شهادات مرعبة تنبعث من مقابر ترهونة الجماعية.. ماذا فعل حفتر بالليبيين؟

الخميس 1 أكتوبر 2020 04:51 ص

كشف تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" عن فصول جديدة ومرعبة للفظائع التي ارتكبتها ميليشيا اللواء الليبي المتقاعد "خليفة حفتر" في مدينة ترهونة، الواقعة على بعد نحو 90 كم جنوب شرق العاصمة طرابلس.

وقال التقرير، الذي كتبه "دانيال هيلتون"، إن سلطات حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، عثرت على حوالي 80 جثة استخرجت من مقابر جماعية منها 56 جثة عثر عليها في مزرعة "عائلة حرودة" وحدها.

ويعتقد المسؤولون بوجود عدد أكبر من الجثث التي دفنت في حقول وبساتين ترهونة.

ونقل التقرير عن عمدة ترهونة "محمد علي القشير" قوله: "لدينا الكثير لحفره ولم يتم حفر سوى 20% من هذه المنطقة".

وأضاف: "لقد قتل ناس من كل قطاعات المجتمع ودفنوا هنا بمن فيهم طفل في سن العاشرة، ونعثر على جثث جديدة كل يوم، وتم دفن شخص بسيارته ويداه مقيدتان إلى عجلة القيادة".

ويبحث فريق الطب الشرعي عن تغيرات كيمائية في التربة أو تلال من التراب أو رائحة تنبعث من التراب كأدلة على وجود جثث موجودة.

وفي مقبرتين استخرجت منهما جثث تحجر الدم مع جثة الضحية المتحللة، ويقوم الفريق بنخل التربة بحثا عن عظام أو كتل من الشعر فيما تنبعث الرائحة الكريهة.

وقال "دانيال": "لقد حول خليفة حفتر ترهونة -التي اهتم بها المستعمرون الإيطاليون نظرا لخصوبة أرضها، ومنحها معمر القذافي الاهتمام- إلى قاعدة عسكرية لأكثر من 14 شهرا وذلك أثناء الحملة العسكرية التي شنها للسيطرة على العاصمة طرابلس".

وقتل مئات المدنيين في القتال حول العاصمة في الفترة ما بين أبريل/نيسان 2019 ويونيو/حزيران 2020، ولكن السكان في ترهونة كانوا يختفون لمجرد شبهة عدم ولائهم لـ"حفتر".

وعندما سيطرت حكومة الوفاق الوطني على ترهونة في 5 يونيو/حزيران الماضي، اكتشفت قواتها 106 جثث وضعت في مشرحة المستشفى المحلي، واكتشفت الحكومة سريعا أن البلدة فيها عدد من المقابر الجماعية.

وتعدّ "مزرعة حرودة" الأكبر من بين 8 مقابر جماعية، فيما تعتقد فرق التفتيش أن العدد قد يرتفع إلى 12 مقبرة.

ويقول "القشير"، الذي عينته حكومة الوفاق لتسيير أعمال البلدية، إن عملية البحث عن الجثث في كل المواقع قد تستغرق عاما، في ظل عدم توفر المعدات الكافية والجيدة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جويتريش" قد عبر عن صدمته من المقابر الجماعية المكتشفة في ترهونة وطالب بـ"تحقيق شفاف" لكن لم يصل بعد أي دعم من المنظمة الدولية لحكومة الوفاق لمساعدتها على هذا التحقيق.

وظلت ترهونة ولمدة 5 أعوام تحت سيطرة عائلة "الكاني" أو ما تعرف بالكتيبة 7، والتي شكت بولاء أهالي ترهونة لـ"حفتر"، فقامت بحملة قمع تركت تداعيات كارثية على أهل البلدة.

وزاد النزاع والرهاب من الميول الإجرامية لتلك العائلة، وأصبح قمع أي معارضة، سواء كانت حقيقية أم متخيلة أمرا يوميا، واختفت بسببه عائلات بأكملها.

ولا تزال أثار القتل حاضرة في كل بيت ومزرعة بالمدينة، ففي موقع بناء لم يتم التحقيق به بعد، هناك ثلاجة يظهر الدم الجاف على جدرانها الداخلية، وفي مكان آخر، اصطدمت سيارة مليئة بثقوب الرصاص بأشجار، وما تبقى من ركابها سوى حذاءين كعب عال وعقدة من الشعر.

وتعج ترهونة اليوم بحركة السير بعدما ظلت متوقفة بسبب حواجز التفتيش التي أقامتها عائلة "الكاني" وميليشيات "حفتر" التي كانت تقوم بجر الناس الذين يعتبرون مخالفين من سياراتهم ليختفوا بدون أثر.

ويكشف التقرير عن طريق معروف في ترهونة بـ"مثلث الموت"، قائلا إنه كان أحد أبرز الأماكن المفضلة من قوات "حفتر" لتنفيذ عمليات الإعدام ليشهدها الجيران من الجهات الثلاث.

ويقول "هيلتون"إن قصص الرعب التي يتحدث بها سكان ترهونة غامرة، ويكشف أي حوار عادي مع السكان عن اختفاء إخوة، أقارب أو أعمام، وهناك مئات من الأطفال أضحوا أيتاما.

ويضيف: "هناك شعور واضح بالراحة من خروج قوات حفتر وذهاب عائلة الكاني، لكن الشك المنتشر بين أهل ترهونة أنفسهم ومؤسسات الدولة واسع".

وبحسب الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين في طرابلس، فعدد المختفين الذين تم الإبلاغ عنهم في ترهونة هو 270 شخصا، لكن الدكتور "محمد الزليطني"، مدير التعاون الدولي في المؤسسة، يقدر بأن هناك 150 حالة لم يتم الإبلاغ عنها؛ خوفا من الانتقام الذي لا يزال يحوم فوق البلدة.

ورغم هروب عائلة "الكاني"، لكن شرهم لا يزال في ترهونة، يقول التقرير، حيث اشتكى السكان من تلقيهم مكالمات هاتفية من الإخوة "كاني"، تهددهم بالانتقام لو كشفوا عن جرائمهم، ووعدوا بالعودة من المناطق التي يسيطر عليها "حفتر".

وينقل الموقع وقائع لحادثة مؤلمة من الاختفاء القسري والقتل مارستها عائلة "الكاني" بحق أشقاء وصديق مقرب من شاب يدعى "أحمد سعيد عبدالحفيظ".

ويقول "عبدالحفيظ" إنه عندما تلقى مكالمة قصيرة من شقيقه، قال فيها إن سيارته قد أوقفت، وإنه مع عائلة "الكاني" "فقد توقعت الأسوأ، خاصة أن الاختفاء القسري كان في تزايد مستمر".

وليست هذه المرة التي يواجه فيها "عبدالحفيظ" (39 عاما) عائلة "الكاني"، فقد حاولت ابتزازه بالماضي، وأجبرته على شراء جمال بسعر زهيد. واعتقد هذه المرة أن المال سيخلص شقيقه.

وبعد المكالمة، قام بجمع أشقائه في بيت العائلة، وطلب منهم جمع ما يستطيعون من المال للفدية، ولكن بعد عودته إلى بيته منتظرا الأخبار، علم في اليوم الثاني أن عائلة "الكاني" اعتقلت بقية إخوته.

ويقول: "لقد خسرت 5 إخوة على يد عائلة الكاني، إلى جانب صديق كان لي مثل الأخ"، وأضاف: "لا يوجد أي سبب لاعتقالهم، فنحن تجار لسنا تنظيم قاعدة ولا إخوان مسلمين".

وبعد هروب "الكاني"، أسرع "عبدالحفيظ" إلى بيت العائلة، ليكتشف أن إخوته اختفوا، ولم يعثر عليهم بعد فتح السجن.

وحولت عائلة "الكاني" مركز فحص زراعي إلى سجن، وعندما سيطرت حكومة الوفاق على المركز، لم تجد إلا رجلا حشر في فرن كان حيا، ولكن في حالة سيئة، ورفض الخروج؛ لخوفه من أن تكون هذه حيلة من عائلة "الكاني".

ويقول "علي سعيد أبوزويد"، الذي اعتقل في واحدة من زنازين السجن لمدة 45 يوما لم يتكلم فيها ولا كلمة مع المعتقلين الذين كانوا على يمنيه ويساره: "بقينا صامتين طوال الوقت؛ خوفا من الحديث مع بعضنا البعض".

ولا يعرف "أبوزويد" سبب اعتقاله، رغم شكه بأن السبب كان قتاله ضد تنظيم "الدولة" في سرت، وخسر 30 كيلوجراما من وزنه، ويقول: "عندما كانوا (عائلة الكاني) يأخذون شخصا للتحقيق معه كنا نسمع صوت إطلاق النار".

وأضاف: "كان السجناء يذهبون ويعودون، وأحيانا لا يرجعون".

كما استخدمت عائلة "الكاني" مركزا أمنيا كسجن، وتم الكشف عن أحذية أطفال منتشرة على أرضية الفرع.

ومثل المركز الزراعي، فمعظم الذين اعتقلوا في المركز لا يزالون من المفقودين.

وما بقي من عائلة "الكاني" هي سوط كان يستخدم لضرب المعتقلين، وصورة جدارية لـ"محسن الكاني".

وبالنسبة للسيدة "غزالة علي ونيس"، التي رأت عائلة "الكاني" وهي تختطف 7 من أولادها، فهي تكافح الآن لإعالة 40 من أحفادها.

وقالت "ونيس": "أكبر رجل بقي عمره 13 عاما"، مضيفة: "لا أريد مالا أو طعاما، ولكن أولادي، أعطوني واحدا منهم"، وتقول: "علي عمل كل شيء بنفسي، وتوفير كل شيء لأحفادي وأمهاتهم".

ويخشى الناس بعد هروب عائلة "الكاني" من الإبلاغ عن المفقودين؛ لأن بعض الذين تعاونوا مع العائلة لا يزالون يعملون في البلدية.

وأصبح منظر المسلح مثار خوف لأطفال "طارق على الجاد الله"، الذي أطلق النار عليه وهو في الشارع أمام ابنه، وفي اليوم التالي، قامت عائلة "الكاني" باعتقال 10 من أفراد العائلة، وحينها قال أحد الموالين لـ"القذافي"، ومن قادوا عملية الاختطاف، واسمه "صبري الغرب": "لا تتركوا رجلا".

وقالت "رابية الجاد الله": "خسرت زوجي و4 إخوة وعم واحد و4 من أولاد عمي"، وقالت فتاة صغيرة كانت تجلس خلفها: "لقد أطلقوا النار على أخي"، وقالت أخرى: "والدي مفقود".

وكشف التقرير أيضا عن قتل قوات الوفاق أسودا كان يحتفظ بها "محسن الكاني" في بيته، ويطعمها من لحم ضحاياه، كما قيل.

ولا تزال عائلة "الكاني" والموالين لها، يبلغ عددهم 15 ألف شخص، في ضيافة "حفتر"، في شرقي ليبيا، وهناك من رفض وجودهم في بنغازي؛ لأنهم عبء.

ورغم كل هذا، يقول التقرير، إن "حفتر" ورعاته الإماراتيين ووسائل إعلامية تابعة لهم، تعتبر أن عائلة "الكاني" جزءا مما يسمونه "الجيش الوطني الليبي".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مقابر ترهونة ترهونة مقابر جماعية جرائم حفتر

العملية السياسية بليبيا على طاولة محادثات أمريكية فرنسية

بعد انسحاب حفتر.. العثور على مقابر جماعية جديدة بترهونة

انتشال 3 جثث بعد اكتشاف مقبرتين جديدتين في ترهونة الليبية