ليبيا واتفاق جنيف.. لماذا تناقضت مواقف القوى الإقليمية رغم توقيع مدعوميها؟

الاثنين 26 أكتوبر 2020 01:03 م

إلام يؤشر اتفاق طرفي الأزمة الليبية على وقف دائم لإطلاق النار في جنيف؟ وإلى أي مدى تحمل تفاصيل الاتفاق ترجيحا لنجاح تطبيقه؟ ولماذا تباينت ردود فعل القوى الإقليمية إزاءه رغم موافقة مدعوميها بطرفي الصراع؟ وهل تعبر تلك الردود عن المواقف الحقيقية لدولها بالضرورة؟

الأسئلة السابقة دارت حولها نقاشات مراقبي الشأن الليبي خلال الأيام الماضية، بعدما أعلنت بعثة الأمم المتحدة، في وقت سابق من يوم الجمعة الماضي، أن محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في جنيف توجت بإنجاز تاريخي بعدما توصل الفرقاء الليبيون إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد.

ومن بين بنود الاتفاق، السماح للنازحين واللاجئين في الداخل والخارج بالعودة لديارهم، ومغادرة جميع المرتزقة للأراضي الليبية في مدة أقصاها 3 أشهر، والانسحاب عسكريا من سرت والجفرة ومن كافة الجبهات، على أن تشكل قوة عسكرية مشتركة بين الطرفين الليبيين تخضع لغرفة عمليات موحدة.

ومن أهم النتائج الإيجابية للاتفاق فتح المجال الجوي بين المنطقتين الشرقية والغربية في ليبيا، خاصة أن أبناء المنطقة الشرقية كانوا ممنوعوين من السفر خارجيا منذ أن سيطرت قوات الجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر" على المنطقة بدعم الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا، ونازعت قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، سلطتها.

لكن الاتفاق، في المقابل، لم يقدم حلولا بمقاييس واضحة للمسائل الرئيسة التي تشكل الصراع الحقيقي على السلطة في البلاد، وأهمها كيفية إجراء انتخابات في بلاد تحكمها القبلية، وعدم وجود التزام بإبعاد "حفتر" عن المشهد السياسي المقبل في ليبيا، ما يجعل الإمارات ومصر حاضرتان بقوة في المشهد الليبي، رغم ما منيت به قوات "حفتر" من خسائر ميدانية مؤخرا وسط وغربي البلاد.

كما أن بنود الاتفاق لا تحسم دور "حفتر" حتى على المستوى العسكري، ففي الوقت الذي تنص فيه تلك البنود على إخراج المرتزقة ومغادرتهم والقوات الأجنبية الأراضي الليبية ابتداء من 23 أكتوبر/تشرين الأول -تاريخ توقيع الاتفاق- لا يزال "حفتر" مستمرا في سعيه لتعزيز وجوده عبر إرسال معدات عسكرية جديدة، مع زيادة ملحوظة لوجود مرتزقة شركة فاجنر الروسية، الداعمة للجنرال الليبي المتقاعد.

أيضا لا يزال الغموض يحيط بكيفية تقاسم عائدات النفط ومن سيسيطر على الآبار والموانئ ويحميها في ليبيا، ما يمكن أن يعني بقاء الوضع الحالي، حيث تسيطر قوات "حفتر" على آبار النفط.

ينقص الاتفاق أيضا النص على تسليم خرائط زرع الألغام التي زرعتها قوات "حفتر" أثناء عدوانها في طرابلس وسرت، وكشف المقابر الجماعية التي ارتكبتها، وتسليم المتهمين في جرائم حرب للمحكمة الجنائية الدولية.

وكان المجلس الأعلى للدولة في ليبيا قد شدد، في بيان أصدره بعد إعلان جنيف، على أن الاتفاق "لا يسقط الجرائم المرتكبة خلال فترة العدوان على العاصمة (طرابلس)"، مطالبا بالإسراع في تسليم المجرمين، خاصة الذين شاركوا بأي شكل من الأشكال في ارتكاب المذابح التي كشفت عنها المقابر الجماعية في ترهونة وغيرها".

ويعني ذلك أن كثيرا من الشياطين تكمن في تفاصيل الاتفاق طالما ظل دون ضمانات وآليات واضحة، ولذا يستبعد "عبدالمنعم اليسير"، الرئيس السابق للجنة الدفاع والأمن القومي بالمؤتمر الليبي العام (2012–2014) نجاح تطبيق الاتفاق.

ويرى "اليسير" أن "الميليشيات المسلحة وأمراء الحرب لا يريدون قيام أي دولة في ليبيا"، ولا مصلحة لهم في الخضوع لاتفاق جنيف.

ولذا يرى الخبير العسكري "عادل عبد الكافي" أن صدور قرار من مجلس الأمن الدولي لحماية الاتفاق بات ضرورة لمراقبة التزامات طرفي الأزمة الليبية عن طريق مراقبين دوليين، ومعاقبة المنتهكين له.

واعتبر عبد الكافي أن "المدة الممنوحة في الاتفاق لإخراج المرتزقة الروس والأفارقة التابعين لحفتر لا تكفي لإخراج كامل المعدات العسكرية والأسلحة التي موّلت الإمارات عملية نقلها إلى ليبيا"، وفقا لما أورده "الجزيرة نت".

وفي السياق، يرى مستشار المنظمة الليبية لدراسات الأمن القومي "رمزي رميح" أنه "إذا صدقت النوايا، فلجنة نزع السلاح بالأمم المتحدة ستستطيع نزع السلاح من أيدي المليشيات كما حدث في أفريقيا والبوسنة".

غير أن العامل الأهم في التشكيك بقدرة اتفاق جنيف على الصمود هو تباين مواقف الأطراف الإقليمية المعنية بالشأن الليبي منه، فبينما أبدت مصر والإمارات ترحيبا، عبرت تركيا عن تشاؤم وتحفظ.

مصالح مصر

ويعود الترحيب المصري إلى عاملين رئيسين، الأول يتعلق بضمان محدد الأمن القومي، وفق رؤية القاهرة العسكرية، وهو اعتبار محور سرت - الجفرة بمثابة "خط أحمر" لتقدم قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، وهو ما سبق أن عبر عنه الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" مهددا بتدخل عسكري في حال انتهاك هذا الخط.

أما العامل الثاني فيعود إلى أن رعاية مصر للاجتماعات التي سبقت اتفاق جنيف، حيث التقت وفود أمنية وعسكرية من شرق ليبيا وغربها بشكل مباشر في مدينة الغردقة المصرية (شرق)، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بينما جرت محادثات سياسية في القاهرة الأسبوع الماضي.

من هنا فإن ترحيب مصر باتفاق وقف إطلاق النار وفق الأوضاع الميدانية الحالية يبدو منطقيا، وهو ما عبرت عنه وزارة الخارجية، في بيان، دعت فيه الدول المنخرطة في الشأن الليبي إلى "الإسهام في الجهد الحالي وضمان عدم التصعيد في جبهات القتال".

 كما أعلنت القاهرة استعدادها لدعم مساعي الأمم المتحدة الرامية لتحقيق الهدف الرئيسي من الاتفاق، من المنظور المصري، وهو ضمان توحيد الدولة الليبية وخروج القوات الأجنبية من البلاد.

تناقض الإمارات

غير أن المنظور الإماراتي لحلحلة الأزمة يبدو مختلفا، إذ لا يمثل توحيد الدولة في ليبيا أولوية بالضرورة إلا في حال سيطرة "حفتر" على كامل التراب الليبي، وهو ما فشلت فيه قواته.

أما قبول فكرة تقاسم النفوذ داخل ليبيا مع تركيا فتبدو أبوظبي بعيدة عن قبولها، من زاوية تنافسية على المصالح الإقليمية مع تركيا، بعكس القاهرة، ومن هنا جاء تناقض إعلان أبوظبي ترحيبها باتفاق جنيف مع رصد تعزيز القوات الداعمة لـ"حفتر" على الأرض.

فوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" كتب عبر "تويتر": "الأخبار المشجعة من ليبيا الشقيقة تتوالى ومعها تتسع فسحة الأمل بتسوية سياسية قادمة تجمع الليبيين بعد طول اقتتال، وفي هذا السياق نرحب بالإعلان عن الوقف الدائم لإطلاق النار بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق، كل خطوة إيجابية هي لصالح ليبيا آمنة ومستقرة".

لكن عديد الخبراء، ومنهم الباحث بمركز مالكوم كير – كارنيجي للشرق الأوسط "يزيد الصايغ"، يرون أن تغريدة "قرقاش" لا تعبر عن الموقف الحقيقي لبلاده، إذ تقاس السياسة بحسابات الواقع، لا بخطابات الإعلام.

من هنا علق "الصايغ" على الموقف الإماراتي وعلاقته بنظيره المصري عبر تويتر مغردا: اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا فضفاض وهشّ ولكنه يشكّل خطوة جيدة إلى الأمام. يحق لمصر الزعم أن تهديدها بالتدخل العسكري قد ساعد على الوصول إلى اتفاق، ولديها مصلحة فعلية في صموده. لكن السؤال الحَرِج هو ماذا ستفعل اذا كانت حليفتها الإمارات العربية تنظر إلى الاتفاق بعين مختلفة؟"

وتنسجم رؤية "صايغ" مع الخبير في الشؤون الليبية "جاسون باك"، التي أوردها بتحليل نشره بمجلة "فورين بوليسي" في 22 أغسطس/آب الماضي، معتبرا أن "اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي من شأنه إطالة أمد الحرب في ليبيا".

وبحسب "باك" فإنه "من غير المرجح، بعد الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي أن ينتقد البيت الأبيض دور الإمارات في ليبيا" وبالتالي فلا ضاغط فعلي يدفع أبوظبي للترحيب "الحقيقي" باتفاق نهائي في ليبيا.

تحفظ تركيا

لم تلجأ أنقرة إلى أي مناورة في إعلان موقفها من اتفاق جنيف، حيث أعربت عن تشاؤمها إزاء الاتفاق، الذي وصفه الرئيس "رجب طيب أردوغان" بأنه يعتبر "ضعيف المصداقية"، مشيرا إلى أن "الأيام ستظهر مدى صموده".

وطرح الموقف التركي علامة استفهام أخرى حول نجاح الاتفاق، باعتبار أن أنقرة هي الداعم الرئيسي لحكومة الوفاق، خاصة أن أحد بنود الاتفاق ينص على "تعليق الاتفاقيات العسكرية التي أبرمتها أطراف الصراع في ليبيا"، حسبما يشير الكاتب الصحفي المقرب من الحكومة التركية "ياسين قوفانتش".

ويعتقد "قوفانتش" أن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا لم يكن على مستوى تطلعات تركيا، خاصة أنه لم يستند إلى -ما وصفتها الرئاسة التركية في وقت سابق- بعودة خطوط الجبهة في ليبيا عام 2015، وهو ما يستدعي انسحاب قوات "حفتر" من مدينة سرت، التي تعد بوابة العبور إلى حقول النفط في الشرق، وكذلك انسحابها من قاعدة الجفرة الجوية.

وفي السياق، يشير القيادي في حزب العدالة والتنمية "بيرول دمير" إلى محاولات مصر والإمارات لإضعاف التأثير التركي، "ليس في ليبيا وحسب، بل في القارة السمراء"، حسب تعبيره.

لكن هل يعني هذا البند تنصل حكومة الوفاق من اتفاقها العسكري السابق مع أنقرة؟ المحلل السياسي الليبي "عبدالباسط بن هامل" يجيب بالتأكيد، معتبرا أن الاتفاقيات التركية مع حكومة الوفاق أصبحت من الماضي، رغم أن العلاقة الاستراتيجية بين أنقرة وطرابلس لا تقدم مؤشرا على هكذا إجابة، كما أن التطورات الميداني بالغرب الليبي لا تدعمه. 

فموقف أنقرة من طرابلس يعود إلى 3 محددات هي: مصير الاتفاق الأمني والعسكري مع حكومة الوفاق، ومستقبل دور "حفتر" السياسي، وإتاحة دخولها كشريك في التنقيب عن ثروات النفط وتشغيل موارده في البلاد، وعليه فإن التطورات الميدانية في ليبيا ستشكل عامل الحسم في الموقف التركي إزاء تطبيق الاتفاق الليبي.

لكن ما يبقي على الوضعية التركية في ليبيا بمركز قوة أن الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" سبق أن اعتمد تسجيل الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا بشأن ترسيم حدود مناطق الاختصاص في البحر المتوسط، وفقًا للمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أن ترسيم الحدود البحرية بات معترفا به دوليا.

ووفقًا للمسح الجيولوجي الأمريكي، تشير التقديرات إلى أن منطقة البحر المتوسط ​​تضم ملايين البراميل من النفط وتريليونات الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي، تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات.

ولأن التطورات على الأرض لا تزال في صالح تركيا، وضمانات وآليات تنفيذ اتفاق جنيف لاتزال غائبة، فإن تحفظ أنقرة يعبر عن ما تتوقعه من فشل في تطبيق الاتفاق. فهل يصدق الواقع التقدير التركي؟ الأسابيع المقبلة تحمل الإجابة على الأرجح.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

ليبيا جنيف مصر تركيا الإمارات حفتر

بنود اتفاق وقف النار الدائم بليبيا.. أبرزها انسحاب القوات الأجنبية خلال 3 أشهر