مهندس تونسي يغادر مكاتب الحكومة ليمتهن بيع العنب

الأحد 27 سبتمبر 2020 04:59 م

"إذا ما طمحتُ إلى غاية، ركبتُ المنى ونسيت الحذر"..

مقولة للشاعر التونسي "أبوالقاسم الشابي" تنطبق على المهندس الشاب "محمد الطرابلسي" الذي غادر عالم المحاسبة وإدارة المؤسسات بعد عمل طويل بين مكاتب رئاسة الحكومة والإدارة العامة لمراقبة المصاريف العمومية، ليفتح مشروعه الخاص في زراعة العنب بمدينة تستور في الشمال الغربي لتونس، وهو الحاصل على شهادة الماجستير في الهندسة المالية وتمويل المؤسسات من المعهد العالي للمحاسبة وإدارة المؤسسات.

يقول محمد لـ"سبوتنيك": إن العمل في الوظيفة العمومية حلم الكثيرين من شباب تونس بالنظر إلى ما يوفّره من استقرار مادي واجتماعي، لكنه لم يكن أبدا حلمه، وتابع: "لم أحب فكرة أن أذهب إلى العمل لمجرد الحصول على راتب نهاية كل شهر، كنت أبحث عن مجال يجعلني أبدع وأحقق ما أصبو إليه".

وأضاف: "قررت أن أترك وظيفتي داخل رئاسة الحكومة وأن ألتحق بالعمل كمستشار لدى منظمة دولية وأتفرغ لفتح مشروعي الفلاحي الخاص وهو زراعة العنب في مسقط رأسي تستور مستغلا الأرض التي ورثتها عن أبي".

ونجح "الطرابلس" فعلا في بعث مشروعه الزراعي، وتمكن رفقة أخويه من تحويل مساحات زراعية مقفرة إلى حقول مثمرة من أشجار العنب والخوخ والرمان وأنواع مختلفة من الخضراوات والغلال.

وقال "محمد": إن "العنب هو المشروع الأكبر في حقله الزراعي من حيث امتداد المساحات الزراعية ومن حيث المصاريف التي أنفقها عليه مقارنة ببقية المنتوجات".

وبين أن "اختياره لهذا المنتج كان بمثابة التحدي، حيث إن منطقته تستور لم تكن معروفة بزراعة العنب الذي تشتهر به عادة مناطق الوطن القبلي بالشمال الشرقي".

وأضاف أن "اختياره كان ناجما عن دراسات معمقة لنوعية التربية، مؤكدا أن نجاح هذه التجربة قادت العديد من الفلاحين إلى التفكير في زراعة العنب في حقولهم".

وعلى عكس بقية المزارعين والفلاحين، لم تمنع جائحة "كورونا" والحجر الصحي العام الذي فرضته السلطات التونسية في شهر أبريل/نيسان المنقضي المهندس التونسي الشاب من مواصلة نشاطه، حيث ابتكر طريقة لإنقاذ تجارته من الكساد، وهي التوريج لمنتوجه وبيعه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح أن "اختياره هذه الوسيلة الإلكترونية انطلق من حاجة المواطنين إلى الحصول على حاجياتهم دون الذهاب إلى الأسواق التي يكثر فيها الاحتكاك والاكتظاظ وتزداد فيها إمكانية انتقال عدوى كورونا"، قائلا: "كان الحل هو التقليص قدر الإمكان من الوسطاء".

وأضاف أن "الدافع الثاني الذي جعله يختار الفيسبوك كوسيلة لبيع مزروعاته، هو محاربة لوبيات التوزيع الذين يسيطرون على السوق ويستغلون المستهلك عبر عرض بضاعتهم بأسعار عالية".

وأوضح: "يقتني الوسطاء العنب من المزارعين بأثمان زهيدة تصل إلى دينار واحد للكيلوجرام الواحد ثم يبيعونها للمستهلك ضعف الثمن الأصلي بثلاث مرات  أو أكثر".

مساعدة "فيسبوك"

وأردف: "ساعدنا فيسبوك على الوصول إلى المستهلك دون الحاجة إلى وسيط، فنحن نعرض عليه خدمة التوصيل المنزلي بأسعار تفاضلية تقترب من السعر الأصلي الذي يبيع به المزارع منتجاته، ثم إننا نحرص على تقديم منتجات ذات جودة عالية وخالية من المنتجات الكيميائية".

ويؤكد "محمد" أن هذا المشروع لاقى نجاحا باهرا، قائلا: "تصلنا يوميا تعاليق إيجابية من الناس الذين أعربوا عن إعجابهم بخدماتنا، حتى إننا لم نعد قادرين على الاستجابة لكل الطلبات".

ويتابع "الطرابلسي" أنه "يعمل حاليا على توسيع نطاق خدمة الإيصال التي تقتصر حاليا على محافظة باجة ومحافظات تونس الكبرى الأربعة (منوبة، بن عروس، تونس العاصمة، أريانة)".

وأشار إلى أن "الطلب المستمر على العنب وبقية الغلال جعله يفكر في التعاقد مع شركة توصيل خاصة حتى يضمن تلبية جميع طلبات حرفائه في مختلف ربوع الجمهورية التونسية".

ويسعى "الطرابلسي" حاليا إلى توسيع مشروعه الزراعي والعمل على تصدير منتجاته إلى الأسواق الخارجية، مبينا: "نتعامل اليوم مع 3 حرفاء من ليبيا وقطر وروسيا، وسنعمل قريبا على الحصول على رخصة لبيع العنب خارج حدود تونس".

وإلى جانب بيع العنب والغلال الأخرى، يتطلع محدثنا إلى توسيع وجهات مشروعه، عبر تحويل الغلال إلى معجون وعصائر، فضلا عن إضفاء الطابع السياحي على مزرعته، من خلال تحويل جزء منها إلى منتجع سياحي يستضيف الراغبين في الابتعاد عن ضجيج المدن والاستلقاء في أحضان الطبيعة.

يقول "الطرابلسي": "إن هذا النجاح كان ثمرة لصبر طويل وعزيمة قوية وإيمان راسخ بقدرته على النجاح إذ لا يخفي المتحدث تعرضه لصعوبات عديدة منها التراخي الكبير الذي وجده من وزارة الفلاحة وعدم تعاون منظوريها مع مشروعه رغم توفيره لجميع الوثائق المطلوبة".

وأشار إلى أن "تعامل الوزارة الروتيني والبيروقراطي عامل من العوامل المنفرة للمستثمرين، خاصة أن المجال الفلاحي لا يوفر مداخيل قارة ومضمونة للفلاح الذي ترتبط مرابيحه بمواسم الجني".

وشجع الشباب على الاستثمار في مجال الزراعة الذي أصبح مقتصرا على المزارعين التقليدية وكبار السن، قائلا: إن "ميزة الشباب هي امتلاكهم للصبر والعزيمة وقدرتهم على تعصير القطاع وإدخال التكنولوجيات الحديثة التي تزيد من مردودية الإنتاج"، مضيفا أن "الزراعة قطاع مربح لمن يمارسها بحب وصبر ونظام".

المصدر | سبوتنيك

  كلمات مفتاحية

عنب