صحيفة عبرية: الإمارات بين "صلح الحديبية" و"ولا تعاونوا على الإثم"!

الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 08:55 ص

صحيفة عبرية: الإمارات بين "صلح الحديبية" و"ولا تعاونوا على الإثم"!

مفتي عُمان يهاجم اتفاق التطبيع. كيف ينظر "علماء الإسلام" لزيارة الأقصى والتطبيع مع إسرائيل؟

مسيرة التطبيع التي تتحقق برعاية أمريكية بين إسرائيل والإمارات صُممت لروح نزعة التصالح.   

استخدام آلية “المصلحة” تسمح للنظام في أبوظبي بادعاء أن الإنجازات السياسية الكامنة بالاتفاق مع إسرائيل تنطوي على قيمة دينية.

*     *     *

بقلم | أوفير فنتر و يوئيل غوغنسكي

تعمل الإمارات على مدى السنين، وبقوة أكبر في العقد الأخير، على نشر عقيدة دينية–سياسية تعرف السلام كقيمة إسلامية وترى فيها عنصراً أساسياً في هويتها الوطنية. وذلك كبديل فكري وقيمي للمفاهيم الراديكالية للإسلام السياسي على نمط الإخوان المسلمين والقوى السلفية الجهادية في المنطقة.

تساعد هذه الجهود على تطوير الفكرة الوطنية لهذه الدولة، تخدم الرؤيا المناهضة للنزعة الإسلامية، تلك الرؤيا التي تسعى لدفع الشرق الأوسط إلى الأمام وتساهم في بناء صورتها الدولية كمعقل للحرية الدينية، والتعددية، وتعدد الثقافات.

أقام الاتحاد الخليجي في 2016 وزارة حكومية للدفع إلى الأمام بالتسامح، وأعلن عن 2019 كــ"عام التسامح"، واستضاف في إطاره قمة بين البابا وشيخ الأزهر، المرجعية الدينية العليا في مصر وفي العالم السُني.

وبلور الزعيمان الدينيان معاً وثيقة "الأخوة الإنسانية" وهدفها المعلن الدفع بالسلام العالمي والحياة المشتركة بين أبناء عموم الأديان. في 2022 سيفتتح في أبو ظبي مجال "بيت أسرة أبراهام" الذي سيضم مسجداً، وكنيسة، وكنيساً، ويستهدف الدفع بالقيم المشتركة للأديان التوحيدية الثلاثة وتشجيع التفاهم المتبادل وقبول الآخر في أوساط عموم المؤمنين.

إن مسيرة التطبيع التي تتحقق برعاية أمريكية بين إسرائيل والإمارات صُممت لروح نزعة التصالح هذه، وهي تسوق -ضمن أمور أخرى- كتقارب ديني متجدد بين المسلمين واليهود والمسيحيين. وقد سمّاه واضعوه "اتفاق أبراهام" على اسم أبي الأديان التوحيدية الثلاثة.

وفي الإعلان عن الاتفاق، جاء بند (يفترض أن يجد تعبيره أيضاً في الاتفاق نفسه)، وبموجبه "يسمح لكل المسلمين الذين وجهتهم للسلام أن يزوروا المسجد الأقصى ويصلّوا فيه، وتبقى المواقع المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة أمام المؤمنين محبي السلام من كل الأديان". إضافة إلى ذلك، منحت مؤسسات دينية رسمية ورجال الفتوى في الإمارات إسناداً فقهياً للخطوة.

كما أن اتفاقات السلام التي وقعتها إسرائيل مع مصر والأردن حظيت في حينه بشرعية فقهية من رجال الدين الرسميين، ممن سعوا لمساعدة أنظمتهم في تجنيد الشرعية للانعطاف السياسي الدراماتيكي، ولصد النقد ذي النزعة الإسلامية.

ومثلما تعرض الرئيس السادات والملك حسين للهجمات من جانب الإخوان المسلمين في بلديهما، الذين يمتنعون اليوم أيضاً عن الاعتراف بإسرائيل، يتعرض ولي العهد محمد بن زايد للهجمات من المحور الإسلامي في عصرنا.

فقد هدد الرئيس التركي أردوغان بإغلاق سفارة بلاده في أبو ظبي في أعقاب الاتفاق ووصفته إيران كـ "سكين في ظهر كل المسلمين"، فيما ترى فيه حماس خيانة لكفاح الشعب الفلسطيني.

وقضى الداعية أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي يتخذ من الدوحة مقراً له وتموله قطر، بأن "حظر التطبيع معناه حظر السطو، والاحتلال، وباقي الجرائم التي ارتكبت وترتكب من الصهاينة ودولتهم منذ ثمانية عقود".

أما المنتقدون في الإمارات، فقد اتهم نشطاء المعارضة –وبعضهم منفيون يرتبطون بقطر– الحكم بخرق المادة 12 من الدستور، الذي يلزم بالتضامن العربي والإسلامي. وسارع هؤلاء لإقامة جمعية لمكافحة التطبيع تبنت قبة الصخرة في القدس شعاراً لها.

واختتم البيان التأسيسي لها بآية قرآنية تدعو إلى مخافة الله والتعاون على البر والتقوى وليس على العدوان، مما يستهدف إبراز التناقض الذي يرونه بين التأييد الواجب للقضية الفلسطينية والعلاقات المرفوضة مع إسرائيل.

لم يردع الجدال الفقهي في شرعية الاتفاق الإمارات، أما الحجة الأساس التي وردت في بيان مجلس قضاة الإمارات، وهو المرجعية الدينية العليا في الاتحاد، فهي أن الاتفاق مع إسرائيل هو "مصلحة" أي فعل يخدم الأهداف العليا للشريعة الإسلامية. واستخدام آلية "المصلحة" تسمح للنظام في أبو ظبي بالادعاء بأن الإنجازات السياسية الكامنة في الاتفاق مع إسرائيل تنطوي على قيمة دينية أيضاً.

وأوضح رئيس المجلس، الشيخ عبد الله بن بيه، بأن عقد الاتفاق جاء ضمن الصلاحية الحصرية والسيادية للحاكم، بعد توصله إلى الاستنتاج بأنه يؤدي إلى إلغاء بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ويخدم حل المشكلة الفلسطينية، ويشجع السلام، ويبعد الحروب والأوبئة ويفيد الإنسانية.

إضافة إلى ذلك، عللت الإمارات خطواتها بسوابق إسلامية، بينها اتفاق الحديبية، الذي عقده النبي محمد مع عبدة الأصنام في مكة في 628. وكتب ابن بيه بأن “في الشريعة نماذج عديدة وأساسات فقهية مرتبة لمسائل كهذه تتعلق بالصلح والسلام الواجبة بحكم الظروف ومصلحة عموم الجمهور الإسلامي".

ومثلما اقتبس معارضو الاتفاق آيات من القرآن، استند مؤيدوه إلى آيات مضادة تشهد على تفضيل الإسلام لطريق السلام مثل “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها”.

وأعلن رئيس اللجنة الجماهيرية للشؤون الإسلامية والمقدسات في الإمارات د. محمد مطر سالم الكعبي، بأن الاتفاق مع إسرائيل ينسجم ومبادئ الإسلام التي تتبنى التعاون بين أبناء كل الأديان ومع وثيقة "الأخوة الإنسانية" من العام 2019. وعلى حد قوله، فإن الاتفاق يساهم في تعزيز الصورة الدولية للإمارات كدولة تتصدر ميول السلام والتسامح.

إلى جانب الهجمات الإسلامية، تتصدى الإمارات احتجاجات السلطة الفلسطينية؛ فقد رأت رام الله في تعليق الضم مقابلاً غير كاف لخروج أبو ظبي عن مبادرة السلام العربية التي اشترطت التطبيع مع إسرائيل بالتسوية مع الفلسطينيين على أساس خطوط 67. وأصدر مفتي القدس، محمد حسين، فتوى تحظر على حجاج الإمارات الصلاة في المسجد الأقصى.

وأضاف قاضي القضاة في فلسطين ومستشار أبو مازن للشؤون الدينية محمود الهباش بأن كل مسلم غير فلسطيني يأتي للصلاة في المسجد على أساس اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات "غير مرغوب فيه".

والتخوف الفلسطيني هو أن تبث إسرائيل، بفضل مثل هذه الزيارات، صورتها كدولة تسمح بحرية العبادة وتعزز سيطرتها على الأماكن المقدسة. إن وقوف السلطة الفلسطينية إلى جانب المحور الإسلامي وضد دول المحور البراغماتي، المقربة منها، يجسد العزلة الإقليمية التي علقت فيها رام الله عقب الاتفاق ومفترق القرارات الصعبة الذي هي فيه.

في رد على الانتقاد الفلسطيني، هرعت مصر لمساعدة الإمارات. فقد رفض د. عباس شومان، من كبار شيوخ الأزهر الحظر على مواطني الإمارات زيارة الأقصى بقوله إنه لا يعرف سابقة شرعية تمنع شخصاً ما، من مجموعة ما أو من شعب ما، من الصلاة في أي مسجد بسبب الموقف السياسي لدولته.

بل وعجب شومان لماذا لا يمنع الفلسطينيون صلاة مواطني تركيا وقطر في الأقصى، رغم حقيقة أن دولتيهم تقيمان تطبيعاً طويل السنين مع إسرائيل في المجالات الاقتصادية، بل والعسكرية.

أما عُمان، فإن المرجعية الدينية العليا –التي تتمتع باستقلالية معينة– لم تستقم بشكل كامل مع المرجعية السياسية، ولم تسمح بالتقارب بين عُمان وإسرائيل. فرغم تأييد عُمان العلني لخطوة الإمارات، أصدر مفتي السلطنة، الشيخ أحمد الخليلي، فتوى تهاجم الاتفاق المتحقق وتصف زيارة الأقصى كتطبيع مرفوض وتقضي بأن "تحرير الأقصى وتحرير الأرض حول الأقصى واجب مقدس للأمة (الإسلامية) كلها".

 

المعاني

يلعب الدين الإسلامي دوراً مركزياً في الخطاب السياسي في المنطقة العربية، كوسيلة لدى السلطات لتهيئة القلوب وتجنيد الدعم الشعبي للنظام الاجتماعي السياسي القائم وسياسة الأنظمة. ويستعين الزعماء العرب بالمؤسسات الدينية الممولة من الدولة لصد الاعتراضات الإسلامية وتسويغ خطوات سياسية موضع خلاف، من الداخل والخارج. وتصب مسألة العلاقات مع إسرائيل المزيد من الضوء على مكانة المؤسسات الدينية في كل دولة ودولة، وعلى طبيعة العلاقة القائمة فيها بين الدين والسياسة. وفضلاً عن ذلك، تكشف عمق الشرخ الذي يقسم العالم العربي والإسلامي في عصرنا بين المحور البراغماتي الذي في مركزه مصر والإمارات والسعودية، والمحاور الراديكالية بقيادة تركيا وإيران.

يجسد الجدال بين الأطراف بأن ليس للإسلام كدين موقف مسنود بالنسبة للسلام والتطبيع مع إسرائيل. والأحرى، هناك مواقف مختلفة للاعبين المتنافسين في العالم العربي والإسلامي في الموضوع بل وأحياناً متضاربة، وتدعي هذه الأطراف كلها الاحتكار لتفسير الدين وفقاً لاحتياجاتها ومفاهيمها السياسية.

تنبع أهمية الخلاف الشرعي في تسويغ العلاقات مع إسرائيل من الوزن العظيم للإسلام كمصدر لتجنيد الشرعية السياسية في مجتمعات ذات طابع تقليدي. وإضافة إلى ذلك، تستهدف التبريرات الإسلامية للسلام تلطيف حدة البعد المعرفي الكامن في الانتقال من نزاع طويل السنين مع إسرائيل، والذي يترافق والتوتر الديني، إلى علاقات علنية.

تعرف المحاور الإقليمية المتنافسة نماذج سياسية وفكرية وقيمية مختلفة – التسامح مقابل التزمت… القومية المتطرفة مقابل النزعة العابرة للقوميات… التكيف مقابل النزعة الثورية. أما إسرائيل، فلها مصلحة في تشجيع المحور البراغماتي الداعم للسلام والتطبيع وإضعاف الأفكار الراديكالية الرافضة لها.

وقد وصفت الثمار المنشودة للاتفاق بين إسرائيل والإمارات كـ “مصلحة”، ووجدت مظلة شرعية، ولكنها تعكس تطلعات ملموسة: سياسية، واقتصادية، وغيرها. وكما تحققت هذه الثمار وأحسنت لدول وشعوب المنطقة، هكذا تزداد الشرعية السياسية والدينية للسلام مع إسرائيل وتضعف الحجج المضادة.

وأخيراً، على خلفية الاتفاق، تبرز الفجوة بين مركزية الجوانب الدينية في الخطاب الصادر عن الإمارات مقابل هامشيتها في الخطاب الإسرائيلي. ويجدر بالمحافل الحكومية، المدنية والدينية، في إسرائيل أن تعمل على تعبئة الفراغ واستنفاد الإمكانية الإيجابية الكامنة في البعد الديني للعلاقات.

لقد ذكر الحوض المقدس في القدس صراحة في الاتفاق، وينبغي أن نطور حوله رؤيا شاملة، بالتعاون مع دول السلام (مع التشديد على الأردن)، وبقدر الإمكان مع السلطة الفلسطينية أيضاً.

* أوفير فنتر و يوئيل غوغنسكي باحثان بمعهد دراسات الأمن القومي (الإسرائيلي) بجامعة تل أبيب.

المصدر | نشرة "نظرة عليا" العبرية - معهد دراسات الأمن القومي (الإسرائيلي) بجامعة تل أبيب

  كلمات مفتاحية

رسميا.. إدريس ديبي يفوز بولاية رئاسية سادسة في تشاد