"أي خناقة بين اتنين سياسيا أو غيرها لا أقف عندها.. إلا الاقتصاد والبنوك المصرية.. أمس حصل هزة بسبب موضوع البنك التجاري الدولي (أكبر البنوك الخاصة) في مصر".

هكذا كشف الإعلامي المصري "عمرو أديب"، عن كواليس إقالة المصرفي البارز "هشام عزالعزب"، من رئاسة البنك التجاري الدولي "CIB" بقرار من رئيس البنك المركزي المصري "طارق عامر"، وهو القرار الناتج عن خلافات عميقة بين الرجلين.

وتسبب الخلاف في استخدام "عامر" لنفوذه وإقالة "عزالعرب"، في واقعة تسببت في هزة بالقطاع المصرفي، ووقفا لتعامل أحد أكبر بنوك الشرق الأوسط في البورصة، وسط أنباء عن ملفات فساد وتدخلات من هيئة الرقابة الإدارية.

بدأ الجدل حول ما يحدث في البنك التجاري الدولي، حين أعلنت البورصة المصرية، الخميس، عن وقف التداول على سهم البنك التجاري في البورصة، صاحب أكبر وزن نسبي في المؤشر الرئيسي، بناء على طلب من هيئة الرقابة المالية.

ولم تعلن البورصة، أسباب وقف التداول، كما لم تعد التداول على سهم البنك، حتى نهاية التعاملات، ما تسبب في تراجع كبير في المؤشر الرئيسي بنسبة 1%، وانهيار في مؤشرات السوق وتراجع المؤشر السبعيني بنسبة 4.5%.

والبنك التجاري الدولي، أكبر بنك مدرج في مصر، وللمستثمرين الأجانب حيازات كبيرة فيه، ورئيس مجلس إدارته "هشام عزالعرب"، من بين كبار المصرفيين في البلاد ويحظى بشهرة واسعة في عالم المال بالشرق الأوسط.

وبعد ذلك، تداولت مواقع تسريبًا لخطاب من البنك المركزي، يتضمن قرارا بتنحية رئيس البنك عن منصبه، والتوجيه بتعيين عضو غير تنفيذي في المنصب، لكن هذا لم يتم تأكيده إلا ببيان البنك التجاري الدولي السبت.

وتسبب القرار في خسارة سهم البنك أكثر من 40% من قيمته في التعاملات الصباحية لبورصة لندن، الجمعة.

وتضمن الخطاب المتداول، أن التفتيش الميداني على البنك، أسفر عن وجود مخالفات جسيمة لأحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والتعليمات الرقابية، والقرارات الصادرة عن البنك المركزي المصري، والأعراف والممارسات المصرفية السليمة.

وتستوجب الاتهامات الموجهة بالمخالفات الجسيمة لـ"هشام عز العرب"، ليس التنحي فقط عن رئاسة البنك التجاري الدولي ولكن تصل إلى المساءلة القانونية، داخل المحكمة في حالة ثبوت صحتها.

ولاحقا، أعلن البنك التجاري الدولي، تعيين "شريف سامي"، رئيساً غير تنفيذي لمجلس الإدارة، بعد الحصول على موافقة البنك المركزي المصري.

وعلى أثر هذه التسريبات، علق "أديب"، قائلا: "أنا مواطن مصري يريد الخير لهاذ البلد، إحنا قعدنا 24 ساعة في مصر، بتحصل أشياء ليها علاقة بواحد من أكبر البنوك في الشرق الأوسط، بلا بيان واحد، هيمشوا هشام عز العرب، مش هيمشوه، أصله فيه تجاوزات، أصله فيه مشاكل، أصلوه شالوه، أصله استقال، 24 ساعة في مصر بلا توضيح".

وأشار "أديب"، إلى أن هناك خلافا بين "عامر" و"عزالعرب"، مستكرا أن يصل الخلاف إلى هذا الشكل.

وتابع: "اللي دبحني امبارح القرارات المسربة من البنك المركزي ونشرتها المواقع الصحفية الكبرى الرسمية، هذه القرارات غير رسمية من البنك المركزي المصري (..) هل ده ينفع، قرارات البنك المركزي تتسرب بهذا الشكل؟".

وزاد "أديب"، أن هناك من اتصل به يسأله هل يسحب فلوسه من البنك التجاري، معلقا أن "هذه لم يحدث منذ قرون أن خاف أحد على وديعته في بنك مصري".

الشاهد في الأمر أن ما جرى كان نتيجة لخلاف بين الرجلين، كشفته وصول مذكرة رسمية إلى هيئة الرقابة الإدارية، تطالب بفتح التحقيق في وقائع تورط وزيرة الاستثمار السابقة "داليا خورشيد"، في استغلال منصب زوجها محافظ البنك المركزي "طارق عامر".

هذا الاستغلال تمثل في تسهيل أعمالها، وشركائها، والضغط على البنوك لعدم الحجز على "الشركة المصرية للهيدروكربون".

وكشفت المذكرة أن الشركة المملوكة لـ"خورشيد"، تحت اسم "مسار"، لها تعاملات كبيرة مع "الشركة المصرية للهيدروكربون"، وحصلت منها على عمولات مالية ضخمة، مقابل استغلال منصب زوجها في الضغط على رؤساء عدد من البنوك لمنعها من الحجز على الشركة، بسبب عجزها عن سداد ديون تقدر بنحو 450 مليون دولار.

المذكرة أشارت إلى حصول "خورشيد" على مبلغ 50 ألف دولار شهرياً، نظير القيام بأعمال الاستشارات لـ"الشركة المصرية للهيدروكربون"، بموجب عقد موقع في أبريل/نيسان 2019.

فضلاً عن حصول زوجة "عامر"، على نسبة 3% من القرض الجديد الذي سهلته الوزيرة السابقة لصالح الشركة.

وطالبت المذكرة هيئة الرقابة الإدارية بفتح تحقيق في شأن تعرض رؤساء عدد من البنوك لضغوط من محافظ البنك المركزي لتسهيل عمل شركة "مسار"، بالإضافة إلى تضارب المصالح في وقائع تعيين بعض المسؤولين في البنوك داخل الشركة لتسهيل أعمال "خورشيد".

وبحسب المذكرة، فإن مديرين ومسؤولين في بعض البنوك الحكومية والخاصة تعرضوا لضغوط لقبول تأجيل تنفيذ حجز إداري على "الشركة المصرية للهيدروكربون"، بعد أن كان من المفترض أن يتم الحجز عليها لتأخرها أكثر من 4 سنوات عن دفع أي من أقساط القرض.

وبحسب ما ورد في المذكرة، فإن "خورشيد" حصلت في 9 أبريل/نيسان 2019 على مبلغ 275 ألف دولار نقداً في حساب شركتها "نظير الاستشارات التي تقدمها".

وحصلت "الشركة المصرية للهيدروكربون" على قرض قيمته 285 مليون دولار من 11 بنكاً، أبرزها بنك مصر، وبنك القاهرة، والبنك التجاري الدولي.

غير أنها تعرّضت إلى بعض الأزمات التي أدت إلى تأخر إنتاجها، مثل تأخر المقاول في تنفيذ المشروع، وصعوبات في الحصول على تراخيص الشركة بسبب موافقات الجهات الأمنية، ومن ثم تراكم الفوائد عليها.

وتولت "خورشيد"، رئاسة مجموعة "إيجل كابيتال"، التي أنشأتها المخابرات العامة كصندوق استثمار مباشر يتولى إدارة جميع استثمارات الجهاز، ومنها مجموعة "إعلام المصريين" المالكة لقنوات وصحف ومواقع إخبارية، وشركتان للإنتاج الدرامي والسينمائي.

و"الشركة المصرية للهيدروكربون" مملوكة لرجل الأعمال "باسل الباز"، نجل "أسامة الباز" المستشار السياسي للرئيس المخلوع الراحل "حسني مبارك".

وتتوزع مديونية الشركة بواقع، 85.84 مليون دولار لصالح البنك التجاري الدولي، و76.87 مليوناً لبنك مصر، و43.6 مليونا للأهلي المتحد ــ مصر، و33.2 مليونا للأهلي المتحد ـ البحرين، و31 مليونا لبنك القاهرة، و20 مليونا للبنك العربي، و15 مليونا لبنك عودة، و20 مليونا للمصرف العربي الدولي، و15 مليونا لبنك البركة، و20 مليونا لإيجي بنك، و25 مليونا للشركة المصرفية.

ووفق مراقبين، فإن المديونية مع البنك التجاري الدولي، هي السبب في إقالة "عز العرب".

ولكن الغريب، أن هذه الإقالة، تمت بعد 5 أيام فقط، من تقرير نشرته صحيفة "الأهرام" (حكومية)، يتضمن إشادة بانجازات البنك التجاري الدولى في ظل رئاسة "عز العرب"، وهو ما يمثل رضا من الدولة على أداء البنك بل واعتراف وتقدير لما يحققه البنك التجاري الدولي من نجاحات في ظل منظومة البنك المركزي المصري.

وبالإشارة إلى خطاب البنك المركزي، فإن الخطأ لم يمس "عزالعرب" وحده، إنما موجه لكل كيان البنك التجاري باتهامات مرسلة ضد أنظمة الرقابة والمراجعة والائتمان بالبنك، وهو الأمر الذي أضر بالبنك والنظام المصرفي وأسهم البنك في البورصة، والبورصة ككل.