استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حتى لا تضيع الديمقراطية العربية في المتاهات

الخميس 3 ديسمبر 2020 09:24 ص

حتى لا تضيع الديمقراطية العربية في المتاهات

أي منطلقات وأهداف وممارسات ينبغي أن تتميز بها الديمقراطية العربية المنشودة؟

هناك تباينات بين الأنظمة الديمقراطية عبر العالم كمنطلقات وأهداف وممارسات وتنظيمات.

هناك مكان لحريات وتنظيمات ليبرالية أعلت من شأنها الديمقراطية، شرط أن تحكمها العدالة ويوازن بينها الصالح العام.

*     *     *

في مقال الأسبوع الماضي بينا أهم العوائق المجتمعية والثقافية العربية التي تقف في وجه الانتقال من الأنظمة الأوتوقراطية المستبدة إلى أنظمة ديمقراطية عربية، بحيث تأخذ الديمقراطية بعين الاعتبار تراث وحاضر وتطلعات المجتمعات العربية، وقيم حقوق الإنسان المعاصرة.

ولما كانت هناك تباينات بين الأنظمة الديمقراطية عبر العالم، كمنطلقات وأهداف وممارسات وتنظيمات، أصبح لزاما أن يطرح للمناقشة السؤال الآتي: أي منطلقات وأهداف وممارسات ينبغي أن تتميز بها الديمقراطية العربية المنشودة؟

- أولا، لقد هيمنت على أدبيات الديمقراطية السائدة مقولة، إن المنطلق الأساسي لأي نظام ديمقراطي هو القيم الليبرالية، مثل حرية الفرد في المعتقد والتعبير والسلوك الاجتماعي، والاستقلالية الفردية المنغلقة على الذات، وغير المعنية والملتزمة إلا لماما، ومن خلال التصويت في الانتخابات الدورية، بالشأن العام.

وبالطبع رافقت الإيمان بتلك الحريات الفردية، مطالب سياسية، كحرية تكوين الأحزاب وتمثيل المجتمع من قبل نواب منتخبين، وفصل السلطات، وتناوب السلطة، واستقلال القضاء، ومطالب اقتصادية كحرية الأسواق وجمع الثروات وتراكمها، وعدم تدخل الدولة إلا لماما، في الشأن الاقتصادي!

وبالتالي التأكيد على الارتباط الوثيق بين الليبرالية والرأسمالية، وكذلك مطالب فلسفية، مثل قيم العقلانية والتقدم الإنساني المستمر، ومطالب اجتماعية، مثل العلمانية وجعل الدين شأنا فرديا وليس مجتمعيا.

 وباختصار كانت الحرية بشتى أشكالها والفردية بشتى صورها، هي المنطلق الأساسي للديمقراطية الليبرالية الغربية الرأسمالية، التي سادت عبر القرون الأربعة الماضية، وما زالت تهيمن على الفكر السياسي العولمي حاليا، تحت شعار النيوليبرالية.

أمام تلك الصورة الثقافية السياسية للديمقراطية، التي تكونت عبر قرون، والتي مرت بتحولات وإضافات ومراجعات وأزمات، ومع ذلك يصر أهلوها، وبعض العرب الواقعين تحت سحرها على أنها الصورة النهائية في تاريخ الإنسانية…

أمام كل ذلك دعنا نذكر أنفسنا باستنتاجات هيئة الأمم المتحدة في عام 2000 بشأن الديمقراطية والقائلة «بأن لا وجود لنموذج عالمي وحيد للنظام الديمقراطي» إذ لا توجد ديمقراطية إلا وترتبط بتاريخ وثقافات ومعتقدات وتجارب الأمم، التي تمتاز بالتنوع الإبداعي، وبالغنى القيمي المتباين بين الثقافات.

- ثانيا، إذا كان استنتاج هيئة الأمم ذاك صحيحا فإن المنطلق الأساسي للديمقراطية العربية يجب أن يكون نتيجة تفاعل بين الأسس التي يقوم عليها مبدأ الشورى والأسس التي تقوم عليها الديمقراطية. وفي الحال نقول بأن التراث الإسلامي أعطى أهمية كبرى وأولوية لمبادئ العدالة والحق والقسط والميزان في الحكم.

لعل السبب وراء ذلك الإعلاء للعدالة هو أنه بدون عدالة يمكن لأي قيم أخرى، من مثل الحرية والمساواة والمواطنة وغيرها، أن تكون مليئة بالثغرات أو الشطط أو التلاعب عند التطبيق في واقع المجتمعات البشرية.

العدالة وحدها، وليس الرضى العام أو الفائدة العامة المتخيلة وغيرها من الموازين الممتلئة بها أدبيات الفلسفة في الغرب الديمقراطي، هي أقرب الموازين لضبط فهم وممارسة القيم الأخرى، سواء بالنسبة للفرد أو بالنسبة للجماعة.

من هنا ظهور مدارس فلسفية مؤخرا، في الغرب وغيره، تشدد على أهمية فضيلة وقيمة العدالة في منظومة مكونات الديمقراطية النظرية والتطبيقية.

- ثالثا، ينطبق الأمر نفسه على موضوع الحرية الفردية التي تنادي بها الديمقراطية وتعتبرها مقدسة أمام موضوع الصالح العام وأهمية الجماعة في التراث العربي الإسلامي. الديمقراطية العربية تحتاج أن تراعي الاثنين، الحرية الفردية ومتطلبات الجماعة، إذا كانت تريد أن تتجنب الشطط في الحرية الفردية والتعسف في إملاءات ومحددات الجماعة.

وهكذا، فمثلما تضيف الديمقراطية لموضوع الشورى الكثير من قيمها الرائعة، فإن عليها أن تستفيد من قيم ومقاصد الشورى. في بلاد العرب، ذاك التفاعل في ما بين تراث الشورى وحداثة الديمقراطية، يجب أن يكون المنطلق لوضع مبادئ وأهداف ووسائل الديمقراطية العربية المستقبلية.

لقد شددنا كثيرا على الأهمية المحورية للعدالة بسبب كثرة المظالم في أنظمة العصر الديمقراطية التي تحتاج إلى قيمة كبرى تضبطها وتصلحها، وعلى أهمية الجماعة بسب الشطط المجنون في ممارسة الفردانية باسم الحرية الشخصية، الذي بلغ حدود الخطر على تركيبة المجتمعات البشرية وما بنته عبر القرون من قيم الصالح العام.

هناك بالطبع مكان لكل أنواع الحريات والتنظيمات الليبرالية، التي أعلت من شأنها الديمقراطية السائدة، بشرط أن تحكمها العدالة ويوازن فيما بينها الصالح العام. خصوصية الديمقراطية العربية هي أن تنطلق من هنا، حتى لا تضيع في مسالك المتاهات التي سار فيها الكثيرون.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

الديمقراطية، الشورى، العدالة، الليبرالية، منطلقات، أهداف،