استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

"الترامبية وما بعدها" ومقاربات هنتنغتون

الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 12:37 م

"الترامبية وما بعدها" ومقاربات هنتنغتون

استدعت الترامبية  خطابات الاحتراب الهوياتي وتزامنت مع صعود يمينيات غربية وأوروبية ولا تزال تمثّل خطراً.

قاعدة اجتماعية عريضة تؤيد طروحات ترامب التي تهدّد السلام الاجتماعي الأميركي الداخلي وقيم التعدّدية والديمقراطية.

اتخذت الهوية الأميركية أبعادا عقائدية ودينية وعرقية وثقافية: هوية أنكلوساكسونية بروتستانتية وكان الانكليز القادمون يعرّفون أنفسهم مستوطنين لا مهاجرين.

*     *     *

رغم انتصار المرشّح الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فمن الصعوبة بمكان القول إنّ إرث الرئيس دونالد ترامب انتهى، أو إنّ التأثير العميق الذي أحدثه في أوساط المجتمع الأميركي سيتراجع بالضرورة، خاصة حالة الاستقطاب والانقسام الداخلي الذي شهدته الولايات المتحدة خلال فترته.

وقد أكدت صحيفة واشنطن بوست على هذه الفكرة بالقول إنّ الترامبية فكرة لا تموت، ولو فاز بايدن. وأشار المحلل السياسي الأميركي، إيشان ثارو، إلى أنّ الأصوات التي حصل عليها ترامب أكثر من التي حصل عليها في الانتخابات السابقة!

ما يعني أنّ قاعدة اجتماعية عريضة تؤيد، غالباً، طروحاته التي، وفقاً لبايدن، وتشاركه في ذلك نسبة كبيرة من الأميركيين والآخرين، تهدّد السلام الاجتماعي الأميركي الداخلي وقيم التعدّدية والديمقراطية، الأمر الذي لا يقتصر على الولايات المتحدة، بل تمتد آثاره إلى السياسات العالمية.

لم ينته التحدّي، إذاً، مع خروج ترامب من البيت الأبيض، فهنالك تحدٍّ كبير أمام الرئيس القادم (بعد الانتهاء من إصرار ترامب على عدم الاعتراف بالهزيمة) في استعادة الروح الأميركية الجماعية، وإعادة أميركا إلى الحالة السابقة.

لكنّها مهمة ليست سهلة، لأنّ ترامب لم يأت من فراغ، ولم ينجح إلا لأنّه يعكس توجهات قاعدة اجتماعية عريضة، أصبحت مؤيدةً لخطابه الذي يحاكي هواجس هذه الشريحة في موضوع الهوية الأميركية من الثقافات والمجتمعات الأخرى، بخاصة اللاتينية والمكسيكية على وجه التحديد، والإسلامية بدرجة ثانية.

يقودنا ذلك بوضوح إلى كتاب صموئيل هنتنغتون الذي كتبه في العام 2004 "من نحن: المناظرة الكبرى حول أميركا" (Who Are We)، وهو آخر كتبه (توفي في 2008)، ويناقش فيه المخاطر على الهوية الأميركية، التي يرى أنّها أخذت طابعاً معيناً منذ ثلاثة قرون ذات أبعاد عقائدية ودينية وعرقية وثقافية، وهو هوية أنكلو ساكسونية - بروتستانتية، وكان الإنكليز القادمون من الخارج يعرّفون أنفسهم مستوطنين، لا مهاجرين.

وفقاً لهنتنغتون، تشكلت الهوية الأميركية من عناصر رئيسية، وقامت على قدرة الولايات المتحدة على إدماج الجميع ضمن إطارها، ولكنها مع ارتفاع معدلات الهجرة الكبيرة لدى اللاتينيين، بخاصة المكسيكيين، منذ فترة الستينيات، بدأت تواجه خطراً حقيقياً.

وكأنّ أميركا تتحول إلى بلد ثنائي الثقافة واللغة والهوية، مع صعوبة اندماج المكسيكيين في المجتمعات الأميركية. وبدلاً من ذلك، بدأت تهيمن الثقافة الهسبانية على بعض المناطق بصورة واضحة، كمدينة ميامي، على سبيل المثال.

المهم في الموضوع أنّ المؤلف توقّع أنّ مثل هذه التحولات والأخطار التي يشعر بها الأميركيون على هويتهم وثقافتهم ستحرّك، بالضرورة، التيارات اليمينية الأميركية، بذريعة الدفاع عن الثقافة في مواجهة المهاجرين والثقافات الجديدة.

وقد تؤدي إلى انقساماتٍ اجتماعيةٍ واسعةٍ وكبيرة، وربما إلى تحولاتٍ جوهريةٍ في الوحدة الجغرافية والسياسية في الولايات المتحدة، ويصل إلى القول إنّ التاريخ مليء بالمفاجآت، وأعظم مفاجأة هي فيما إذا بقيت الولايات المتحدة في العام 2025 كما كانت عليه في العام 2000.

لم يقتصر تخصص هنتنغتون بالهويات وصدامها والتصدعات على هذا الكتاب، فمعروف أنّه المنظّر الرئيس لسيناريو "صدام الحضارات"، في كتابه الذي حمل العنوان ذاته قبل عقدين ونصف، وأثار حينها، ولا يزال، نقاشاً وجدلاً واسعاً.

لكن المفارقة الرئيسية أنّه في وقتٍ نستحضر ما كتبه عن الهوية الأميركية (كتب ذلك قبل صعود الترامبية)، فإنّ خطابات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، غداة الحادثة الإرهابية بقتل أستاذ مدرسة فرنسي (بعد حصة مدرسية تحدث فيها عن حرية التعبير وعرض الرسوم المسيئة للرسول الكريم ﷺ) تؤجج هي الأخرى، وما تلاها من تداعيات، من نزوع صدام الحضارات أو الهويات الدينية (بخاصة بعد الحادثة الإرهابية في النمسا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي)، ما يعزّز الخطابات اليمينية الإقصائية على الضفاف المختلفة للهويات، سواء تحدثنا عن اليمينيات الأوروبية أو الأميركية المتطرّفة أو حتى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي أتقن توظيف سيناريوهات صدام الحضارات وقضية الهويات، بصورة كبيرة، للتجنيد والدعاية الإعلامية والسياسية.

بيت القصيد أنّ الترامبية التي استدعت خطابات الاحتراب الهوياتي، وانتعشت معها السلطويات في العالم العربي (بعد تعزيز التشكيك بالديمقراطية وقيمها وجدواها)، وتزامنت مع صعود اليمينيات الغربية والأوروبية، لا تزال تمثّل خطراً، ليس فقط على صعيد الداخل الأميركي، بل على الصعيد العالمي أيضاً.

وهنالك اليوم خطابات متناسقة معها في أوروبا والغرب، وامتحانات عسيرة لا تزال تواجه قيم التعايش والديمقراطية والتنوع التي تأسست عليها الديمقراطيات الغربية، وساعدت في إيجاد حلم للشعوب والمجتمعات الأخرى باللحاق بالمجتمعات الديمقراطية، وبتأسيس أنظمة ديمقراطية تؤمن بالمواطنة والتعدّدية الثقافية والدينية والسياسية.

* د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

الترامبية، دونالد ترامب، الولايات المتحدة، جو بايدن، الديمقراطية، إيمانويل ماكرون، داعش، احتراب هوياتي،