وهو تحالف يهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة؛ إذا أعيد انتخاب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لمدة 4 سنوات أخرى.

لكن ماذا لو تم انتخاب المرشح الديمقراطي "جو بايدن" رئيسًا؟، بالتأكيد، يقرأ القادة الإماراتيون الصحافة الأمريكية، ويعرفون جيدا أن نائب الرئيس السابق متقدم في استطلاعات الرأي، ولا يزال ملتزما بالاتفاق النووي لإدارة "باراك أوباما" مع إيران.

  • شركاء جيوسياسيين

كانت (إسرائيل) حريصة للغاية على الاعتراف والقبول من جانبها العربي والإسلامي؛ للخروج من عزلتها الإقليمية، ويسعدها تطبيع العلاقات مع أي دولة، بغض النظر عن الحجم أو القاعدة أو الجغرافيا.

وعندما تتطوع دولة غنية مثل الإمارات لتطبيع العلاقات دون أي شروط حقيقية، فمن الطبيعي أن تغتنم (إسرائيل) الفرصة وتحاول تسريع العملية قدر الإمكان.

وبالفعل تعتبر (إسرائيل)  أبوظبي ودبي بوابة السعودية، كما كانت هونج كونج بوابة الصين.

لكن لماذا كانت أبوظبي حريصة للغاية وفي عجلة من أمرها للاندفاع إلى الأمام مع العلاقة الجديدة في هذه الأوقات المضطربة؟

حسنًا، ربما لأنها تعتقد أن العلاقة الجديدة مع (إسرائيل) لها دور فعال بشكل خاص في أوقات عدم اليقين، ولا يقل ذلك عن فوز "بايدن"؛ حيث تعتقد أن النفوذ السياسي لـ"إسرائيل" في واشنطن سيحميها، مهما حدث.

في الواقع، بدأت الإمارات و(إسرائيل) الاتصالات السرية في واشنطن في سنوات الفوضى التي أعقبت غزو العراق عام 2003، ورفعتها إلى مستوى التنسيق الاستراتيجي خلال السنوات المضطربة لإدارة "أوباما". (كنت محللا سياسيا أول في تلفزيون أبوظبي لمدة 3 سنوات أثناء حرب الخليج وبعدها؛ حيث تم استقبالي بلطف وتمكنت من التعليق بحرية).

شعر قادتهم، إلى جانب قادة السعودية، بالخيانة من الدعم الأولي للرئيس "أوباما" للربيع العربي وضغطه على المستبدين العرب لتبني الإصلاحات الديمقراطية أو التنحي.

دخلت الأنظمة الثلاثة في حالة من الذعر خلال الاضطرابات العربية؛ حيث انتقدت "أوباما" لاعترافه بانتصار "الإخوان المسلمين" في الانتخابات المصرية عام 2012.

تعتبر هذه الأنظمة الديمقراطية وحرية التعبير عدوها الأول.

قام "أوباما" بتحول كامل تجاه مصر، رافضا إدانة الانقلاب العسكري الذي دبره الجنرال "عبد الفتاح السيسي" عام 2013، لكن القادة الإماراتيين والإسرائيليين والسعوديين قرروا أن واشنطن لم يعد يمكن الاعتماد عليها، وبدلاً من ذلك قرروا الاعتماد على بعضهم البعض لإبقاء الديمقراطية خارج المنطقة.

تم تعزيز هذا التصور بعد عامين عندما توصلت إدارة "أوباما"، في عام 2015، إلى اتفاق نووي مع إيران ضد رغبات الأطراف الثلاثة.

لم يساعد كثيرا أن إدارة "أوباما" التزمت بتفوقهم العسكري، رغم جرائم الحرب التي ارتكبوها في فلسطين واليمن.

وبدلا من ذلك، نقلت الإمارات العلاقة مع (إسرائيل) إلى مستوى استراتيجي وأمني واستخباراتي جديد، شجعته إدارة "ترامب" ودعمته لاحقا.

سمحت أولى ثمار تعاونهما الاستخباري السري لأبوظبي باستخدام البرامج الإسرائيلية للتجسس على جيرانها والنشطاء السياسيين والحقوقيين في جميع أنحاء المنطقة.

  • رفقاء الليبرالية الجديدة

قد تكون (إسرائيل) والإمارات دولتين مختلفتين الأولى "اثنية استعمارية" والأخيرة دولة استبدادية قمعية، لكن تحالفهما الوثيق مع الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، سمح لهما بالتحرر والخصخصة والعولمة في اقتصاداتهما بنجاح، وإن بدرجات متفاوتة.

لقد تحول كلاهما بنجاح إلى دول أمنية ودول سوق، ليصبحا نماذج للتطور النيوليبرالي في العالم النامي.

خلق كلاهما بيروقراطيات كفؤة تمليها احتياجات العمل والتجارة، وأجهزة أمنية فعالة تمليها الظروف الإقليمية غير المستقرة.

لقد سمحت قدرتهم على دمج الوافدين الجدد -(إسرائيل) بشكل أساسي من الهجرة اليهودية والإمارات بشكل أساسي من العمالة الوافدة- بتوسيع وتنويع اقتصاداتهما بشكل لا مثيل له.

علاوة على ذلك، فإن تعاون البلدين في مجال الأمن وجمع المعلومات الاستخبارية عزز مكانتهما كأساس للنفوذ الأمريكي في المنطقة، بغض النظر عمن يقيم في البيت الأبيض.

إن قدرة الإماراتيين على شن الحروب وإبراز القوة التجارية والاستراتيجية خارج حدودهم تجعلهم أصولا غربية مهمة في منطقة مضطربة.

نشأت جاذبية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي المنفتح إلى حد ما "بنيامين نتنياهو" (بيبي) وولي العهد الانطوائي "محمد بن زايد"، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات.

يغار "بيبي" من الثروة الإماراتية وإبراز قوتها في جميع أنحاء المنطقة من تونس إلى سوريا عبر ليبيا والسودان، ويغار "محمد بن زايد" من اقتصاد (إسرائيل) المتقدم والتكنولوجيا ونفوذها في واشنطن.

يغار "نتنياهو" أيضا من حكم "محمد بن زايد" السلطوي. لن يواجه المحاكمة بتهمة الفساد، كما هو الحال الآن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

يستغل كلاهما مكانته كأصول استراتيجية أمريكية من أجل تعزيز مصالحهما الوطنية، بغض النظر عن العواقب على جيرانهما.

وبهذه الطريقة، من المؤكد أن بيع الولايات المتحدة لطائرات مقاتلة متطورة من طراز "F-35" إلى الإمارات سيتم بمجرد أن تحصل (إسرائيل) على شيء في المقابل من واشنطن. وستعاني شعوب المنطقة من التفوق الجوي الإماراتي كما يعانون من التفوق الإسرائيلي.

سيحاول الرفقاء الجدد توسيع تحالفهم مع أمثال مصر والسعودية من أجل تشكيل جبهة موحدة ضد أي مبادرة جديدة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو المنطقة التي لا ترضيهم.

قد يكونون قادرين على هزيمة الفلسطينيين واليمنيين عسكريا، وقد يضعفون اللبنانيين والليبيين سياسيا. لكن إيران وتركيا سيثبتان أنه من الصعب، بل خطير بالفعل، احتوائهما أو مواجهتهما من خلال النفوذ الاستراتيجي.

وينطبق الشيء نفسه على محاولاتهم خنق الديمقراطية في أي مكان في المنطقة؛ مما سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والعنف.

باختصار، سيثبت الرهان على "اتفاقية السلام" الجديدة لتعزيز قضية السلام والاستقرار في المنطقة أنه مجرد أمنيات.

المصدر | مروان بشارة / المركز العربي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التطبيع الإماراتي الإسرائيلي اتفاق التطبيع الإماراتي

و.س.جورنال: التطبيع الإماراتي يدفع السعودية لذات الاتجاه