لهذا السبب يتردد السودان في التطبيع رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة

الجمعة 2 أكتوبر 2020 01:08 م

 يتعرض السودان لضغوط من واشنطن وأبوظبي لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) مقابل الخروج من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب التي أعاقت قدرة الخرطوم على جذب الاستثمارات التي تحتاجها بشدة.

شجب العديد من المراقبين نهج واشنطن وأكدوا أنه يعرقل العملية الانتقالية الحالية في السودان. علاوة على ذلك، يشير المنتقدون إلى أن "ترامب" يعرّض مستقبل السودان للخطر من أجل تحقيق مكاسب انتخابية قصيرة المدى، حيث يسعى إلى تقديم الاندفاع المفاجئ للتطبيع العربي مع (إسرائيل) باعتباره إنجازًا تاريخيًا لم يكن من الممكن تحقيقه إلا من خلال إدارته.

ومع ذلك، فإن الواقع هو أن التركيز على "ترامب" قد أنتج رواية مبسطة حيث يُنظر إلى الولايات المتحدة الآن على أنها عائق أمام الانتقال الديمقراطي في السودان بدلاً من ميسر التغيير الذي يعتقد المسؤولون الأمريكيون والكونجرس على جانبي الممر أنه كن الحقيقة الفعلية للأمر.

هناك 3 روايات متضاربة حول ما يحدث في السودان ينطوي كل منها على تحديات وآثار مختلفة على السياسة الدولية تجاه التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في السودان.

الرواية الأولى هي أن "عمر البشير" أسقطته موجة جديدة من الربيع العربي وأن السودان يمر الآن ببدايات انتقال ديمقراطي. في هذا السياق، يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها عقبة أمام الديمقراطية من خلال فرض شروط صعبة على الخرطوم مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل (وهو شرط لم تجبر الولايات المتحدة حلفاء آخرين مثل السعودية وقطر على القيام به).

والرواية الثانية هي أن "عمر البشير" سقط بانقلاب دبرته الإمارات والسعودية بالتنسيق مع رئيس المخابرات "صلاح قوش". وفي هذا السياق يُنظر إلى الإمارات باعتبارها صاحبة النفوذ الذي أوصل الحكومة الحالية في الخرطوم، لذلك تعمل الآن كوسيط بين السودان و(إسرائيل) والسودان وواشنطن.

والرواية الثالثة هي السائدة بين المسؤولين في واشنطن في كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهي أن "البشير" أُسقط بضغوط أمريكية في شكل عقوبات بعد إدراجه في قائمة الدول الراعية للإرهاب.

ترى واشنطن نفسها على أنها مهندسة التغييرات التي تحدث في الخرطوم، وبالتالي تعتقد أنه يحق لها إملاء شروط "استسلام" السودان لإعادة إدماجه في المجتمع الدولي. في هذه الحالة، يريد "ترامب" تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) بينما يصر الكونجرس على أن الشروط يجب أن تكون دفع تعويض للولايات المتحدة كإقرار بأنها دولة راعية للإرهاب.

وواقع الأمر هي أن الحقيقة تكمن في مزيج من الروايات الثلاث أكثر من أي نهج واحد مبسط لمشهد السودان المعقد. ومع ذلك، فإن ما يهم ليس الرواية الصحيحة، ولكن حقيقة أن الأحداث السودانية لم تنتج حكومة متماسكة قد تدعي تفويضًا شعبيًا - كما حدث في تونس أو مصر في أعقاب ثورتهم مباشرة.

بدلاً من ذلك، خلقت الحكومة التي تم التفاوض عليها عليها بين الجيش والمعارضة كيانًا غير منتخب يعتمد بقاؤه على إحداث تحسن في الظروف الاقتصادية الصعبة التي دفعت الناس إلى الشوارع في المقام الأول. بعبارة أخرى، تدرك واشنطن جيداً أن الدعم الشعبي للحكومة مرهون بحالة الاقتصاد المحلي الذي تسيطر عليه الإدارة الأمريكية والكونجرس وليس الخرطوم.

وإذا لم ترفع الولايات المتحدة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فستواجه حكومة الخرطوم الانتقالية غضب الشعب، وستظل الحكومة المقبلة التي ستحل محلها في نفس معضلة الاضطرار إلى مواجهة جمهور غاضب محبط من الطيف السياسي بأكمله (بما في ذلك المعارضة)، وبالتالي ستضطر إلى إعادة التفاوض مع واشنطن من أجل جلب الدعم.

وتتفاقم مشاكل الخرطوم لأن "ترامب" يفرض شرطًا يهدد أي فوائد قد تأتي من مساعداته المالية. تعتبر قضية فلسطين مقدسة في السودان الذي دعم القضية ليس فقط سياسيًا ودبلوماسيًا ولكن أيضًا لوجيستيًا وعسكريًا، حيث يقول العديد من السودانيين بفخر أن هذا كان أحد أسباب معاقبتهم في المقام الأول. وبينما تسعى الحكومة في الخرطوم للحصول على مساعدات مالية لدعم الاقتصاد لتخفيف الغضب العام والاستياء العام، فإن تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) يهدد بإطلاق العنان لذلك الغضب الشعبي الذي تسعى إلى تهدئته.

لكن مشاكل الحكومة لا تنتهي عند هذا الحد. فحتى لو قبلت بشرط تطبيع العلاقات، فلا يوجد ضمان بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فقد أعرب الكونجرس عن استيائه من أن "ترامب" قد يتخلى عن شرطه الخاص بالتعويض، مما أدى إلى مخاوف في السودان من أن الرئيس الأمريكي قد لا يتمكن من الوفاء بالتزاماته في الصفقة بينما ينتهي الأمر بالحكومة في الخرطوم إلى اتخاذ خطوة ستتلقى عليها إدانات محلية ومن قبل العالم الإسلامي الأوسع لارتكاب الخيانة العظمى.

لكن السؤال الذي يجب طرحه هو لماذا لا يستطيع السودان اللجوء إلى البدائل؟ كحليف لدولة الإمارات، لماذا لا يستطيع "عبدالفتاح البرهان" الحصول على مساعدة مالية من أبوظبي؟ أو من السعودية أو الكويت؟ لماذا لا يستطيع الذهاب إلى قطر؟

وتبدو أبوظبي غير راغبة في تقديم الموارد المالية المطلوبة بينما يمكنها الاستفادة من الخرطوم لكسب نفوذ أكبر في البيت الأبيض. كما أن السعودية تعاني من تدهور اقتصادي لم تشهده من قبل. ولا تريد قطر رعاية ما تعتبره وكيلاً لدولة الإمارات، في حين تحذر الكويت من إثارة غضب إدارة أمريكية شديدة العدوانية تمارس ضغوطًا أكبر في الآونة الأخيرة على حلفائها لإنفاق المزيد من الموارد مقابل الحماية الأمريكية.

وبحسب المسؤولين في واشنطن، فإن ما يحدث في السودان هو نتيجة لسياسة أمريكية صبورة ضغطت على البلاد وأسقطت النظام الإسلامي. وأصبح الإسلاميون معزولين، وهناك إجراءات لإزالة القوانين الإسلامية من الدستور والتي أدت في الأصل إلى عزل السودان تدريجيا في الثمانينيات في عهد "النميري" و"سوار الذهب" من بعده.

ومع ذلك، تخشى الإدارة الجديدة في السودان، التي يهيمن عليها الجيش، أن يصوت السكان المحليون (إذا عُرضت عليهم الانتخابات) لحكومة إسلامية أخرى أو على الأقل حكومة "ذات ميول إسلامية" بطريقة مماثلة لتونس وليبيا ومصر في أعقاب انتفاضاتهم الشعبية. ناهيك عن أن الإدارة المنتخبة ستهدد قدرة الجيش على فرض نفسه. لذلك، لا يميل الجيش إلى الرهان على الحصول على تفويض شعبي حتى لو كان ذلك من شأنه تحسين نفوذه على المستوى الدولي.

في غضون ذلك، يستمر الاقتصاد السوداني في الانهيار لأن الظروف الآن أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل الثورة.

وبالنسبة للمسؤولين السودانيين، فإنهم يشعرون بالصدمة، فقد كانوا يعلمون أنه سيتعين عليهم قبول شروط صعبة وكانوا على استعداد للقيام بذلك. ومع ذلك، فإنهم لم يتوقعوا شروط "ترامب" والتي تهدد بطرد المسؤولين السودانيين من قبل شعبهم بطريقة لا يمكن لأي مساعدة اقتصادية تعويضها.

المصدر | سامي حمدي / انسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تطبيع السودان العلاقات السودانية الأمريكية العقوبات الأمريكية على السودان

نتنياهو يعلن عن خطوة في طريق التطبيع مع السودان

نتنياهو التقى رئيس السيادي السوداني بأوغندا واتفقا على التطبيع

حزب الأمة السوداني: التطبيع مع إسرائيل طرح بطريقة ابتزازية غير مقبولة

وصف العرض الأمريكي بالهدية.. رئيس حزب الأمة السوداني: لا بديل عن التطبيع