هل تتبع دول الخليج استراتيجية بريتيش بتروليوم بعد التوقعات النفطية المتشائمة؟

السبت 26 سبتمبر 2020 11:25 م

دائمًا ما يتم انتظار التوقعات السنوية للطاقة لشركة "بريتش بتروليوم"، حيث إنها توفر نظرة تفصيلية للمستقبل من قبل مؤسسة لها حصة كبيرة في اللعبة.

ولكن، كانت نسخة هذا العام، التي صدرت في 14 سبتمبر/أيلول، مثيرة للاهتمام بشكل خاص لتقييم تأثير جائحة فيروس "كورونا"، بينما لم تقدم الرسائل المضمنة فيها قراءة مريحة لمنتجي النفط في الخليج.

سيناريوهات نفطية قاتمة

ركزت الخطوط الرئيسية على سيناريوهات شركة "بريتيش بتروليوم" التي توضح أن الذروة الكبرى للطلب على النفط قد ولّت وأصبحت من الماضي، وذكرت في سيناريو عودة الأشياء إلى طبيعتها، أن الطلب سيتعافى قليلاً من الوباء بحلول عام 2025 ولكنه سيتراجع ببطء بعد ذلك.

وإذا حدث سيناريو التحول السريع في الطاقة بسبب المخاوف المناخية وظهور التقنيات غير النفطية، فإن الطلب على النفط بحوالي 100 مليون برميل يوميًا في عام 2019 سينخفض ​​إلى 89 مليون برميل في اليوم في عام 2030 و 47 مليون برميل في اليوم فقط بحلول عام 2050.

أما التوقعات المستقبلية بالنسبة للغاز الطبيعي، فهي واعدة أكثر في ظل سيناريو عودة الأمور لطبيعتها. ولكن في سيناريو التحول السريع، فمن المتوقع أيضًا أن ينخفض ​​الطلب على الغاز بعد عام 2035.

يكتسب هذا التحليل بعض الأهمية بسبب توافقه مع الاستراتيجية الجديدة للشركة الجديدة، فبحلول عام 2030؛ ستخفض ​​الشركة إنتاج النفط والغاز بنسبة 40%، بينما سترتفع قدرة الطاقة المتجددة للشركة من 2.5 جيجاوات إلى 50 جيجاوات.

انعكاس لتحول عالمي

ولا تعتبر خطط "بريتيش بتروليوم" فريدة من نوعها، على الرغم من أن الشركة ربما كانت أكثر جرأة في الحديث عنها، حيث تعود فكرة "شركة الطاقة المتكاملة" إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كنموذج يمكنه التوفيق بين الأهمية المستمرة للهيدروكربونات مع صعود الطاقات الجديدة وتشديد السياسة المناخية حول العالم.

وأعلنت جميع شركات النفط الأوروبية الكبرى عن خطط مختلفة لتحقيق "صافي الصفر" في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050.

أصبحت شركة "شل" أيضًا في طور التحول العميق، وتتطلع إلى خفض التكاليف بنسبة 40% وتركيز إنتاجها من النفط والغاز على عدد قليل من المناطق الرئيسية.

وتستثمر شركات "شل" و"بريتيش بتروليوم" و"توتال" و"إكوينور" و"إيني" في مزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات ومحطات الشحن الكهربائي.

وتعتمد صلاحية هذه الرؤى على 3 ركائز أساسية، الأولى هي القدرة التنافسية المتزايدة للطاقة منخفضة الكربون، حيث تعتبر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أرخص أشكال الكهرباء الجديدة في العديد من المناطق، وتنخفض تكاليف البطاريات، بينما تقترب السيارات الكهربائية من التكافؤ في التكلفة.

من المحتمل أيضًا أن يتوفر "الهيدروجين الأخضر"، منخفض التكلفة والمصنوع باستخدام الطاقة المتجددة، في وقت أقرب مما يتوقعه الكثيرون.

ثانياً، هناك سياسة مناخية أكثر صرامة حول العالم، حيث يواصل الاتحاد الأوروبي تشديد أهدافه المتعلقة بالانبعاثات وتقديم خطط لإزالة الكربون من العديد من القطاعات بما في ذلك قطاع الكهرباء.

ويعتمد موقف الولايات المتحدة بشكل حاسم على الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، بينما اتبعت دول متقدمة أخرى، مثل أستراليا وكندا واليابان، سياسات فاترة أو غير متسقة.

وتعتبر معظم الدول مقصرة في الوفاء بتعهداتها بموجب اتفاق باريس بشأن معالجة تغير المناخ. وسيتوقف نجاح العمل العالمي على الاتجاهات التي تختارها الصين والهند، باعتبارها اقتصادات عملاقة سريعة النمو، وتعتمد حتى الآن على الفحم.

ثالثًا، قدرة شركات النفط الكبرى على المنافسة في هذا العالم الجديد، مع العلم أن تقنيات التقاط الهيدروجين والكربون وتخزينه تتناسب بشكل واضح مع مهاراتهم الهيدروكربونية الأساسية، كما يمكن لقطاع الرياح البحرية أن يستفيد من الخبرة الهندسية، كما هو الحال مع تكنولوجيا الرياح العائمة من "إكوينور".

ولكن، تحقيق عوائد مقبولة على الاستثمار في أعمال البيع بالتجزئة في مجال الطاقة الشمسية والكهرباء شديدة التنافسية، سيتطلب نماذج مختلفة تمامًا.

وعلى مدار العقد الماضي، كانت جهود الشركات العملاقة لخفض الكربون تجريبية إلى حد كبير وبالتالي فقد تراجعت عن الركب.

وتمتلك شركة "إيبردرولا" الإسبانية، التي تعد إحدى أكبر شركات الطاقة المتجددة، قيمة أكبر من شركة "بريتيش بتروليوم"، ويعتقد "برنارد لوني"، الرئيس التنفيذي لشركة "بريتيش بتروليوم"، أن المهارات التجارية لشركته يمكن أن تضيف نقطة إلى نقطتين إلى المعدل الداخلي الأساسي المتراوح بين 5% إلى 6% من العائد من المشاريع المتجددة.

توقعات مغايرة

كما أن نظرة "بريتيش بتروليوم" بخصوص النفط ليست عالمية، ففي عام 2019، كانت شركة "إكسون موبيل" لا تزال تتوقع ارتفاع الطلب على النفط حتى عام 2040.

وفي العام الماضي أيضًا توقعت شركة "فيتول" أن يكون عام 2034 هو الذروة. وفي منتصف سبتمبر/أيلول، قال الرئيس التنفيذي "راسل هاردي" إن مستوى ذروة الطلب قد ينخفض ​​عند أخذ الوباء في الاعتبار، لكنه لا يزال يرى الذروة مستقبلًا، حوالي عام 2030.

حتى انخفاض الطلب الذي توقعته "بريتيش بتروليوم"، والبالغ 0.4% سنويًا في سيناريو عودة الأشياء لطبيعتها و 2.2% في حالة التحول السريع، يتطلب مزيدًا من الاستثمار في الإمدادات الجديدة، نظرًا لأن انخفاض الحقول الطبيعية يبلغ حوالي 5% سنويًا أو أكثر.

خيارات دول الخليج

ويثير ذلك سؤالين رئيسيين لدول الخليج المصدرة للنفط؛ أولاً، كيف ينبغي أن يفكروا في احتمالية بلوغ ذروة الطلب على النفط، أو على الأقل تباطؤ كبير في نمو الطلب وانتعاش بطيء من الوباء؟

ولا يزال من المقرر تخفيض إنتاج "أوبك" ليصل إلى 5.8 مليون برميل في اليوم حتى أبريل/نيسان 2022 ومن المرجح أن يتم تمديد هذه التخفيضات إلى ما بعد ذلك لتجنب انهيار الأسعار.

وفي الوقت نفسه، تخطط كل من الإمارات والسعودية والعراق لتحقيق مكاسب كبيرة.

في نهاية المطاف، ولتجنب ترك جزء كبير من احتياطياتها؛ سيتعين على "أوبك" الانتقال إلى استراتيجية إنتاج أعلى وأسعار أقل لمنع المنافسين ذوي التكلفة العالية مثل النفط الصخري الأمريكي والرمال النفطية الكندية من التسبب في ركود أو انكماش السوق.

ولكن، كما يلاحظ "بسام فتوح" من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، فإن العديد من أعضاء "أوبك" لم يتمكنوا من التعامل اقتصاديًا مع انخفاض الإيرادات.

ثانيًا، كيف ينبغي لدول الخليج المصدرة للنفط أن تتعامل مع الطاقة منخفضة الكربون؟ على عكس شركة "بريتيش بتروليوم"، فإن مبرر وجود "أرامكو" السعودية و"قطر للبترول" وشركة" بترول أبوظبي الوطنية" ووزارة النفط العراقية هو أن يكونوا رعاة للثروة الهيدروكربونية الوطنية.

ومع ذلك، يتعين عليهم الآن رسم مسار متوافق مع عالم خالٍ من الكربون في منتصف القرن تقريبًا. قد يبدو هذا بعيدًا، لكن حقول النفط أو المصافي المطورة اليوم ستظل تعمل في ذلك الوقت.

أنشأت دول الخليج العربية بعض المشاريع منخفضة الكربون مثل "مصدر" في أبوظبي أو مدينة "نيوم" المخطط لها في السعودية.

لكن شركات النفط الوطنية الرائدة بحاجة إلى الاستفادة القصوى من الهيدروكربونات، وقد راهنوا حتى الآن على ارتفاع الطلب الآسيوي، والتحول إلى الغاز الطبيعي والبتروكيماويات.

لكن الغاز، على الرغم من كونه أنظف بكثير من الفحم، ليس خاليًا من الكربون، كما تواجه طاقة الغاز منافسة متزايدة من مصادر الطاقة المتجددة الرخيصة للغاية، في الأسواق المحلية والإقليمية، وهكذا فمن غير المرجح استمرار النمو القوي لاستهلاك الغاز في الشرق الأوسط نفسه.

يمكن لدول الخليج أن تتحول إلى إنتاج "الهيدروجين الأزرق" من الغاز الطبيعي، مع التقاط الكربون وتخزينه، باستخدام الجيولوجيا الاستثنائية لديهم للتخلص من ثاني أكسيد الكربون بأمان، لكن نقل الهيدروجين مكلف، ومن المحتمل ألا يشبه أعمال النفط أو الغاز الطبيعي المسال.

هناك خيار آخر يتمثل في أن تصبح هذه الدول المركز العالمي لالتقاط الهواء المباشر، أيّ تنقية الغلاف الجوي من أكثر من قرن من تراكم ثاني أكسيد الكربون.

وتعني استراتيجيات "الصفر الصافي" لشركات النفط الأوروبية أن طرفًا ما سيشتري الكثير من مُوازِنات الكربون بحلول عام 2050.

لكن أيا من هذه الأساليب لا يعد باستمرار الريع النفطي الهائل الذي تمتعت به دول الخليج منذ أوائل السبعينيات.

وتعتبر دول الخليج في حالة من الانكماش في الوقت الحالي، وهي بحاجة إلى إظهار بعض الجرأة مثل استراتيجية "بريتيش بتروليوم" الجديدة في القريب العاجل.

ففي أسوأ الأحوال، سيؤدي فشل شركة "بريتيش بتروليوم" إلى إلحاق الضرر بمساهميها؛ أما بالنسبة لدول الخليج، فإن مستقبلها على المحك.

المصدر | روبن ميلز/ معهد دول الخليج بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا بريتيش بتروليوم خفض الاعتماد على النفط

تراجع جماعي لمعظم بورصات الخليج بعد انخفاض أسعار النفط