استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

بايدن والربيع العربي والإسلاميون

الأربعاء 25 نوفمبر 2020 08:16 ص

بايدن والربيع العربي والإسلاميون

كان ترامب يدفع بقوة إلى تصنيف الإسلام السياسي بألوانه كافّة كحركات إرهابية ولو نجح في الانتخابات لأكمل المهمة.

العودة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة كفيلٌ بوقف التدهور الملحوظ الكبير في مسار الحالة الديمقراطية العربية منذ 2013.

لن تكون التحولات في السياسة الأميركية جوهرية وجذرية، فهنالك بالضرورة مصالح تقليدية معروفة، تتغلب في حسابات الأميركيين على القيم المثالية.

*     *     *

أحد أبرز الخاسرين من فوز المرشحّ الديمقراطي، بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أخيرا، الأنظمة الرسمية العربية التي ربطت مصالحها وسياساتها مع إدارة الرئيس ترامب، ليس فقط على صعيد المصالح الإقليمية، بل أيضا على صعيد السياسات الداخلية، بخاصة ما يتعلق بالمسار الديمقراطي، بعد حقبة الربيع العربي.

وإذا كانت حقبة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، تعتبر الأسوأ للأتوقراطيين العرب، واتُّهم بأنّه ضحّى بحلفاء أميركا (الرئيسين السابقين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي)، ونسف جسور الثقة بين أميركا والنظم العربية الحليفة، مع رياح الربيع العربي.

إلّا إنّ أوباما نفسه تخلّى لاحقاً عن هذه السياسة، وغضّ الطرف عن الثورة المضادّة (تم تصميمها من النظام الرسمي العربي لدفن الحلم الشعبي بالديمقراطية) وإعادة ترميم "السلطوية العربية".

خاصة بعد مقتل السفير الأميركي في بنغازي (سبتمبر/ أيلول 2012). إذ اعتبرت تلك الحادثة الإرهابية بمثابة نقطة تحوّل في السياسات الأميركية حينها، ثم تراجعه عن التدخل في سورية، ما أدى إلى تغيير ميزان القوى لصالح النظام السوري.

رغم أنّ التحول في السياسة الأميركية لن يكون كبيراً، فإنّ العودة، في الحدّ الأدنى أيضاً، إلى السياسات الأميركية التي تقيم وزناً، ولو بمنزلة ثالثة أو رابعة، للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة وحرية الإعلام والحكم الرشيد.. إلخ، كما كانت عليه الحال في مراحل سابقة، كفيلٌ بوقف التدهور الملحوظ الكبير في مسار الحالة الديمقراطية العربية، منذ عام 2016.

تاريخياً، كانت هنالك حساسية أميركية تجاه مسائل حقوق الإنسان والحريات العامة والإعلامية، نجمت عنها ممارسة ضغوط متباينة، سمحت بقدر من الهامش الديمقراطي والحقوقي، ووضعت فرامل لتفشيّ الاستبداد والهيمنة المطلقة للحكومات العربية.

نعم لم تكن تلك الضغوط تصنع تغييراً جوهرياً، لكنّها منحت هامشاً من المناورة، وحدوداً تقف عندها السياسات السلطوية. اختفت تلك المعايير تماماً خلال حقبة ترامب، ما جعل الأنظمة العربية تشعر وكأنّها بلا أي قيود في فعل ما تريد داخلياً، بمباركةٍ من الإدارة الأميركية، وعجز أوروبي عن فعل أي شيء مؤثر وفعّال، وهي الحالة التي ستتعدّل جزئياً وستُفتح مربعات جديدة أمام النشطاء الإصلاحيين والديمقراطيين، لمقاومة السياسات الاستبدادية.

ستكون تلك النتيجة أكثر وضوحاً، على صعيد المجتمع المدني، فالإدارات الأميركية، الديمقراطية تحديداً، تهتم بتقوية المجتمع المدني، وبمنحه مساحات واسعة للعمل والنشاط، وتعطي قيمة سياسية لنشطائه، وتعتبره (المجتمع المدني) بمثابة النواة الممكن أن ينمو منها التيار الليبرالي الديمقراطي العربي.

وهو بمثابة الحاضنة الأكثر قوةً لتبنّي حقوق المرأة والحريات الإعلامية، لذلك لن يكون سهلاً على الحكومات العربية القيام بما تشاء، بلا حسيب أو رقيب، كما كانت الحال خلال عهد ترامب.

على صعيد الإسلام السياسي، قد لا يبدو الفرق كبيرا أيضاً، لكنّه مؤثّر، فترامب كان يدفع بقوة إلى تصنيف الإسلام السياسي، بألوانه كافّة، في خانة الحركات الإرهابية، ولو نجح في الانتخابات لأكمل المهمة حتى النهاية!

وهو الأمر الذي كان يجمعه مع أنظمة عربية عديدة جعلت من الحركات جميعاً، من حزب النهضة في تونس إلى "العدالة والتنمية" في المغرب (يرأس أحد قادته سعد الدين العثماني الحكومة)، وصولاً إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وكأنّها كتلة صمّاء واحدة وحركات متشابهة ومتشاكلة.

وكالعادة، أعيد توظيف هذه الحركات كفزّاعة لممانعة المسار الديمقراطي، بدعوى أنّ الديمقراطية ستنتج حكماً إسلامياً، سيتحوّل، مع مرور الوقت، إلى "نظام فاشي".

وبالتالي، ستؤدي الديمقراطية إلى عكس قيمها تماماً. وطالما أنّ لهذه الحركات حضور في اللعبة الديمقراطية وتستطيع المنافسة، فلا ضير إذاً من التضحية بالديمقراطية نفسها. ومن المعروف أنّ هذا التوجه مسنود برؤية أيديولوجية يتبنّاها اليمين الأميركي، والفريق المحيط بدونالد ترامب.

صحيحٌ أنّ بايدن لن يغير جوهرياً هذه المعادلة، وستبقى هنالك حساسية أميركية عموماً تجاه الحركات الإسلامية، وشكوك حول أجندتها، إلّا أنّه على الأغلب لن يستمر على الأجندة نفسها لدى الرئيس ترامب.

وستميّز إدارته بين الحركات التي تأخذ المسار الديمقراطي وتلك التي تتخذ المسار المتشدّد، وستفتح قنوات تواصلٍ معها، ولن تدفع باتجاه اتهامها جميعاً بالإرهاب، ما يفقد السلطويات العربية ديناميكيةً مهمةً من ديناميكيات ضرب المسارات الديمقراطية والحريات العامة في الداخل، بذريعة "البعبع الإسلامي".

وعلى الأغلب، أيضاً، يحتفظ الرئيس بايدن بجزء كبير من الخلاصات المهمة التي وصلت إليها إدارة الرئيس أوباما، التي رسمت، في المقال الشهير في مجلة أتلانتيك بعنوان "عقيدة أوباما"، التي كتبها جيفري غولدبرغ.

وقدّم فيها مجموعة مهمة من الأفكار، من بينها تحميل الأنظمة السلطوية العربية مسؤولية كاملة عمّا آلت إليه أحوال الدول والمجتمعات العربية، والتركيز على أهمية الإصلاح وقيمته، وهي أمورٌ رأينا ملامح لها في بعض تصريحات المرشح الفائز جو بايدن ومواقفه خلال حملته الانتخابية.

لن تكون التحولات في السياسة الأميركية جوهرية وجذرية، فهنالك بالضرورة مصالح تقليدية معروفة، تتغلب في حسابات الأميركيين على القيم المثالية، لكن، في المقابل، ستكون تلك التحولات مفيدة جداً في إنعاش الحالة الديمقراطية، والحدّ من قبضة السلطويات الجديدة العربية.

* د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة، جو بايدن، باراك أوباما، الثورة المضادة، حقوق الإنسان، الربيع العربي، الإسلاميون، الإسلام السياسي، ترامب،