استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تغير القيم في مصر المعاصرة

الأحد 13 سبتمبر 2015 05:09 ص

تطورت القيم في مصر المعاصرة في القرن العشرين وتغيرت. ومسار هذا التطور هو التحول من الضد إلى الضد، والتغير من النقيض إلى النقيض دون تراكم كافٍ في كل قيمة حتى تظهر قيمة أخرى مضافة لا تنقض القيمة السابقة.

والقيمة غير الشعار. فإذا ضعفت القيمة على مستوى السلوك الفردي والجماعي وإذا كانت مفروضة من النظام السياسي فقد تصبح شعاراً، مجرد لفظ يخفي أكثر مما يكشف من الحقيقة.

وتظهر القيمة في سلوك المواطنين. وتصبح على مدى عدة أجيال مكوناً رئيسياً في الثقافة الوطنية وفي الشخصية القومية. وتؤرخ بها المراحل المختلفة للعهود والعصور. ففي الثورة البريطانية، ثورة كرومويل، ظهرت قيمة «الدستور»، وضرورة وجود برلمان منتخب من الشعب للرقابة والمراجعة. وفي الثورة الفرنسية، والثورة الأميركية، ظهرت قيم المواطنة والإنسان بالإضافة إلى الحرية والإخاء والمساواة، المبادئ الثلاثة للثورة الفرنسية التي يرمز إليها العلم مثلث الألوان. وأفرزت الثورة الاشتراكية في روسيا قيم العدالة والطبقة العاملة.

وقد مرت على مصر المعاصرة في القرن العشرين ثلاث تجارب وطنية، كل منها تمثل مرحلة تاريخية صغرى أو عهداً أو عصراً أو حقبة: مصر الليبرالية من ثورة 1919 حتى ثورة يوليو 1952، ومصر الاشتراكية من ثورة يوليو حتى وفاة «عبدالناصر» في 1970 وهي الجمهورية الأولى، ومصر المنهوبة منذ وفاة «عبدالناصر» حتى انهيار الجمهورية الثالثة في 2011. كانت القيمة الرئيسية في المرحلة الأولى الحرية، حرية الفرد وحرية الوطن. وكانت في المرحلة الثانية العدالة الاجتماعية. وفي المرحلة الثالثة نهب مصر.

في مصر الليبرالية كانت الحرية بكل أبعادها هي القيمة: حرية التعبير، حرية الصحافة، الحرية السياسية، التعددية الحزبية، البرلمان، الدستور والنضال المستمر من أجل دستور يعبر عن سلطة الشعب «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة». ونشأت المؤسسات والجمعيات العلمية والجامعة الوطنية الأولى عام 1925 ابنة ثورة 1919. واستمر التخطيط العمراني استئنافاً للطهطاوي في «مناهج الألباب» وعلي مبارك في «الخطط». وفيها نشأت الحركة الوطنية المصرية التي بلغت ذروتها في الأربعينيات في العمل من أجل الاستقلال وضد الاستعمار. وفيها نشأت بدايات الفكر الاشتراكي. ولما كانت الحرية تحرراً، نضالًا وليست هبة، وكانت أحزاب الأقلية تتعاون مع الاستعمار، ولم يستمر حكم «الوفد» إلا على فترات متقطعة، لم يخل الأمر من الاحتقان السياسي وممارسات القمع. ومع ذلك ما زالت مصر تحن إليها نظراً لقيمة الحرية التي ضاعت وانقلبت إلى نقيضها.

وفي مصر الاشتراكية تصدرت قيمة العدالة الاجتماعية كرد فعل على الإقطاع ومجتمع «النصف في المئة» وكبار الملاك الزراعيين. وتجلت في الإصلاح الزراعي وتحديد سلم للأجور، وإعطاء حقوق العمال. وبدأت مشاريع التصنيع والتخطيط الاقتصادي من أجل زيادة الإنتاج. وأقيم مشروع السد العالي. واستمرت النهضة التعليمية. وشهدت مصر نهضة ثقافية وفنية وأدبية للجميع. وبرزت قيمة العمل. وظهرت قيم الوحدة والتضامن العربي. وتحولت القومية العربية إلى نظرية في السياسة الدولية. وقد أضافت القيمة الجديدة على القيمة القديمة الحرية بعداً جديداً لها في الحرية الاجتماعية. فلا حرية للجائع والفقير. وعلى رغم شكوى المثقفين وبعض التيارات السياسية المعارضة من أزمة الحريات إلا أن المعارضة السياسية كانت داخل الحزب الواحد. ومع ذلك لم تسلم هذه التجربة الثانية من ظهور الطبقة الجديدة من التكنوقراط وضباط الجيش والرأسمالية الممثلة في قطاعي المقاولات وتجارة الجملة، وبداية الإثراء على حساب الثورة، والحديث عن «القطط السمان»، وتجريح التجربة الأولى ونسيان مميزاتها. ثم جاءت هزيمة 1967 كبداية للنهاية قبل أن تنتهي بعدها بثلاث سنوات.

ثم أتت التجربة الثالثة، مصر المنهوبة. ولفظ «نهب» متداول في الاقتصاد السياسي مثل «نهب العالم الثالث». وبدأ التجريح في التجربة الثانية للتخلص منها كما تخلصت التجربة الثانية من التجربة الأولى. وأخذت أسوأ ما في التجربتين، وليس أفضل ما فيهما. استمر القهر والمنع. وامتلأت السجون بعشرات الآلاف من المعتقلين باسم قوانين الطوارئ وحماية الوحدة الوطنية والأمن والسلام الاجتماعي.

وزورت الانتخابات لحساب الحزب الحاكم الأوحد الذي سيطر على جميع مظاهر الحياة السياسية في البلاد. وفي الاقتصاد تم التحول كلية من اشتراكية الدولة إلى رأسمالية الفرد.

وخصخص القطاع العام، وبيعت شركاته بأرخص الأسعار. ورفع الدعم عن المواد الغذائية. وخضع الإسكان لقانون العرض والطلب. واحتكرت تجارة الحديد والإسمنت. وغابت الرقابة على الأسعار. وعمت الكوارث: غرق العبّارات، انهيار العمارات، احتراق القطارات، اشتعال الحرائق نظراً لغياب رقابة الدولة. وبدأ التحلل ينخر في مصر وتحويلها إلى مجموعات مصالح متضاربة. وانتهى الولاء الوطني والانتماء القومي.

إن الوعي التاريخي بتحول القيم في مصر المعاصرة في القرن العشرين هو أساس الوعي السياسي. فلا يوجد عصر إلا وله قيمة غالبة، الحرية أو العدالة. أما النهب والسلب والفساد وتهريب الأموال فهو نذير بخراب العمران.

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة - جامعة القاهرة.

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي القيم عبدالناصر الوعي السياسي الحرية العدالة الظلم