في مصر.. لا سلطة على الملابس ولكن التضييق بسببها مستمر

الأحد 6 ديسمبر 2020 02:55 م

أثار القبض على عارضة أزياء مصرية، بعد التقاطها مقطع فيديو وصورا قرب إحدى المواقع الأثرية، وهي ترتدي ملابس ذات طابع فرعوني، وصفت بـ"الفاضحة"، جدلا كبيرا في مصر، وتساؤلات حول وضع حقوق المرأة.

ونشرت العارضة "سلمى الشيمي"، على حسابها في "فيسبوك"، صورا لها أمام هرم زوسر المدرج، وقالت إنه "تم العثور على الملكة ملبنيتي" و"السيشن بليل كيلوبترا 2020".

وبعد ذلك، أفادت وسائل إعلام مصرية أنه تم القبض على "الشيمي"، والمصور و6 من الإداريين المسؤولين عن المنطقة الأثرية، قبل الإفراج عنهم لاحقا، بكفالة مالية.

واقعة "الشيمي" فتحت الباب أمام حقوق المرأة في مصر، ومدى وجود قانون أو تشريع أو لائحة تحدد طبيعة وشكل الملابس، وأماكن ارتدائها، والشروط الواجب ارتداء ملابس معينة في أماكن بعينها.

الحديث عن الملابس، ليس وليد اللحظة، وغير مرتبط فقط بالسيدات، بل طال الرجال أيضا، في مناسبات عدة.

أشهر هذه الوقائع، طلب رئيس البرلمان "علي عبدالعال"، من النائب "أحمد طنطاوي"، عدم ارتداء "ملابس كاجوال"، داخل مجلس النواب، بدعوى أن الأعراف والتقاليد البرلمانية تحظر ذلك.

وحينها سببت الواقعة جدلا واسعا في أروقة البرلمان، خضع لها النائب في النهاية.

كما وصل الأمر للجامعات، حيث يحظر دخول الطلاب الحرم الجامعى بملابس ممزقة وبناطيل مقطعة والشورت والجلباب والشبشب والملابس الشفافة.

ويحظر على الطلاب ارتداء الفيزون وارتداء البرومودا، حيث يعتبر ذلك وفقا للوائح الجامعات مخالفة صريحة للتقاليد والأعراف الجامعية، فضلاً عن كونها مخالفة الآداب العامة للمجتمع.

كما يحظر على الطالبات الإفراط فى وضع مواد التجميل داخل الجامعة، أو ارتداء ملابس شفافة أو ملابس قصيرة أو الفساتين المخلة بالآداب العامة.

في المقابل، سعت السلطات إلى حظر النقاب داخل الجامعات، بقرارات من رؤسائها، إلا أن القضاء ألغى هذه القرارات لاحقا، إلا أنه بقي على عضوات هيئات التدريس.

وفي الكنيسة أيضا، تحظر الصلوات على السيدات اللاتي يرتدين ملابس "غير محتشمة"، على الرغم من إقرار قال البابا "تواضروس الثانى" بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أنه لا يوجد قانون لمنع الملابس غير اللائقة داخل الكنيسة.

وأثار نقيب الصحفيين السابق "مكرم محمد أحمد"، جدلا قبل أعوام، عندما طالب الصحفيات بعدم ارتداء البنطال "الجينز"، في واقعة أثارت جدلا حينها.

ويأتي القبض على "الشيمي"، ضمن حملة تقوم بها النيابة المصرية للقبض ومحاكمة ناشطات بتهمة "التعدي على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري"، وتقديم مقاطع "خادشة للحياء"، وهي مصطلحات فضفاضة، لم يكن ليسمعها المصريون بهذا النطاق الواسع.

هذه الكلمات مثل "الذوق العام" و"السلوكيات والآداب" و"قيم المجتمع ومبادئه وهُويته" و"قيم الأسرة المصرية"، تختلف بين طبقات المجتمع بتبايناتها.

وأمام ذلك، تصدرت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي حملت عنوان "بعد إذن الأسرة المصرية"، طالبت بإخلاء سبيل النساء المقبوض عليهن، بدعوى اتهامهن بالاعتداء علي المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري.

ولا يعرف أحد ما هي قيم تلك الأسرة المصرية، التي اعتدت عليها هؤلاء الفتيات، حيث تعامل المشرع المصري على أن المائة مليون مصري عبارة عن جيش عسكري واحد يخضع للمعايير نفسها ويتبنى نفس القيم ويلتزم بنفس العادات.

ومن وجهة نظر السلطات المصرية يمكن اعتبار مقطع مصور قصير على موقع التواصل الاجتماعي "تيك توك"، ترتدي فيه فتاة ملابس قصيرة، دليل إدانة جنائي يستوجب المحاكمة والعقاب بتقييد الحرية.

وتتهم "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية، بشن "حملة مسيئة" ضد النساء المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي، وملاحقتهن بتهم "تنتهك حقوقهن في حرية التعبير والخصوصية".

وبات لدى المصريين قناعة أن تكوني امرأة، ولا تنتمين لطبقة اجتماعية ذات امتيازات لتوفر لك الحماية، يعني أنك موضع اشتباه دائم.

خاصة أن مقاطع فيديو وصور لفتيات من نفس السن في نفس الدولة وعبر ذات التطبيق وتطبيقات أخرى، ترتدين ملابس مشابهة، ولا يتم تجريمهن.

هذا التناقض، دفع ناشطين للمقارنة بين ملابس الفتيات عبر مقاطع فيديو "تيك توك" وملابس الفنانات عبر صفحاتهم في "إنستجرام"، وصورهم ومقاطع الفيديو لاستقبالهم الحار في المهرجانات السينمائية.

ولعل ما تثيره الفنانة "رانيا يوسف" في مهرجان الجونة على مدار العامين الماضيين، دليل على ما يذكره الناشطون، من حجم التناقض، حتى أن الفنانة اعترفت أنها تحب إثارة الجدل بملابسها ومقاطعها المصورة.

يشار إلى أن النائبة البرلمانية "غادة عجمي"، قدمت مشروع قانون العام الماضي، طالبت فيه "كل من يرتاد مكاناً عاماً احترام القيم والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في مصر، ولا يجوز الظهور في مكان عام بأزياء أو ملابس غير محتشمة".

جهود النائبة لضبط إيقاع الذوق العام عبر مراقبة من يرتدي ماذا؟، أفضى إلى جدلٍ متنامٍ، بين متسائلٍ عن علاقة الذوق العام باللبس العام؟، ومثمّن مقترحها رغبةً منه في تعميم معايير لباس بعينه، ومندد بالفكرة.

وأدى مشروع القانون، كذلك إلى طرح أسئلة حول إذا ما كانت نصوصه المقترحة ستعاقب الذكور كذلك في حال ارتداء أزياء يعتبرها مسؤولو ضبط إيقاع الذوق العام منتهكة له أم لا.

ومع هذا الجدل، بقى مشروع القانون قيد الأدراج، ولم يتخذ بحقه أي خطوة.

وبالعودة إلى واقعة "الشيمي"، يرى المحامي والحقوقي "طارق العوضي"، إنها لم ترتكب أي جريمة ليتم القبض عليها.

وحسب صحيفة "اليوم السابع"؛ فإنه سيتم معاقبة "سلمى" بتهمة ارتكاب فعل فاضح في مكان عام، ويعاقب القانون المصري على هذه التهمة بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تتجاوز 300 جنيه.

كما ترى أستاذة علم الاجتماع "نبيلة النجار"، أن "المجتمع الذي لا يجد إلا في الشرطي وسيلة لضبط الذوق العام مجتمعٌ مريضٌ".

وتضيف: "المقصود بالشرطيّ هنا هو أي جهة رسميّة، وليس رجل الشرطة بالضرورة. الذوق العام أمرٌ لا يمكن فرضه بالغرامة أو الإجبار. ومراعاة الذوق العام مكوّن يأتي ضمن المئات غيره من مكونات الشخصيات السويّة".

وتتابع: "محاولات إلباس المجتمع كله ملابس تخضع لمعايير واحدة، حتى لو كانت هذه المعايير منطقيّة أو حتى قياسيّة هي محاولات فاشلة فشلاً ذريعاً. فالمفروض دائماً يصبح مرفوضاً".

بينما تقول الباحثة في مجال حقوق المرأة "إسراء سليمان"، إن "استمرار الربط المقصود أو غير المقصود بين الأخلاق والعفة والذوق العام من جهة والمرأة والفتاة من جهة أخرى هو استمرار لاعتبار المرأة أداة للجنس والشهوة والإثارة".

وتضيف: "كما أن هذا النوع من الفكر المنغلق هو استمرار وإمعان في تجاهل ما أصاب المجتمع من رجعيّة وانغلاق".

وتتابع: "لا يمكن اعتبار المظهر المحافظ دليلاً على حُسن السير والسلوك والعكس".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر عارضة أزياء الملابس سلمى الشيمي

سيدة مصرية مكافحة ترتدي ملابس الرجال: عشان أحمي نفسي