«قناة سلمان» .. عاصفة حزم اقتصادية

الأربعاء 16 سبتمبر 2015 06:09 ص

في ظلّ توسّع نفوذ الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران ليشمل دولاً عدّة في الشرق الاوسط، جاء إعلان المملكة العربيّة السعوديّة انطلاق عمليّة «عاصفة الحزم» في اليمن مفاجئاً للحلفاء والاعداء على حدّ سواء. فالسعوديّة التي قرّرت الوقوف عسكريّاً في وجه المدّ الايراني في اليمن لأنّها اعتبرته كاسراً للتوازن الذي يحكم دول الخليج العربي على ضفّتيه، تحضّر لانجاز مشروع اقتصادي استثماري ذي بعد استراتيجي يهدف الى إفقاد إيران بعض أوراق القوّة التي تمتلكها خصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي مع دول مجموعة الست.

تداولت وسائل إعلاميّة عربيّة وغربيّة مؤخّراً، خبراً يتعلّق بنيّة السعوديّة إنشاء قناة مائيّة بطول 950 كيلومترا تربط شرق المملكة ببحر العرب. موقع «مودرن ديبلوماسي» الالكتروني أضاء على الهدف الرئيسي من هذا المشروع معتبراً أنّه يتمثّل بالالتفاف على مضيق هرمز. «مركز القرن العربي للدراسات» أفاد أنّ القناة ستنطلق تحديداً من منطقة قريبة من البحرين وقطر أو قريبة من غرب الامارات العربيّة المتّحدة، قبل أنّ تصل الى بحر العرب. لكن في جميع الاحوال سيكون من الممكن للدول الثلاث أن تصدّر نفطها الى العالم عبر هذه القناة عوضاً عن استخدام مضيق هرمز الذي قد تقدم إيران على إغلاقه في المستقبل. 

ويضيف رئيس المركز «سعد بن عمر» أنّ طول القناة داخل السعوديّة سيصل الى 630 كيلومتراً بينما سيناهز طولها داخل الاراضي اليمنيّة حوالي 320 كيلومتراً. وسيختصر الى النصف، المسافة التي تسلكها السفن حاليّاً عبر المضيق. ويقدّر لعرضها بلوغ 150 متراً أمّا عمقها فسيصل الى 25 متراً.

وفي المعلومات الأوّليّة التي قدّمها بن عمر، نجد أنّه تمّ التطرّق الى مسارين احتياطيّين للقناة التي سمّيت تيمّناً باسم الملك السعودي «سلمان بن عبد العزيز». فجاءت عمان بديلاً عن اليمن بحسب الخطّة إذا استمرّت الاوضاع الأمنيّة على ما هي عليه في تلك الدولة.

الى جانب الكلفة الكبيرة للمشروع والتي تصل الى حدّ 80 مليار دولار، لا يستبعد بن عمر وجود بعض من الصعوبات الميدانيّة التي يمكن لها أن تعترض سير المشروع مثل الفروقات بين الدولتين في ارتفاع مناطق مختلفة عن سطح البحر (السعوديّة 300متر بينما اليمن 700متر).

لكن على رغم وجود هذه الصعوبات، فإنّ إيجابيّات كثيرة تستطيع هذه القناة تقديمها للسعوديّة كما لليمن. 1200 كيلومتر من السواحل النظيفة يتوقّع أن تنشئها تلك القناة في منطقة الربع الخالي، فتستفيد السعوديّة من إنشاء مدينيتين صناعيّتين وثلاث مدن سكنيّة بالاضافة الى الاستفادة من مشاريع استثماريّة في مجال الفنادق والمنتجعات السياحيّة. وعلى الصعيد الغذائي ستحقّق السعوديّة الاكتفاء الذاتي في مجال تربية الاسماك. ويعدّد رئيس «مركز القرن» مزيداً من المنافع للمشروع حيث سيتمّ إطلاق مشاريع لتوليد الطاقة، وتحلية المياه وبناء حوالي 20 نفقاً للسيّارات ومسالك للمشاة وغيرها.

وعلى الجانب الآخر من الحدود، ستتوفّر مليون فرصة عمل للشعب اليمني وسيضاف حوالي 700 كيلومتر من الواجهة المائيّة وإحياء المناطق الصحراويّة خصوصاً في شرق اليمن.

أمّا على صعيد إعطاء مهل معيّنة للبدء بتنفيذ المشروع والانتهاء منه، لم يعط بن عمر تواريخ محدّدة مكتفياً بالقول إنّه من الممكن أن ينطلق المشروع قريباً، على أن يتمّ الانتهاء من الحفر خلال خمس سنوات نظراً الى أنّ العديد من الشركات السعوديّة على وشك أن تنهي مشاريعها وتحضيراتها البشريّة والتقنيّة. وتمنّى أن ينجز المشروع برمّته خلال فترة حكم الملك سلمان.

على الصعيد الاستراتيجي، أعلن أستاذ الدراسات الايرانية في جامعة طنطا ورئيس مركز الفارابي للدراسات والتدريب في القاهرة «مدحت حماد» أنّ السعوديّة تريد أن تبتعد بتجارتها عن مضيق هرمز خوفاً من قيام إيران باحتلاله. وأعلن في تصريح الى موقع "دوت مصر" أنّ المملكة ترغب «في القضاء على قدرة إيران على تعطيل الملاحة في المضيق».

وعن احتمال منافسة هذا المشروع لقناة السويس، أكّد «صلاح جودة» لموقع «صدى البلد» المصريّ أنّه لن يكون منافساً لقناة السويس لأنّ هذه الأخيرة تربط فقط بين البحرين الأحمر والابيض المتوسّط بينما «قناة سلمان» تربط بين السعوديّة ودول الخليج بعيداً عن مضيق هرمز. فهي إذاً منافسة لخط البترول الإيراني وواضعة للبترول الخليجي في مأمن عن السيطرة الايرانيّة على المضيق. واعتبر «جودة» أنّ التفكير في إنشاء منطقة لوجستيّة على جانبي القناة أمر طبيعيّ.

معهد الشرق الاوسط يرى أنّ الصين سوق استراتيجيّ مهمّ لنفط السعوديّة. ففي العام 2006 مثلاً كانت السعوديّة المصدّر الأوّل للنفط الى الصين. هذا بالاضافة الى قيام المملكة باستثمارات عدة في مجال الطاقة والبتروكيميائيّات والغاز الطبيعي هناك. ومن هنا ستشكّل القناة عاملاً مهمّاً في تفادي إعاقة وصول النفط الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً الى الاسواق الصينيّة عبر مضيق هرمز. ويشبّه جورج فريدمان في موقع "ستراتفور" اللعبة الاقليميّة والدوليّة في هذا المضيق بلعبة شطرنج طويلة المدى، حيث أنّ احتمالات الحسابات الخاطئة واردة، كما أنّ احتمال أن يخادع طرف خصمه لإرغامه على ارتكاب خطأ، أمر محتمل أيضاً.

وانطلاقاً من هنا، إنّ أسئلة عدّة تتبادر إلى الأذهان تتناول تفاصيل مختلفة في المشروع. فالمسار الاحتياطي للقناة سيمرّ في عمان، السلطنة التي تملك علاقات جيّدة مع إيران بحسب موقع «غلوبال ريسرتش» وموقع «هافينغتون بوست» وهنا لا بدّ من التساؤل عن قدرة تمرير مشروع القناة في هذه الدولة بعيداً من أيّ مشاكل سياسيّة محتملة خصوصاً أنّ عمان تعتمد سياسة خارجيّة دقيقة تسمح لها بالبقاء بعيدة عن توتّرات المنطقة.

من جهة أخرى يقول الموقع نفسه إنّ معظم الحقول النفطيّة للدول الخليجية واقعة ضمن الخليج العربي ما يعني أنّها جميعها قريبة من مدى الصواريخ الايرانيّة وهذا يعني أنّ الجمهوريّة الاسلاميّة قادرة على منع التدفّق النفطي من مصادره وليس بالضرورة عبر إقفال مضيق هرمز.

على الرغم من تلك الرؤية، تبقى القناة هذه في حال تمّ تنفيذها محوّلاً مهمّاً في صراع القوى الاقليميّة وقدرتها على استخدام النفط كسلاح في أيّة مواجهة مقبلة. فالمضيق الذي يمرّ من خلاله حوالي 20% من الإنتاج النفطي يوميّاً قادر على أن يكون بؤرة توتّر أو تأزيم دائمة. لكن مع إنشاء القناة، فإنّ احتمال أن يشهد العالم خضّات اقتصاديّة بسبب أزمة سياسيّة في المضيق ستؤول نسبته الى الانخفاض.

لكن في جميع الأحوال وكما قال الكاتب «توماس فريدمان»، يبقى توخّي الحذر في لعبة الشطرنج ... واجبا.

  كلمات مفتاحية

قناة سلمان الملك سلمان السعودية إيران مضيق هرمز قناة السويس الخليج العربي بحر العرب

«قناة سلمان» .. مجرى مائي جديد لربط «بحر العرب» و«الخليج العربي»

جهود حثيثة لعودة بث فضائية «عدن» من مقرها في التواهي