بين عصا ماكرون وجزرة "شرق المتوسط" هل بدأ التطبيع اللبناني؟

الأحد 4 أكتوبر 2020 10:43 ص

  • هل لعبت عمّان دوراً في اتفاق الإطار لترسيم الحدود؟ سؤال ما بعد إعلان برّي والعودة للتصريح الشهير للجنرال عون "الإمارات مستقلة ولبيروت مشاكل مع إسرائيل نحلّها أولا".. 

*     *     *

معقّدٌ ذلك التزامن الذي جعل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي يخرج على العالم ويؤكد أن بلاده عقدت اتفاقية اطار مع إسرائيل لترسيم الحدود وانه كان شخصيا راعيا لها (وذلك مقررٌ من الأمم المتحدة منذ عام 2010)، مع رحيل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي كان الأشد ثباتاٌ في موقفه من تطبيع الدول العربية مع إسرائيل.

عاطفياً، يبدو الأمر "تزامنا مرّا" لمناهضي التطبيع وخصوصا للفلسطينيين الذين يتوجسون اليوم من أي محاولة لعقد اتفاقيات مع الإسرائيليين باعتبارها تلتفّ على حقوقهم، في حين وعاطفيا ايضاً يرى انصار التطبيع ان هذه انتصارات تتحقق لمحورهم على محورٍ يبدو عملياً ضبابيّ الهوية.

سياسياً، من الواضح ان انفجار مرفأ بيروت عزّز الضغوطات على العاصمة اللبنانية، وهنا قد يكون موقف ثلاثة دول عربية تقرّبت من لبنان مؤخرا هي الأردن والامارات ومصر عزّز من ضغوط الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمسؤولين الامريكيين، وذلك كلّه انعكس بوضوح في مقابلة الرئيس اللبناني ميشيل عون مع احدى القنوات الفرنسية والتي سئل فيها عن موقفه من اتفاق ابراهام الاماراتي مع إسرائيل فأجاب "إن الإمارات دولة مستقلة"، ولاحقاً علّق على سؤال إذا ما كان لبنان سيحذو حذو أبو ظبي بقوله ان لبيروت مشاكل مع إسرائيل يجب حلّها أولا.

جواب الجنرال عون والذي مع نبيه برّي وحركة أمل يشكّلون دائرة حلفاء “حزب الله”، من الواضح انه عكس منذ ذلك الوقت ضغطاً فرنسياً عربياً أمريكيا، من ضمنه بطريقة أو بأخرى تدخّل أردني بدت فيه عمّان مجدداً كممثلة للثلاثي العربي المذكور آنفاً.

عمّان تصدّرت المباحثات مع الرئيس عون، فبعد أن أرسلت مستشفى ميداني إلى العاصمة المنكوبة بيروت، اجرى عاهلها محادثات مع الجنرال عون نفسه قبل ان يتوجه الملك عبد الله الثاني لباريس للقاء ماكرون وكأنه يحمل خبرا من الرئيس اللبناني.

بالاثناء وبالتزامن مع زيارة ماكرون الاولى، وصلت المساعدات الإماراتية والمصرية أيضا الى لبنان، وفتحت أبو ظبي جسورا جوية لإنقاذ بيروت والتقت مسؤوليها.

لبنان اليوم يعيش بين الضغوطات وعصا العقوبات من جهة وجزرة غاز شرق المتوسط من جهة ثانية وهو ما تلوّح به مصر وفرنسا وإسرائيل برعاية أمريكية، علّ بيروت المنكوبة تدخل منتدى غاز شرق المتوسط بعد ان اصبح منظمة إقليمية، وبذلك يحكم كل المذكورين حصارهم على تركيا فيما يتعلق بالغاز والأنشطة الاستكشافية في المتوسط.

الجزرة الإسرائيلية للبنان من الواضح انها تمثلت بما نقله معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن المباحثات قبل ان يعلن رئيس البرلمان اللبناني ذو الولاية الطويلة والممتدة نبيه برّي انه تم الاتفاق على الاطار.

المعهد أكّد ان وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس كان مفوّضاً بإبلاغ لبنان أن حكومته مستعدة لتقسيم 860 كيلومتر مربع من الأراضي البحرية المتنازع عليها بنسبة 58:42 لصالح بيروت، مضيفاً ان شركة توتال الفرنسية ستكون المسؤولة عن حصة لبنان، ما يفسّر حماس الرئيس ماكرون وغضبه في بيروت.

بهذا المعنى، وبمجرد ان يرسّم لبنان حدوده مع إسرائيل يعترف بها رسميا وامميا، فتنتهي على الاغلب روايات "العدو والمقاومة" على الأقل بشكلها الرسمي والمعلن من بيروت، ما سيشكل تطبيعا واضحا قد لا تملك بيروت عنه أي بدائل في مرحلة الاغلاقين السياسي والاقتصادي الحالية.

لبنان، يبدو دولة من مجموعة من تلك الخاضعة لضغوط كبيرة، من الواضح ان ماكرون بات لاعبا أساسيا فيها، ما يجعل من المهم اليوم توجيه الأنظار الى بغداد التي وعدها الرئيس الفرنسي بزيارة جديدة خلال الزيارة الماضية، والبحث عما تستفيده فرنسا في السياق، خصوصا وهي تتحول لـ"عصا ترامب الرومانسية" في المنطقة، حيث يحترف ماكرون الطريقة الفرنسية ذات الخلفية الاستعمارية الكبيرة مع دول كانت لزمن طويل تًعتبر فيها واشنطن “محلّ جدل”.

هنا من المهم الانتباه الى ان التطبيع اليوم ليس غاية بحدّ ذاته بالنسبة فرنسا، كما هو الحال بالنسبة لواشنطن، بل على العكس، هو وسيلة لتسهيل صفقات الغاز المحتملة في شرق المتوسط، والتي تحتاج باريس الى ضمان مشاركتها فيه بأي طريقة بما يتناسب وطموحاتها بمواجهة أنقرة من جهة ولما يمثله من ثروة هائلة نقلت وسائل اعلام أن تقديرات هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية والشركات العاملة في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط قدّرتها بأنها تكفي لسد حاجة الأسواق الأوروبية لمدة ثلاثين عاما والعالم لمدة عام واحد على الأقل.

في هذا السياق مثلا، من المهم متابعة المواقف الفرنسية وما يتأتى منها للأمريكيين، حيث في قبرص واليونان وبعد الحماس الفرنسي الشديد لمواجهة أنقرة والتصريحات النارية من جانب ماكرون نفسه ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عزّزت رغبة البلدين في شراء الأسلحة فتعاقدت أثينا مع باريس على 18 طائرة رافال مقاتلة، في حين زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الدولتين (قبرص واليونان) قبل أيام وبدأت محادثات التسلح واحتمالات نقل معدات من قاعدة انجرليك الى اليونان.

بهذا المعنى من الواضح ان ماكرون يلعب دوراً منسجماً تماماً مع الأمريكيين خلال الفترة الأخيرة، وهو موقفٌ يمكن متابعته بسهولة ومتابعة نتائجه خصوصا وان الرئيس الفرنسي يبدو اليوم الحليف الأهم لثلاثي الامارات ومصر ومن خلفهما الأردن ولبنان والعراق بعد قليل ومشروعه للشام الجديد.

ماكرون إذن يبدو بشكل كبير وقد عمّق مكانته كشرطيًّ متعهّد لواشنطن و(إسرائيل) في المنطقة العربية، وهو مستعدٌّ في هذا السياق ان يتوغّل بكل الطرق، خصوصا وان غاياته كبيرة وكثيرة اذ تبدأ من احتكار أكبر نسبة من “غاز المتوسط” له ولحيلفته واشنطن وتسهيل بيع الأسلحة الفرنسية والأمريكية، ولا تنتهي عند تضييق الخناق على انقرة في محاور متعددة، يبدو انه أوصل بلاده لأن تتدخل بها جميعا.

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

ترحيب يوناني بتحركات تركيا لتهدئة التوترات شرقي المتوسط