استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حين أغلق ثوار مصر سفارة (إسرائيل)

الجمعة 11 سبتمبر 2015 12:09 م

أكتب هذه السطور ردا على كل من يحاول الطعن فى وطنية الثورة المصرية. كما أهديها تحية وتقديرا لكل ثوار مصر و شبابها، الذين شاركوا فى هذا اليوم العظيم، وأخص منهم الشهداء والمعتقلين.

 ***

 ((ان الذين اقتحموا سفارتنا فى القاهرة هم مجموعة من الرعاع )) «أيهود باراك» ـ وزير الدفاع الصهيونى السابق

***

حلت يوم 9 سبتمبر 2015، الذكرى الرابعة لنجاح الشباب المصرى الثائر فى إغلاق  سفارة العدو الصهيونى بموقعها الحصين فوق كوبرى الجامعة بمحافظة الجيزة.

فتحت (إسرائيل) سفارتها فى مصر بعد توقيع معاهدة السلام فى 1979، واتخذت أول مقر لها فى شارع محيى الدين أبو العز بحى المهندسين، قبل أن تنتقل إلى موقعها الحالى لتحتل الأدوار العليا فى أحد الأبراج المطلة على كوبرى الجامعة، والذى يقع فى شارع متناهى الصغر عرضا وطولا، تحت الكوبرى، لإحكام السيطرة الامنية عليه. ولتتحول المنطقة المحيطة بها الى ثكنة عسكرية، تعج بقوات الأمن والمخبريين السريين، المجهزين بكافة انواع الاسلحة.

وحولوا حياة سكان المنطقة وكل من يقترب منها إلى جحيم، وكأنهم يعيشون فى معسكر للجيش او للامن المركزى، أو فلنقل معسكر اعتقال.

وعلى امتداد سنوات وعقود طويلة، عجزت كل محاولات القوى الوطنية، فى الاقتراب من محيط السفارة بمسيرات أو مظاهرات من أى نوع. بما فيهم طلاب جامعة القاهرة التى لا تبعد عن موقع السفارة، سوى بضعة أمتار، فلقد عجزوا كغيرهم عن الاقتراب من السفارة المقدسة. التى أصبحت أكثر تحصينا ربما من قصور الرئاسة أو من السفارة الامريكية ذاتها.

وحتى فى ذروة فاعليات التعاطف والدعم الشعبى للقضية الفلسطينية، عجزنا عن الاقتراب من هذا الحصن المنيع. وما زلنا نتذكر موجات الغضب الشعبى ضد اعتداءات (إسرائيل) على لبنان فى 1982 ومذبحة صابرا وشاتيلا وحرق المسجد الابراهيمى ومذبحة قانا وانتفاضة الحجارة 1987 وانتفاضة الاقصى 2000  والاعتداءات المتكررة على غزة...الخ، وكيف عجزت جميعها عن تخطى الحواجز الأمنية المنيعة للسفارة.

وكان من المشاهد المتكررة والمستفزة لعموم المصريين و لسكان المنطقة، هو موكب السفير الصهيونى الذى تحمل سيارته لوحة دبلوماسية برقم 114 وهو الكود الدبلوماسى الخاص بسيارات (إسرائيل) فى مصر، وكيف يحيطونه بأسطول من سيارات الحماية الأمنية وكأنه رئيس الجمهورية، أو رئيس لدولة كبرى فى زيارة لمصر.

وحين حفظ الناس هذا الرقم الكودى، أصبح ينتقل فى سيارات تحمل لوحات معدنية عادية، للتمويه والتخفى، لأنه يدرك جيدا أن المصريين لم يستوعبوا أو يقبلوا أبدا وجوده بينهم فى مصر.

***

كان هذا هو الوضع على امتداد 32 عاما، إلى أن قامت الثورة المصرية:

وبعد نجاحها فى إزاحة «مبارك» فى 11 فبراير/شباط 2011، بأسابيع قليلة، وبالتحديد فى 8 أبريل/نيسان 2011، نجحت طلائع من شباب الثورة لأول مرة، فى كسر الحواجز الأمنية للسفارة، والتجمع أمامها وحصارها لساعات طويلة.

كان ذلك ردا على الاعتداءات التى قامت بها (إسرائيل) على غزة فى 8 أبريل/نيسان، وأوقعت 19 شهيدا، فى أول عدوان على الفلسطينيين بعد الثورة المصرية، والذى فهمه كثيرون بأنه بمثابة أول اختبار صهيونى لمصر الثورة، وبمدى التزامها بالمعاهدة وبما تنص عليه من فصل العلاقات الثنائية عن اى اعتداءات اسرائيلية على اى اطراف عربية اخرى. وهو الموقف الذى أكد النظام المصرى التزامه به على الدوام منذ 1978 حتى قبيل الثورة .

وبالفعل نجحت تظاهرات الشباب فى ارغام العدو الصهيونى على ايقاف العدوان على غزة فورا، بعد أن أبلغته الادارة المصرية نظيرتها الاسرائيلية، بأنها لم يعد لها سيطرة على حركة الناس فى الشارع، وانه لن يكون بمقدورها حماية السفارة لو استمر العدوان.

***

وكانت الموقعة الثانية فى أغسطس/آب من نفس العام، حين توجه الآلاف من المصريين لحصار السفارة وانزلوا علمها لأول مرة منذ 1979، ردا على قيام القوات الاسرائيلية بقتل خمسة جنود مصريين على الحدود فى 18 أغسطس 2011، بدون أن يقدموا أى اعتذار، وبدون أى رد فعل من الحكومة المصرية او من المجلس العسكرى.

وقطع عيد الفطر المبارك تظاهراتهم، ليكتشفوا ان الحكومة المصرية، قد استغلت اجازة العيد، لتبنى جدارا عازلا، من الخرسانة المسلحة، حول السفارة لحمايتها من المتظاهرين. فما كان منهم الا أن عادوا بأعداد مضاعفة لحصار السفارة مرة أخرى وفى ملحمة شعبية غير مسبوقة وبأدوات بدائية، استطاعوا فى ساعات قليلة ان يهدموا الجدار العازل، واستطاع بعضهم تسلق المبنى، واقتحام غرفة أرشيف ملحقة بالسفارة، لتنقلب الدنيا، ولتقف اسرائيل والبيت الابيض على قدم وساق، وليصدر الرئيس الامريكى تعليماته للادارة المصرية بالتدخل الفورى لحماية موظفى السفارة الاسرائيليين وانهاء هذا الموقف فورا.

وبالفعل تدخلت القوات، بعد اتصال أوباما، لفض المتظاهرين ولإنهاء الحصار، وسقط فى الفض بعض الشهداء، وتم اعتقال العشرات. وكانت هذه هى المرة الاولى بعد الثورة التى تتجرأ فيها السلطة وتعيد استخدام القوة لضرب المتظاهرين وتفريقهم. وفى اليوم التالى تم اعلان حالة الطوارئ.

ولكن الاهم من كل ذلك، انه منذ تلك اللحظة، اختفى الاسرائيليين من هذا المبنى، وأغلقوا مقر السفارة الذى كبس على انفاسنا اكثر من ثلاثين عاما. والى يومنا هذا، لم يعلنوا بعد عن مقر سفارتهم الجديد. يتردد أحيانا انهم يديرون اعمالهم من السفارة الامريكية، أو من منزل السفير الاسرائيلى، ولكن ليس فى مصر حتى اليوم مقر معلوم للسفارة الاسرائيلية.

لم تكن السفارة، مجرد رمز لوجود العدو الصهيونى فى مصر، بل كانت قبل ذلك وبعده، رمزا لكل النظام الحاكم؛ نظام كامب ديفيد الذى أسسه السادات وثبت دعائمه «حسنى مبارك».

***

كان شباب الثورة المصرية هو الذى فعل ذلك. وهو الذى أرغم (إسرائيل) على الاعتذارعن قتل الجنود المصريين، وليس الدولة المصرية بكل هيلمانها وهيبتها ومؤسساتها.

و لم تكن هذه هى نهاية المطاف، بل واصل عديد من الشباب نضالهم من أجل توظيف ما اتاحته الثورة من حريات وأدوات للتواصل الجماهيرى، فى دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن الفلسطينيين فى مواجهة الاعتداءات الصهيونية فى نوفمبر 2012، وفى توعية الناس بسوءات نظام كامب ديفيد والمعاهدة، وطالبوا بقطع العلاقات وسحب السفراء، ونظموا مئات الزيارات الى غزة عبر معبر رفح بعد ان كانت محرمة ومحظورة عليهم. ونشطت لجان الدعم والإغاثة ونصرة القدس والأقصى. وانطلقت سلاسل من المؤتمرات والمحاضرات فى كل ربوع مصر، فى نقاباتها ومقرات أحزابها الوليدة، بل فى الشوارع والميادين، تحاول احياء الوعى بالمشروع الوطنى فى مواجهة المشروع الامريكى الصهيونى.

 صحيح ان الطريق كان لا يزال طويلا، لكنه لم يعد مسدودا كما كان منذ نهاية حرب 1973. وصحيح أن قطاعات واسعة من القوى السياسية، تجاهلت فلسطين وكامب ديفيد فى خطاباتها وبرامجها السياسية، اما خوفا أو تواطؤً، ولكن أجواء الحرية مكّنت الشباب الوطنى من كسب أرض جديدة كل يوم. لقد كان الوضع  مبشرا.

***

ولقد عبر عديد من القادة الصهاينة عن قلقهم البالغ من هذه الحالة الشعبية، بقولهم إن (إسرائيل) اعتادت دائما أن تتعامل مع القصور العربية، ولكنها لم تعتَد ابدا على التعامل مع الشارع العربى الذى يعاديها ويكرهها ويرفض الخضوع لضغوطها وتهديداتها. وإن الربيع العربى قد جعل من الرأى العام العربى رقما مهما وشريكا فى صناعة القرار العربى.

***

ولكن مع الارتداد عن الثورة وأهدافها، وعودة الاستبداد، وحظر وتجريم المظاهرات والمشاركات الشعبية، ضعفت وتراجعت وخفتت تماما، كل الفاعليات الشعبية المناصرة لفلسطين والمناهضة لاسرائيل ولكامب ديفيد. بل أن أعدادا كبيرة من شباب موقعة السفارة فى سبتمبر/أيلول 2011، أصبحوا اليوم نزلاء فى السجون والمعتقلات.

***

وفى ختام هذه السطور، ينبغي لكل من يردد بغير تفكير أو دراسة أو فهم، ما تروج له أنظمة الحكم العربية، من أن الثورات العربية هى صناعة أمريكية، أن يتوقفوا عن ذلك وأن يراجعوا انفسهم، وأن يعلموا أن النظام الرسمى العربى وكل أنظمته الحاكمة هم الصناعة الأمريكية الحقيقية فى وطننا العربى. فهم الذين أدخلوا الأمريكان إلى بلادنا ليحتلوها وينهبوها ويقسموها ويحاولون إفشال أو اختراق أو إحتواء ثورات شعوبها.

  كلمات مفتاحية

مصر سفارة إسرائيل ثوار مصر ثورة 25 يناير فلسطين إسرائيل الاستبداد