فايننشال تايمز: تركيا اخترقت مجال النفوذ الروسي بعد انتصار أذربيجان

الأحد 15 نوفمبر 2020 01:30 ص

مع رفع قبضته معبرا عن انتصاره، وضع وزير الدفاع الأذربيجاني ذراعه حول نظيره التركي، مبتسما وهو يرتدي زيا عسكريا.

وفي التعليق الرسمي على الصورة من حساب وزارة الدفاع الأذربيجانية، كُتب التالي: "القائد العام للجيش المنتصر ووزير دفاع أقرب حليف لأذربيجان".

ويعتبر ذلك تصريحا لافتا من الدولة السوفيتية السابقة، والتي كانت تنظر في السابق إلى روسيا شمالا باعتبارها أهم شريك لها.

لكن الصراع المستمر منذ 6 أسابيع مع أرمينيا حول منطقة ناغورني قره باغ والذي انتهى بمكاسب كبيرة لأذربيجان بدعم من تركيا، أدى إلى إعادة ضبط بوصلة باكو الإقليمية.

وتُجمد الهدنة، التي تم الإعلان عنها مساء الإثنين الماضي، الصراع والتقدم الإقليمي لأذربيجان، وتشمل اتفاقات على تسليم أرمينيا (حليف روسيا الدفاعي) أراضٍ إضافية لجارتها بحلول نهاية الشهر الجاري.

وبينما توسطت موسكو في الهدنة، وشاركت في الاتفاق بإرسال قوات حفظ سلام، عزز انتصار أذربيجان بدعم تركيا نفوذ أنقرة الجديد في منطقة القوقاز التي يعتبرها الكرملين الفناء الخلفي الجيوسياسي لروسيا.

وقال "رسلان بوخوف"، مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات الدفاعي الروسي، إن "العواقب الجيوسياسية كارثية، ليس فقط لأرمينيا، ولكن لروسيا أيضا.. لقد كان الحليف الروسي هو الخاسر في تلك المعركة. وفاز الحليف التركي بشكل لافت".

وأضاف: "وراء هذا الستار الرقيق من الانتصار المزعوم للسياسة الخارجية الروسية، أي الوساطة الناجحة وجلب قوات حفظ السلام إلى المنطقة، فإن الواقع القاسي هو أن نفوذ موسكو في منطقة القوقاز قد تراجع بشكل حاد، في حين أن هيبة تركيا قد نمت بشكل لا يصدق".

وكانت ناغورني قره باغ معترف بها دوليا كأراضٍ أذربيجانية، لكن تم احتلالها وعدد من المناطق المجاورة من قبل القوات الأرمينية منذ أوائل التسعينيات.

وخلال الصراع الذي اندلع في أواخر سبتمبر/أيلول، تعهدت أذربيجان باستعادة كل الأراضي، وكانت على وشك محاصرة عاصمة المنطقة قبل أن ترفع أرمينيا دعوى من أجل السلام.

وبينما تؤكد الهدنة على دور الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" كوسيط إقليمي لا غنى عنه، فإنها توجب الاعتراف بتركيا كلاعب جيوسياسي في القوقاز أدى دعمه لباكو إلى تغيير موازين النزاع الذي حافظت موسكو على توازنه لأكثر من 25 عاما.

ويعتمد تأثير الكرملين على منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي على العلاقات التجارية، وغالبا ما تتضمن صادرات الطاقة الرخيصة والمساعدة المالية من خلال القروض والاستثمارات من قبل الشركات الروسية المملوكة للدولة، فضلا عن قوة جيشها الهائلة.

ويعد هذا العنصر الأخير هو الأقوى، لكنه الأصعب من حيث الاستخدام.

واتخذت أذربيجان مخاطرة محسوبة، بدعم من تركيا، باعتبار أن موسكو لن تكون مستعدة للتدخل عسكريا في نزاع حول ناغورني قره باغ، وقد ثبتت صحة هذا الرهان لأكثر من 6 أسابيع. ومن خلال مكاسبها الإقليمية الكبرى، أثبتت باكو أن موسكو ليست القوة العسكرية الوحيدة القادرة على إعادة ترسيم الحدود بحكم الأمر الواقع في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي.

وأشاد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بالاتفاق، في خطاب ألقاه الأربعاء الماضي، قائلا "انتهى احتلال الأراضي التابعة لقره باغ وأذربيجان منذ 28 عاما رسميا".

وقال "أونور إيسي" الأستاذ المساعد للعلاقات الدولية في جامعة بيلكنت في أنقرة: "يرى أردوغان تركيا كقوة إقليمية. وهذا شيئ لن يتنازل عنه. ولن تعود تركيا لتصبح تابعا للناتو كما كان الوضع في الخمسينيات. وأعتقد أن تركيا تحاول اقتناص مسار مستقل لنفسها".

وأضاف: "ستخوض روسيا وتركيا صراعات سياسية هنا وهناك. وبالرغم أنهما لا يتفقان في عدد من القضايا الجيوسياسية. لكنهما يحاولان إدارة هذا الخلافات. ولا أعتقد أننا سنرى أبدا، سواء في سوريا أو القوقاز، حالة كاملة من التحالف العسكري بين الأتراك والروس".

ويقابل توغل تركيا في منطقة القوقاز دخول موسكو الحاسم إلى الحرب في سوريا عام 2015 وأنشطتها المستمرة في ليبيا، وهي المناطق التي تعتبرها أنقرة مجال نفوذها. وسعى الزعيمان اللذان يدعمان الجانبين المتعارضين في كلا الصراعين، إلى الحفاظ على علاقات مستقرة نسبيا تستند جزئيا إلى عدم الثقة المشترك تجاه الغرب.

وقال "ستانيسلاف بريتشين" كبير الباحثين في مركز دراسات ما بعد الاتحاد السوفيتي في أكاديمية العلوم الروسية: "تعد تصرفات تركيا في ناغورني ردا على الأنشطة الروسية في الشرق الأوسط. وتحاول تركيا بهذا أن تكون لاعبا عالميا وأن يكون لها موطئ قدم في كل زاوية من الخريطة".

ومن هذا المنظور، تنظر أنقرة إلى جنوب القوقاز كمنطقة مريحة خالية من المخاطر المحتملة.

لكن تركيا تعتمد فقط على أذربيجان وليس لديها فهم جيد للتعقيدات الإقليمية خارج تلك المساحة المحدودة.

ويؤكد نشر روسيا لما يقرب من 2000 جندي في ناغورني قره باغ هذا الأسبوع استمرار نفوذ موسكو، لكنه سيزيد من تساؤل الكرملين عن مستقبل المنطقة.

وقالت "أولجا أوليكر" مديرة أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية: "حصلت أذربيجان على قدر كبير مما تريده، ولكن يبدو أن جزءا من التكلفة يأتي في صورة المزيد من النفوذ الروسي داخل حدودها، وفي الوقت نفسه، تتحمل روسيا الآن مسؤولية أكبر بكثير عن هذا الصراع مما كانت عليه في أي وقت مضى، وسيكون هذا عبئا لبعض الوقت في المستقبل".

وتتجادل روسيا وتركيا بشأن تفاصيل تسوية وقف إطلاق النار، بما في ذلك ما إذا كانت أي قوات تركية ستشارك في حفظ السلام، وهو أمر تريده باكو لكن موسكو تعارضه.

وقال الكرملين إن تركيا ستشارك في "مركز مشترك" لمراقبة الالتزام بمعايير وقف إطلاق النار، لكنه نفى بيان باكو بأنه مقره سيكون في ناغورني قره باغ.

وقال وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" إن أنقرة وموسكو على اتصال دائم حول كيفية مراقبة وتنظيم هذه الاتفاقية، مضيفا: "لقد وقفنا إلى جانب شقيقتنا أذربيجان طوال الوقت، سواء كان ذلك في الميدان أو على طاولة المفاوضات".

المصدر | فايننشال تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ناغورني قره باغ النفوذ التركي جنوب القوقاز النفوذ الروسي الحرب الأرمينية الأذربيجانية تركيا روسيا أرمينيا أذربيجان

تلجراف: تركيا صنعت مجدا جديدا بعد حرب أذربيجان وأرمينيا

بوتين يحذر: تراجع أرمينيا عن اتفاق قرة باغ انتحار

رسميا.. جيش أذربيجان يدخل منطقة أغدام تنفيذا لوقف النار

تركيا: أنشطتنا مع روسيا في قره باغ مستمرة وفق مخططاتنا

ناشيونال إنترست: مستقبل تركيا لن يعتمد على روسيا أو الغرب