هل ينكسر حياد سلطنة عمان على صخرة المهرة اليمنية؟

الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 09:26 م

يعد الحياد أحد أعظم أصول سلطنة عُمان. وتحت قيادة السلطان الراحل "قابوس بن سعيد"، نجحت عُمان في اجتياز اختبارات سقوط الشاه في إيران، والحرب الباردة ونهايتها، والحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، والربيع العربي.

وخلال كل هذه الأحداث العالمية والإقليمية، حافظت عُمان على حيادها واستقلالها. وتحافظ عُمان، على سبيل المثال، على علاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة وبريطانيا، بينما تتمتع في نفس الوقت بعلاقات بناءة مع إيران.

علاوة على ذلك، بالرغم من تحالف السعودية والإمارات ضد إيران وقطر وتركيا، فقد تمكنت عُمان من العمل مع كل هذه الدول لمعالجة القضايا الإقليمية.

وأدت السياسة الخارجية التي رسمها السلطان الراحل "قابوس" إلى أن تصبح عُمان وسيطا مقبولا بين الدول المتنافسة في الخليج والقوى العالمية ذات المصالح في الخليج. وفي دورها كوسيط، سهلت عُمان المفاوضات بين الأطراف المتحاربة، وضمنت إطلاق سراح السجناء المحتجزين في إيران، بما في ذلك 3 مواطنين أمريكيين عامي 2010 و2011.

واستفادت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، من مكانة عُمان الموثوق بها كمحاور قادر على إجراء مفاوضات عبر القنوات الخلفية مع إيران وكذلك مع الفصائل السياسية والعسكرية مثل طالبان والحوثيين.

ومع ذلك، تشكل الحرب المستمرة في اليمن تحديا متزايدا لسياسة عُمان الخارجية المحايدة. ويرجع ذلك إلى أطماع السعودية في محافظة "المهرة" اليمنية، المتاخمة لسلطنة عُمان. ومع ذلك، يبقى دور عُمان كوسيط مهما لإنهاء الحرب في اليمن.

ولقد أدى تورط قوى متعددة في الحرب، بما في ذلك السعودية والإمارات وإيران، إلى جعل اليمن ساحة تصعيد عنيفة للتوترات الإقليمية. ويتم تشجيع جميع أطراف الحرب وتمويلهم وتسليحهم من قبل قوى خارجية، وقد يكون من الصعب على عُمان البقاء على الحياد.

  • تحركات سعودية وردود فعل عُمانية

وقبل أن تطلق السعودية تدخلها العسكري في اليمن، في مارس/آذار 2015، حذر السلطان "قابوس" وكبار مستشاريه مرارا وتكرارا كبار أعضاء أسرة "آل سعود" من المخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا التدخل.

ولم يستجب السعوديون ولا الإماراتيون المتحالفون معهم لهذه التحذيرات. وأكد البلدان أن هزيمة الحوثيين ستكون سريعة وحاسمة ومن ثم إعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا برئاسة الرئيس "عبدربه منصور هادي". والآن، بعد ما يقرب من 6 أعوام من الحرب، تسعى الإمارات والسعودية إلى وضع نهاية للصراع تحفظ ماء الوجه.

لكن إنهاء الحرب، أو بالأحرى الحروب المتداخلة في اليمن، بطريقة تحقق على الأقل بعض الأهداف الأمنية للسعودية، ليس بالمهمة السهلة. ومن المفارقات أن التدخل الذي تقوده السعودية، الذي سعت من خلاله إلى هزيمة الحوثيين والقضاء على التدخل الإيراني في اليمن، عزز الحوثيين بدلا من ذلك وسمح لإيران بتعميق علاقتها بهم.

وتلعب عُمان دورها في تسهيل المفاوضات عبر القنوات الخلفية بين الحوثيين والسعودية. ولعبت الحكومة العُمانية، بقيادة السلطان "هيثم بن طارق آل سعيد"، ابن عم السلطان الراحل، مؤخرا دورا محوريا في التفاوض على تبادل الأسرى بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

وكذلك حذر "قابوس" وكبار مستشاريه السعودية والإمارات من عدم وجود حل عسكري للحرب في اليمن؛ لأنه لا يوجد طرف، بما في ذلك الحوثيون، لديه القدرة على هزيمة الأطراف الأخرى بشكل كامل. وبدون وقف التصعيد وإطار عملي وواقعي للسلام، ربما تتحول الحرب في اليمن لنزاع متوسط ​​إلى منخفض الحدة يستمر لأعوام أو حتى عقود.

  • أهمية محافظة المهرة

وتدرك عُمان، التي تشترك في حدود وعرة بطول 183 ميلا مع اليمن، تماما أن الحرب في اليمن لن تبقى في اليمن إذا استمرت لوقت أطول. وتعاملت عُمان بالفعل مع آلاف اليمنيين النازحين الذين ينتقلون عبر حدود عُمان، مع زيادة التهريب، وتكاليف توفير كميات هائلة من المساعدات الإنسانية الحيوية. ويأتي كل هذا في وقت تواجه فيه عُمان أزمة مالية ناجمة عن انخفاض أسعار النفط، ومدفوعات الديون، والتداعيات الاقتصادية العالمية لجائحة "كوفيد-19".

وكانت المهرة، المحافظة اليمنية التي تشترك في الحدود مع عمان، معقلا للاستقرار طوال معظم فترة الحرب. ويعزى هذا الاستقرار إلى حد كبير إلى تماسك وتقاليد القبائل في المهرة.

وتعد السلطات العُمانية في وضع جيد للتخفيف من حدة الصراع في المهرة؛ لأنها تتمتع بعلاقات جيدة منذ فترة طويلة مع النخب القبلية التي تمتد أراضيها إلى محافظة ظفار العمانية المجاورة.

وبالطبع فإن السيطرة على الحدود مع اليمن أمر بالغ الأهمية لأمن عُمان. ومع ذلك، تمثل السيطرة على الحدود الطويلة، التي تعبر الجبال والصحاري، تحديا حتى مع قوة الحدود العُمانية المدربة والمجهزة جيدا، وهي لواء مشاة ميكانيكي.

ولا يزال التهريب على طول الحدود، الذي لطالما كان دعامة أساسية للاقتصاد المهري، منتشرا. وللمساعدة في السيطرة على التهريب والحفاظ على الاستقرار والأمن، اعتمدت عُمان على علاقاتها الطويلة مع شيوخ قبائل المهرة، وكثير منهم مواطنون يمنيون عُمانيون. وتعتبر عُمان المهرة حاجزا مهما بينها وبين الفوضى التي اجتاحت معظم اليمن.

وتهدد الطموحات السعودية في المهرة الآن الاستقرار الذي كانت تتمتع به المحافظة من قبل. وعلى مدى العامين الماضيين، انخرطت السعودية في السياسة القبلية للمحافظة، وأقامت أيضا وجودا عسكريا في عاصمة المحافظة، "الغيداء"، وفي منطقة "حوف".

وإضافة إلى القوة الصلبة، حاول السعوديون ممارسة القوة الناعمة من خلال إنشاء مدارس مستوحاة من المناهج السلفية في المهرة. ومن خلال الاحتجاجات وبعض المواجهات المسلحة، يقاوم أهالي المهرة ما يعتبره الكثيرون استيلاء سعوديا على المحافظة.

وتعتبر السعودية المهرة من الأصول ذات القيمة العالية. وستسمح السيطرة على المهرة أو النفوذ فيها للسعوديين بالوصول إلى خليج عدن. ولطالما أرادت السعودية إنشاء خط أنابيب عبر اليمن من شأنه أن يسمح لها بتقليل اعتمادها على مضيق هرمز.

وينظر السعوديون أيضا إلى عملياتهم العسكرية ونفوذهم في المهرة على أنها وسيلة لممارسة الضغط على عُمان في وقت يُنظر فيه إلى عُمان على أنها في وضع صعب؛ بسبب ضعف اقتصادها ووفاة السلطان "قابوس" في يناير/كانون الثاني الماضي. وتريد السعودية والإمارات إجبار عُمان على الخروج من مدار إيران وقطر.

  • ما ينتظر السعودية وعُمان

ومن غير المرجح أن تنجح خطط السعودية الخاصة بالمهرة. فالمجتمع القبلي في المهرة يناضل ضد النفوذ الأجنبي بشكل مستمر. وفي الوقت نفسه، من الضروري أن تواصل عُمان بذل ما في وسعها لإدارة الوضع في المهرة من خلال علاقاتها الراسخة مع شيوخ القبائل والنخب الأخرى في المحافظة.

وفي مرحلة ما، قد تضطر عُمان إلى الانحياز إلى جانب في الحرب في اليمن، على الأقل فيما يتعلق بتحركات السعودية في المهرة. وإذا انحازت إلى أي طرف، فإن عمان تخاطر بالمساس بدورها كوسيط محايد وموثوق. ولن تضر مثل هذه الخطوة بالسلطنة فحسب، بل ستلحق الضرر أيضا بآفاق الاستقرار في المنطقة الأوسع.

المصدر | مايكل هورتون/مؤسسة جيمس تاون - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

محافظة المهرة حرب اليمن حياد عمان التدخل السعودي الأطماع السعودية

السعودية والإمارات وعمان.. ما وراء الصراع الخليجي على المهرة اليمنية