دستور مصر.. بين النوايا الحسنة للسيسي والمخاوف من التفرد بالسلطة

السبت 19 سبتمبر 2015 02:09 ص

«الدستور كُتب بنوايا حسنة، والنوايا الحسنة فقط لا تبني وطناً».. عبارة لفظها الرئيس المصري، «عبد الفتاح السيسي»، في إحدى لقاءاته، مؤخراً، أثارت اهتماماً إعلامياً وسياسياً في الشارع المصري، غُلّف بمخاوف لدى البعض من نية الرئيس إجراء تعديل على هذا الدستور، من أجل التفرد بالسلطة، قبيل انتخابات مجلس النواب، المقررة الشهر المقبل.

وكان الدستور أُقرّ يوم 18 يناير/كانون ثانٍ 2014، بموافقة 98% ممن شاركوا في الاستفتاء، بحسب اللجنة العليا للانتخابات في مصر، وهي النتيجة التي رفضها، «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب«، المؤيد لـ«محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في البلاد.

واستحقاق يناير، الذي يمنح مجلس النواب، الحق في تشكيل الحكومة، وقد يصل الأمر إلى تهديد منصب الرئاسة، عاد للسطح من جديد،  بتلك العبارة، التي أطلقها «السيسي»، في حديث له على هامش أسبوع شباب الجامعات والمعاهد المصرية «العاشر»، الذي عُقد الأحد الماضي، في جامعة قناة السويس في الإسماعيلية، شمال شرقي البلاد.

عبارة أثارت مخاوف الكثيرين من الذين فهموها على أنها مقدمة لتعديل الدستور، للتفرد بالسلطة والسعي لعدم وجود برلمان قوي، فيما رأى آخرون أن من حق الرئيس توسيع صلاحياته لاستقرار البلاد.

وفي حديث له مع وكالة «الأناضول» للأنباء، قال «ياسر عزباوي»، الخبير في وحدة الرأي العام بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (حكومي) إن «الاهتمام المتزايد بالحديث عن تأييد أو رفض تعديلات بالدستور عقب حديث الرئيس، يلعب دورا كبيراً في ترسيخ تلك الضجة سواء كانت صحيحة أو لا».

وأضاف «عزباوي»: «الإعلام يلعب دور الأحزاب الآن في الحشد والتعبئة والتهيئة والترسيخ، ومثال ذلك بارز في تغيير الحكومة السابقة (مطلع الأسبوع الحالي)، فقد بات الإعلام قادراً على صنع التغيير».

ووسط هذا الجدل، لم يصدر عن الرئاسة أي توضيح لما قصده الرئيس في تلك الكلمة.  

وفي السطور التالية، تستعرض «الأناضول» الاهتمام والجدل حول تعديل الدستور من عدمه:

* الأحد 13 سبتمبر/أيلول

نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة «اليوم السابع» (خاصة)، تقريراً بعنوان «دستور النوايا الحسنة يثير الجدل..الرئيس يلمح بملاحظات حول مواد الدستور المطاطة في لقاء شباب الجامعات..وخبراء: السيسى استخدم تعبيراً مهذباً خوفا من إرباك المشهد.. ولا بديل عن التعديل فور انعقاد للبرلمان».

«صابر عمار»، عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي (حكومية) أحد مؤيدي التعديل، قال في هذا التقرير إن «المواد الخاصة بصلاحيات البرلمان، ونظام الحكم، يجب أن تعرض في أول انعقاد للبرلمان القادم لتعديلها .. ومن شأن هذه المواد إن لم يحسن اختيار النواب، أن تتسبب في تعويق مسيرة الرئيس ونظام الحكم؛ لأن الرئيس والبرلمان تروس في آلة واحدة».

وبحسب نصوص الدستور، من حق البرلمان الإطاحة برئيس الجمهورية وسحب الثقة منه، كما أنه يمنح رئيس الحكومة صلاحيات أكبر من الحالية.

ومساء الخطاب الرئاسي، تباري الإعلام المصري في إبراز تلك العبارة التي لم تبث ضمن كلمة «السيسي» على التلفزيون الحكومي، ولم تتضمنها بيانات الرئاسة.

واستحوذت كلمة «السيسي» عن دستور النوايا الحسنة، في ذلك اليوم، على برامج الـ«توك شو» التي تعرضها القنوات المصرية.

الإعلامي «أحمد موسى»، المؤيد للسلطات الحالية، وخلال برنامج «على مسؤوليتي»، الذي تقدمه قناة «صدى البلد» (خاصة)، أبدى تأييداً غير مباشر لتعديل الدستور، معلقاً على حديث «السيسي»، بالقول: «الرئيس قالها بشكل لطيف وظريف، لكن الحقيقة أن الدستور متعملش (لم يُعمل) للأسف من أساسه، بس مكنش (لم يكن) عندنا بديل إلا إننا نوافق كلنا، والله العظيم كلنا لبسنا (تورطنا في) الدستور، مع إني كنت من أول الناس اللي بتدعو للنزول والمشاركة».

وفي مؤتمر صحفي عقده التيار الديمقراطي بمقر حزب التحالف الشعبي ، قال «حمدين صباحي»، مؤسس التيار والمرشح الرئاسي السابق: «المكسب الوحيد الذي حصلنا عليه هو الدستور، ومع ذلك حالياً توجد هجمة عليه، ويشكك فيه، ويقال إنه وضع بحسن نية، والدول لا تبنى كذلك؛ وهذا غير صحيح فالدول تبنى بالنوايا الحسنة، والإرادة السياسية، والعدالة الاجتماعية، وإنصاف الفقراء».

* الإثنين 14 سبتمبر/ أيلول

«السيد البدوى»، رئيس حزب الوفد، المؤيد لـ«السيسي» وعضو لجنة الخمسين التي وضعت دستور 2014، قال في تصريحات صحفية إن حديث الرئيس يتطابق مع رؤيته بضرورة تعديل بعض مواد الدستور؛ لتلائم الظروف التي تمر بها البلاد.

«النوايا الحسنة في الدستور»، عنوان مقال للكاتب المصري، «وجدي زين الدين»، في صحيفة «الوفد»، لتأييد التعديل، قال فيه: «الرئيس قال إن الدستور تم وضعه بنوايا حسنة، والدول  لا تُبني بالنوايا الحسنة.. وهو الحديث الذي تناولته من قبل عندما قلت إن هناك توغلاً تشريعياً على حساب باقي السلطات خاصة التنفيذية».

والمادة 161 من الدستور على وجه التحديد، بحسب «زين الدين»، والتي تتعلق بسحب الثقة من الرئيس «فيها تهديد شديد على عمل السلطة التنفيذية بل بمثابة لغم.. ففي الوقت الذي يقوم فيه رئيس الجمهورية المنتخب بإرادة شعبية وفي انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، ونال ثقة المصريين جميعاً، نجد أن سلطة البرلمان بما حصل عليه من توغل في الدستور يمثل خطراً لو لم يكن توافقياً، أو لم يكن ظهيراً للدولة الجديدة ومشروعها الوطني».

* الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول

«مظهر شاهين»، رجل الدين المؤيد لـ«السيسي»، يعلن عبر صحفته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن تأسيس حملة "هنعدل (سنعدل ) الدستور"، مشيراً إلى أن الهدف من حملته هو أن «يكون نظام الحكم في مصر رئاسياً، على أن تكون السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية بالكامل، وأن تكون مدة الفترة الرئاسية 6 سنوات لفترتين متتاليتين».

وطبقاً لدستور 2014، يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة.

«ناجى الشهابى»، رئيس حزب الجيل، المؤيد لـ«السيسي»، شدد في بيان له على «ضرورة تعديل مدة حكم رئيس الجمهورية لتكون 6 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ليستطيع الرئيس وضع خطة خمسية، والانتهاء من تنفيذها قبل رحيله، ومنح الرئيس حق إقالة الوزير والحكومة».

«كمال الهلباوي»، عضو لجنة الخمسين التي وضعت الدستور، كتب مقالاً في صحيفة «الوطن» (الخاصة) تحت عنوان «النوايا الحسنة في خطاب الرئيس وفى الدستور»، انتقد فيه ما أسماه وجود «من يطعن في الدستور» بعد خطاب «السيسي».

وفي تصريحات لبرنامج «صوت الناس»، الذي يعرض على فضائية «المحور» (خاصة)، قال «الهلباوي»: «نحن عندما انتخبنا السيسي رئيسًا لمصر(في يونيو/حزيران 2014) كان لدينا نوايا حسنة أنه سيكون رئيسًا جيدًا»، مضيفاً: «يجب علينا جميعًا، وأولنا رئيس الجمهورية، احترام الدستور؛ لأن الشعب هو الذي اُستفتى عليه وأقره، ويجب احترام اختيار الشعب».

* الأربعاء 16 سبتمبر/أيلول

الكاتبة المصرية «نادين عبد الله»، وفي مقال لها نشرته صحيفة «المصري اليوم» (خاصة) تحت عنوان «دستور النوايا الحسنة» قالت فيه: «الغريب في الأمر فهو أن التصويت الكاسح بنعم على الدستور لم يهدئ من الأصوات الناقدة له، والتي بدت في تزايد مستمر في نفس وسائل الإعلام التي روجت له، وكأنها نسيت أن النظام الحالي قد أسس شرعيته بناءً عليه».

وفي تقرير نشرته الصحيفة ذاتها بعنوان: «الدستور بين النوايا الحسنة وفوبيا الاستبداد»، قال «حسين عبد الرازق»، نائب رئيس حزب التجمع، عضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور المنتهى عملها، إن «المطالبة بتعديل الدستور قبل تطبيقه شيء غير منطقي وغير مقبول، ولم يحدث في أي دولة في العالم، خاصة أن الدستور لم يُفعّل بعد؛ لأن تفعيله يتم من خلال إصدار قوانين تترجم مواد الدستور».  

من جانبه، قال «مصطفى بكرى»، الإعلامي المؤيد للنظام الحالي، في تصريحات للصحيفة نفسها، إن هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس عن الدستور؛ فقد سبق أن تحدث عن نفس الأمر في شهر رمضان الماضي، مشيراً إلى أن «كل ما في الأمر الرغبة في تعديل باب سلطات الرئيس (خاص بالصلاحيات)؛ لأن الدستور الحالي يعطى مجلس النواب ورئيس الوزراء سلطات تنفيذية أعلى من سلطات رئيس الجمهورية».

وعاد وكرر «بكرى» مطالبه بتعديل الدستور لصالح زيادة صلاحيات الرئيس في مداخلة هاتفية لبرنامج «حضرة المواطن» الذي يقدمه الإعلامي «سيد على»، على فضائية «العاصمة»، قائلاً: «الدولة تتعرض لإرهاب وتآمر، وعندما تٌقلم كل أدوات القوة لرئيس الجمهورية، فهذا يعنى وجود خلل في السلطات».

وأضاف: «نخشى صراع السلطات، ومطلوب إزالة المادة 146 من الدستور، والتي تقول إن الرئيس يختار رئيس الوزراء ويعرضه على البرلمان، ولو أن البرلمان رفض التشكيل الوزاري بعد ذلك يحل رئيس الجمهورية البرلمان، والمجلس القادم قد يُحل بعد شهر من تشكيله بسبب الدستور الحالي».

وهو الأمر الذي أيده فيه «مرتضى منصور»، رئيس نادي الزمالك، الذي قال في مداخلة هاتفية لأحد البرامج على فضائية «القاهرة اليوم» (خاصة)، مع الإعلامية «رانيا بدوي»، إن «الدستور رفع صلاحيات كثيرة من الرئيس، الدستور ده (هذا) لازم  يتغير وإلا البرلمان ده مش هيعيش (لن يعيش)، أو رئيس الجمهورية مش هيكمل (لن يُكمل) مدته .. الدستور ده مش قرآن».

وفي تصريحات صحفية، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، «حسن نافعة»، إن حديث «السيسي» «يعكس توجهاً واضحاً منه لإجراء تعديلات دستورية نابعة من عدم ارتياحه لمواد فيه».

وتابع: «هذه التصريحات التي تم حذفها لاحقاً، شكلت خطأ سياسياً كبيراً يعكس الحرص على الانفراد بالسلطة، والسعي لعدم وجود برلمان قوي ينازع الرئيس سلطاته».

* الخميس 17 سبتمبر/أيلول

الكاتب المصري، «محمود خليل»، وفي مقال معارض لتوجه تأييد تعديل الدستور، نشرته صحيفة «الوطن» تحت عنوان «الرئيس والنواب والدستور»، قال فيه: «جوهر فكرة تعديل الدستور يرتبط بمجلس النواب، وقد كان من اللافت أن يربط الرئيس في حديثه مع شباب الجامعات ما بين هذين الأمرين، ويدعو البرلمان المقبل إلى التعامل مع الموضوع، وهو أمر يثير الاستغراب حقيقة؛ فالمفترض أن مجلس الشعب طرف حقيقي من أطراف السلطة والحكم في مصر، طبقاً لما منحه له دستور 2014 من صلاحيات».

وتساءل «خليل» في مقاله: «هل من المعقول أو الطبيعي أن تتنازل جهة تمتلك سلطة عما تمتلكه بهذا القدر من الأريحية والبساطة؟».

وفي تعقيب له على هذا الاهتمام والجدل حول تعديل الدستور من عدمه، قال «مختار غباشي»، نائب رئيس «المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية» (غير حكومي)، لـ«الأناضول»: «أخشي أن يكون ما نراه ونقرأه حملة تمهد لتعديل الدستور في مصر».

وحول جدوى انطلاق حملة لتعديل الدستور دون تصريح واضح من مؤسسة الرئاسة برغبتها في هذا، أضاف «غباشي»: «هذا ليس وقته، وغير مطلوب الآن؛ لأن المفروض هو أن نذهب لتطبيق الدستور مع بداية البرلمان وليس تعديله».

وتابع: «سرعة ترديد نغمة تعديل الدستور على هذا النحو نابع من وجود أحزاب لا تمتلك رؤية، وليست مؤهلة لتكون بديلاً للسلطة، خاصة وأن البرلمان يمنح الأغلبية بحسب الدستور، تشكيل حكومة ، وهذا مقلق للباحثين والمراقبين ويجب أن نتجاوزه».

  كلمات مفتاحية

مصر الدستور السيسي نوايا حسنة البرلمان

السيسي «يخشى» الدستور والبرلمان

مصر .. «السيسي» (لا) يريد انتخابات البرلمان؟!

طعون أمام «الدستورية» تهدّد بتأجيل الانتخابات المصرية

«الأمن الوطني»... جواز مرور نواب مصر للبرلمان

فضائية جديدة بتمويل إماراتي للتأثير علي الانتخابات البرلمانية المصرية

الاتحاد الاشتراكي السيسي

«السيسي» يبدأ خطوات إطالة مدته الرئاسية.. والإعلان عن تعديل الدستور قريبا