أمريكا: تنحسم الرئاسة ويبقى الانقسام؟

الجمعة 6 نوفمبر 2020 07:54 ص

أمريكا: تنحسم الرئاسة ويبقى الانقسام؟

لا يمكن اعتبار ترامب ونهجه «فلتة» أو طفرة في النظام الأمريكي فهناك سياق سياسيّ أدى لنجاحه قبل أربع سنوات.

إذا كان ترامب فائزا تنتفي تهمة الفساد عن نظام انتخابي انتخبه مرتين وإذا كان النظام فاسدا قابلا للتزوير فادعاؤه الفوز باطل.

حتى لو ذهب ترامب فسيترك وراءه «ترامبية» خطيرة طبعت الحزب الجمهوري وشعبيّة ستظل فاعلة ومؤثرة سنوات مقبلة.

أصبحت الحرب الأهلية الأمريكية التي أعاد ترامب تأجيجها حربا أهلية عالمية وقودها أنظمة الاستبداد وتيارات عنصرية متطرفة.

«الترامبية» تشجع على الصراع وتصدع المجتمع الأمريكي وتعمق استقطاب عنيفة بين تيارات عنصرية بيضاء عبّرت عن تأييدها له وبين فئات اجتماعية أخرى.

*     *     *

تحدّت نتائج حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه مايك بنس إحصاءات مؤسسات استكشاف الرأي التي كانت تتحدث عن فوز مضمون ومريح لخصمه الديمقراطي جو بايدن ونائبته كمالا هاريس.

وكان طبيعيا أن يعتقد كثيرون، في الليلة الأولى لإعلان النتائج، أن الرئيس حسم الأمور لصالحه، بحيث استعد كثيرون في العالم لأربع سنوات كارثية أخرى.

ورغم الاندفاعة الكبيرة التي شهدتها حملة بايدن بعد ذلك، وحسمها تصويت عدة ولايات مهمة بحيث رفعت أصوات المجمع الانتخابي لصالحها، بحيث لم يعد يفصل بايدن عن النجاح سوى أصوات قليلة، بقي الصراع محتدما بشدة.

فنجاح بايدن، لو حصل، سيكون نجاحا مخيّبا للأمل، لأنه حتى لو ذهب ترامب، فالواضح أنه سيترك وراءه إرث «الترامبية» التي لم تطبع الحزب الجمهوري الأمريكي بطابعها الخطير فحسب، بل أسست شعبيّة ستظل، على الأغلب، فاعلة ومؤثرة لسنوات طويلة مقبلة.

من الصفات المهمة لهذه «الترامبية» أنها تشجع على أشكال الصراع والتصدع داخل المجتمع الأمريكي، عبر تعميقها الاستقطابات العنيفة بين التيارات العنصرية البيضاء، التي عبّرت، بطرق عديدة عن تأييدها له، وبين باقي الفئات الاجتماعية.

ابتداء بالمسلمين الذين حرّض ترامب ضدهم خلال حملته الرئاسية السابقة، ثم منع مواطني عدد من بلدانهم الدخول إلى أمريكا بمجرد ما استلم الرئاسة، والسود الذين دفعتهم ممارسات الشرطة إلى الشوارع للاحتجاج ضمن حركة «حياة السود مهمة» بعد قتل شرطي أبيض لموقوف أسود خنقا.

وكذلك النساء اللاتي روعتهن ممارسات ترامب الاحتقارية للمرأة فسيّرن مظاهرة ضخمة بعد فترة قصيرة من وصوله إلى البيت الأبيض.

شهدنا منذ الأيام الأولى لحكم ترامب خلافات حادة مع جيرانه في المكسيك، فقد هدد الأخيرة ببناء سور عظيم لمنع المهاجرين منها وبتغريمها بتكاليف البناء. كما اشتبك مع رئيس وزراء كندا جستن ترودو الذي سخر منه علنا.

وانتقلت تدخلات ترامب وخلافاته إلى تفاصيل السياسة الداخلية لدى حلفاء مقربين من الولايات المتحدة الأمريكية كأستراليا وألمانيا وفرنسا والسويد، وفتح البيت الأبيض حربا اقتصادية على الصين، وقامت إدارته بفرض عقوبات على روسيا وكوريا الشمالية.

لكنّ الحال غلب ترامب وعبّر أكثر من مرة عن إعجابه بزعماء تلك البلدان الدكتاتورية، كما فتح الحبل على غاربه لإسرائيل والسعودية والإمارات، ودعم التيارات العنصرية في أوروبا وأمريكا اللاتينية، بحيث انتقلت الحرب الأهلية الأمريكية التي أعاد ترامب تأجيجها لتصبح حربا أهلية عالمية، وقودها أنظمة الاستبداد وتيارات العنصرية المتطرفة.

يتضمّن إرث ترامب أيضا احتقارا واضحا للديمقراطية عبّر عنه كلامه الثلاثاء بإعلانه فوزه، وباتهام النظام الانتخابي الأمريكي بالفساد، ثم بالمطالبة، أمس، بوقف جمع الأصوات.

وكلها تصريحات فيها تناقض منطقيّ هائل، فإذا كان فائزا فعلا فإن تهمة الفساد تنتفي عن النظام الذي قام بانتخابه مرتين، وإذا كان النظام الانتخابي فاسدا وقابلا للتزوير فإن ادعاءه الفوز باطل.

رغم كل ذلك، لا يمكن اعتبار ترامب ونهجه «فلتة» أو طفرة حصلت على النظام الأمريكي، فهناك سياق سياسيّ أدى لنجاحه قبل أربع سنوات.

وهناك أعطاب كبيرة داخل المجتمع الأمريكي ومشاكل في نظامه السياسي والانتخابي قامت تجربة ترامب باستنزافها إلى حدودها القصوى بشكل لا يهدد التجربة الديمقراطية الأمريكية فحسب، بل يهدد العالم أيضا، بتداعيات هائلة.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة، الانتخابات الأمريكية، دونالد ترامب، النظام الانتخابي الأمريكي، التزوير، الانقسام،

قنوات أمريكية تقطع كلمة ترامب أثناء حديثه عن تزوير الانتخابات