ماذا وراء تمدد النفوذ الفرنسي في منطقة الخليج؟

الخميس 19 نوفمبر 2020 01:24 ص

مارست فرنسا في عهد الرئيس "إيمانويل ماكرون" سياسة خارجية أكثر نشاطًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعززت باريس من نشاطها في منطقة الخليج وخاصة مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتصاعد المنافسة التركية الفرنسية في عدة مسارح.

وقبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانت المملكة المتحدة الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تمتعت بعلاقة مميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي.

ولكن بعد مغادرة المملكة المتحدة، أصبحت باريس الآن في وضع جيد لشغل هذا الوضع.

ويسعى "ماكرون" إلى الاضطلاع بدور قيادي في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.

وتعتبر فرنسا العضو الوحيد في الاتحاد الذي أظهر بعض الاستعداد لنشر أصول عسكرية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو أمر مهم لدول الخليج التي تعطي الأولوية للضمانات الأمنية من الشركاء.

كما أن السياسة الخارجية الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تسير حاليا في مسار تصادمي مع تحركات تركيا الإقليمية في وقت تتطلع فيه أنقرة أيضًا إلى زيادة نفوذها في الخليج.

وتؤدي العلاقة الصعبة بين "ماكرون" والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، والتي تتصاعد إلى حد الإهانات الشخصية، إلى تفاقم التوترات بين باريس وأنقرة.

داخل دول مجلس التعاون الخليجي وربما العالم العربي ككل، تعتبر الإمارات الشريك الأقرب لفرنسا.

وفي السنوات الأخيرة، تعاونت فرنسا والإمارات بشكل وثيق في العديد من ملفات السياسة الخارجية.

وقد عززت تصوراتهما المشتركة عن الجماعات الإسلامية و"خطر" صعود تركيا الإقليمي مثل هذا التعاون الثنائي.

ويتجلى التآزر بين باريس وأبوظبي بشكل أكثر وضوحًا عندما يتعلق الأمر بليبيا وشرق البحر المتوسط و الساحل الإفريقي ​​وحرية الملاحة في مضيق هرمز.

في ليبيا، تعتبر فرنسا هي العضو الوحيد في الاتحاد الأوروبي المنخرط بنشاط في الصراع إلى جانب الجنرال "خليفة حفتر" الذي يتخذ من برقة مقراً له، والذي يتلقى دعماً قوياً من الإماراتيين.

في منطقة الساحل الإفريقي، تعد أبوظبي داعمًا ماليًا رئيسيًا لمبادرة فرنسا "جي5" لتعزيز القوات العسكرية لبوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر إلى جانب حوالي 5000 جندي نشرتهم باريس في المنطقة.

وعندما يتعلق الأمر بشرق البحر الأبيض المتوسط​​، تدعم كل من فرنسا والإمارات اليونان وقبرص بقوة.

ووسط تصاعد التوترات مع تركيا بشأن المطالبات البحرية المتنافسة على تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة، والتي تنطوي على حقوق في منطقة غنية بالغاز الطبيعي، كانت الإمارات الدولة الأكثر انخراطًا سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا من بين دول مجلس التعاون الخليجي. وقد أجرت باريس وأبوظبي في أغسطس/آب 2020 تدريبات عسكرية مشتركة مع أثينا في رسالة إلى تركيا.

بالإضافة إلى صفقات الأسلحة المتكررة بين البلدين، فقد استفاد التعاون الدفاعي الفرنسي الإماراتي بالتأكيد من وجود أول قاعدة فرنسية في منطقة الخليج والتي تعرف بـ"معسكر السلام" في أبوظبي منذ عام 2009.

وتعمل القاعدة حاليًا كمقر لبعثة الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا لضمان الشحن الآمن في مضيق هرمز، في أعقاب الهجمات والتوترات المتكررة في المنطقة في عام 2019.

تؤكد إدانة ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" الشديدة للهجمات الأخيرة في فرنسا خلال اتصال هاتفي مع "ماكرون" العلاقة الوثيقة بين الإمارات وفرنسا.

ويأتي عرض الدعم هذا في أعقاب قرار أبوظبي بالوقوف إلى جانب باريس حيث انخرط "ماكرون" في حرب كلامية مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي المثيرة للجدل حول الإسلام في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2020.

شراكة متنامية مع السعودية

حاولت فرنسا والسعودية طوال عام 2020، تعزيز العلاقات الثنائية على جميع المستويات.

وقد شكلت زيارة وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" في يناير/كانون الثاني 2020 إلى الرياض وإلى موقع "مدائن صالح" الأثري، حيث يعمل فريق فرنسي على تطوير مركز سياحي رئيسي، خطوة حاسمة في دفع التعاون الثقافي على المستوى الثنائي.

وقد سافر وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان آل سعود" إلى باريس في يوليو/تموز لعرض التعاون السياسي والتنسيق بشأن ملفات حساسة في شمال أفريقيا مثل ليبيا وتونس. كما أوضحت المناقشات الثنائية الاهتمام المتزايد للشركات الفرنسية بالفرص المستقبلية المتعلقة ببرنامج التنويع الاقتصادي في السعودية "رؤية 2030".

ويمكن القول إن استعداد فرنسا لتوسيع وجودها العسكري في الخليج وتعرض السعودية للتهديدات الخارجية يجعلان الصفقات الدفاعية الأخيرة بين باريس والرياض ذات أهمية خاصة لتعزيز العلاقات الثنائية.

وفي أعقاب الهجمات التي دبرتها إيران ضد منشآت بقيق النفطية في السعودية، نشرت فرنسا "فرقة عمل جاكوار" ونظام رادار متقدم على الساحل الشرقي للمملكة لدعم الدفاعات الجوية والصاروخية للرياض في يناير/كانون الثاني 2020.

وفي نفس الشهر أيضًا، بدأت السعودية في إدخال زوارق اعتراض "HSI 32" التابعة لها، وهي جزء من صفقة بقيمة 480 مليون دولار تم توقيعها بين الرياض وحوض بناء السفن الفرنسي "CMN" في عام 2018 لتجهيز 39 زورقا اعتراضيًا من طراز "HSI 32" للبحرية السعودية.

وتتضمن الاتفاقية أيضًا تجميع بعض السفن في المملكة كجزء من برنامج نقل التكنولوجيا الذي وافقت عليه باريس والرياض.

وتتجلى العلاقة المتزايدة بين فرنسا والمملكة في قرار "ماكرون" بالسماح للقوات العسكرية للرياض بالتدريب على الأراضي الفرنسية بالأسلحة المستخدمة في الحرب في اليمن.

وبالنظر إلى أن الحملة التي تقودها السعودية في اليمن لا تحظى بشعبية بشكل ملحوظ وتعد مثيرة للجدل في جميع أنحاء الغرب، فإن مثل هذا الدعم الفرنسي للرياض في اليمن يؤكد على التقارب بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، لم تنضم السعودية في الآونة الأخيرة إلى دعوات الدول الإسلامية الأخرى لاتخاذ إجراءات ضد الصور المسيئة للنبي "محمد".

وبدلاً من ذلك، أصدرت وسائل الإعلام الحكومية في الرياض بيانًا يدين أي تحريض على الكراهية والعنف والتطرف ضد فرنسا.

ويتوافق ذلك مع جهود ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" لتصوير السعودية على أنها "معتدلة" و "متسامحة".

الانسحاب الأمريكي يمنح فرنسا فرصة في العراق

كانت زيارة "ماكرون" لبغداد في سبتمبر/أيلول 2020  إشارة على الأهمية التي تراها فرنسا في علاقتها المستقبلية مع العراق.

ومع محاولة المسؤولين العراقيين التكيف مع التأثير العسكري المتراجع للولايات المتحدة في بلادهم، تعمل بغداد على تنويع شراكاتها الأمنية.

وتعد فرنسا جزءا من هذه المعادلة حيث يتناسب هذا التوجه مع سعي "ماكرون" لملء الفراغ الناجم عن تراجع مصداقية الولايات المتحدة كقوة عظمى، لا سيما خلال رئاسة "دونالد ترامب".

لكن المحللين يشككون في قدرة باريس على اكتساب نفوذ أكبر في العراق.

وبحسب "جو معكرون" من "المركز العربي"، فإن "فرنسا ليس لديها خطة لعب واضحة في العراق، وسيكون من الصعب على باريس أن تلعب دورًا أكبر لأنها لا تملك النفوذ ولا الرغبة والإمكانيات للعب هذا الدور".

عندما يتعلق الأمر بمواجهة باريس لأنقرة، فربما لا يكون العراق منطقة تنجح فيها فرنسا. 

كما أوضحت "ربى الحصري"، وهي باحثة غير مقيمة في "معهد الشرق الأوسط"، أن "تركيا تستخدم القوة النارية في شمال العراق بينما تقدم فرنسا القوة الناعمة لبغداد فقط، ولا يكفي هذا لمواجهة نفوذ تركيا على الأرض". 

ولكن بينما يواصل "ماكرون" توجهه نحو الشرق الأوسط، ستسعى فرنسا لتحقيق مصالحها في العراق بصفتها دولة أوروبية عانت من هجمات تنظيم "الدولة الإسلامية" في الماضي.

كما أن إمكانية التعاون الفرنسي العراقي في مجال الطاقة وخاصة مع معاناة العراق من نقص الكهرباء، فضلاً عن الدعم الفرنسي لنظام السكك الحديدية "المترو" في العاصمة العراقية، يشجع باريس على توسيع نفوذها في جميع أنحاء العراق.

مشتريات الأسلحة والعلاقات مع قطر

وبالرغم من تحالفها الوثيق مع تركيا، فقد نجحت قطر في تطوير علاقات عميقة مع فرنسا وكان الدفاع قطاعا هاما في علاقاتهما الثنائية.

ومنذ أن تولى "ماكرون" منصبه، اشترت قطر من فرنسا 36 طائرة مقاتلة من طراز "داسو رافال"، وهي أكثر الطائرات العسكرية تطوراً في باريس.

كما وقع البلدان اتفاقًا في فبراير/شباط 2019 لتعزيز التعاون في المسائل الأمنية والاقتصادية.

ورحبت الدوحة باستعداد فرنسا لزيادة تفاعلها مع قطر، لا سيما مع الحصار الذي بدأ في منتصف عام 2017.

وساهمت ارتباطات "ماكرون" الإيجابية مع الدوحة في قيام قطر بمنح شركة الطاقة الفرنسية العملاقة، "توتال إس إي"، عقدًا مربحًا بقيمة 470 مليون دولار أمريكي في يناير/كانون الثاني 2020 لبناء أول محطة للطاقة الشمسية في البلاد.

وفي العام نفسه، أطلقت باريس والدوحة عام الثقافة القطري الفرنسي 2020 لتعزيز التعاون بين المتاحف والجمعيات الثقافية في البلدين حيث تواصل الدوحة تعزيز صورتها داخل فرنسا، وهي عملية يمكن القول إنها بدأت في عام 2012 عندما اتجهت قطر لاستثمار قوتها الناعمة بما في ذلك شراء نادي كرة القدم الفرنسي باريس سان جيرمان.

علاقة مستقرة مع الكويت

وفي الآونة الأخيرة، نجحت الكويت في تحسين علاقتها مع الاتحاد الأوروبي حيث تتفق بروكسل والكويت بشكل متزايد على عدد من ملفات السياسة الخارجية، وكذلك على الحاجة إلى إعطاء الأولوية للدبلوماسية والوساطة عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقد أوضح قرار الاتحاد الأوروبي لعام 2019 بفتح بعثة دائمة في دول مجلس التعاون الخليجي هذا الأمر.

وعلى هذا النحو، يمكن أن تكون العلاقات الفرنسية الكويتية مفتاحًا لجهود "ماكرون" لتولي قيادة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في المنطقة.

وهذا مفهوم جيدًا داخل فرنسا، كما يتضح من قرار الدولة فتح المعهد الفرنسي في الكويت، وهي مؤسسة يعمل فيها خبراء فرنسا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقد استفادت العلاقات الثنائية بين باريس والكويت من التطورات الإيجابية في التعاون الدفاعي والأمني.

ومثلت التدريبات العسكرية المشتركة في نوفمبر/كانون الثاني 2018، والتي بدأت فيها القوات المسلحة الفرنسية تدريبات الاستعداد القتالي للجيش الكويتي، حدثًا بارزًا في تعزيز هذا التعاون الدفاعي.

وفي الآونة الأخيرة، أدت الصور المسيئة للنبي "محمد" في فرنسا إلى تدهور صورة باريس في الكويت.

وأعربت حكومة الكويت عن "استيائها الشديد" من الإساءة للنبي، وهو الأمر الذي يعكس إحباط الرأي العام في البلاد بشأن هذه القضية.

ويرتبط هذا الإحباط بدعوات واسعة النطاق عبر الإنترنت لمقاطعة فرنسا بسبب دورها في حملة الإسلاموفوبيا، مما أدى إلى قيام حوالي 50 جمعية تعاونية في الكويت بإزالة المنتجات الفرنسية من منافذ بيعها.

بشكل عام، يتنامى دور فرنسا في شؤون الخليج والعراق.

وتوفر المنطقة فرصًا اقتصادية متزايدة لفرنسا مع استمرار دول مجلس التعاون الخليجي في تنفيذ استراتيجيات التنويع الاقتصادي.

وفي الوقت نفسه، فإن استعداد "ماكرون" لتوسيع التعاون الدفاعي مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي والعراق في مثل هذه المنطقة المضطربة يفسر كثيرًا رغبة تلك الدول في تعزيز علاقاتها مع باريس.

وفيما يتعلق بالتنافس المتصاعد بين فرنسا وتركيا، فإن الجدل الأخير حول خطاب "ماكرون" بشأن الإسلام يسمح لأبوظبي (وبدرجة أقل الرياض) بتقوية جبهة جيوسياسية ضد أنقرة بينما يخلق أيضًا بعض الصعوبات لدول مجلس التعاون الخليجي الصديقة لتركيا، وعلى رأسها قطر.

المصدر | جورجيو كافييرو- منتدى الخليج الدولي/ ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الخليجية الفرنسية إيمانويل ماكرون حصار قطر التنافس التركي الفرنسي الإساءة للنبي

يشمل الأزمة الخليجية.. قطر وفرنسا توقعان اتفاقا للحوار الاستراتيجي