هل يستهدف الحراك الخليجي إنهاء أم تخفيف الحصار؟

الأربعاء 9 ديسمبر 2020 06:09 م

في الوقت الذي يسعى فيه "دونالد ترامب" على ما يبدو إلى إنهاء الأزمة الخليجية، أدى فوز "جو بايدن" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى زيادة الضغط على السعودية لتغيير سياستها الخارجية، وسط تساؤلات عما إذا كان هذا كافيا لإنهاء الحصار على قطر.

وأعلن "جاريد كوشنر" كبير مستشاري الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، عن رحلة إلى السعودية وقطر، في محاولة أخيرة لإنهاء الأزمة الخليجية خلال الأسابيع الأخيرة من رئاسة "ترامب".

ويثير ذلك الآمال في أن حل الأزمة قد يكون وشيكًا بالنسبة لبعض المراقبين، وأن إدارة "بايدن" القادمة يمكن أن تتخذ المزيد من الخطوات لحلها.

ارتباط الحصار بـ"ترامب"

وكانت السعودية قد فرضت في 5 يونيو/حزيران 2017 حصارًا على قطر بالتعاون مع الإمارات ومصر والبحرين، وقطعوا معها العلاقات الدبلوماسية، وأصدرت هذه الدول التي أطلقت على نفسها "الرباعي العربي لمكافحة الإرهاب" قائمة بـ13 مطلبًا من الدوحة، بما في ذلك إغلاق وسائل الإعلام مثل قناة "الجزيرة"، وإنهاء العلاقات مع إيران، وتقليل التعاون العسكري مع تركيا، وقطع العلاقات المزعومة مع "الجماعات الإرهابية".

ومع نفي قطر لهذه المزاعم ورفضها لمطالب دول الحصار، استمرت الأزمة رغم التلميحات السابقة بأنها قد تنتهي. وبرر "ترامب" السرديات التي أدت إلى الأزمة، حيث غرد في 6 يونيو/حزيران قائلًا: "خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرت أنه لم يعد من الممكن تمويل الفكر الراديكالي. فأومأ القادة مشيرين إلى قطر".

وقد أقام ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" علاقات قوية مع إدارة "ترامب"، مما مكنهما من الإفلات من العقاب على مواصلة الحصار.

ومع ذلك، سعى "ترامب" إلى تحقيق العديد من "انتصارات" السياسة الخارجية في الشرق الأوسط خلال سنته الأخيرة كرئيس، من ضمنها حل لأزمة الخليج "تحدده المصالح الإسرائيلية"، بعد ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي أعلنها في يناير/كانون الثاني 2020، إلى جانب التوسط في اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين هذا الصيف.

وفي 14 سبتمبر/أيلول الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو": "للحفاظ على تركيزنا على ملف إيران وإغلاق الباب أمام تدخلها المتزايد، حان الوقت لإيجاد حل للخلاف الخليجي"، لكن ما يدحض تصريحاته الطموحة أن موقف "ترامب" هو الذي تسبب في اندلاع التوترات داخل الخليج وعزز دول الحصار.

وكان نهج إدارة "ترامب" خاطئا في التعامل مع الأزمة الخليجية، حيث ركزت على توحيد دول مجلس التعاون الخليجي مع إسرائيل لتشكيل جبهة موحدة ضد إيران، بدلاً من معالجة الانقسامات العميقة التي تسببت في اندلاع الأزمة.

رغبة التزلف لـ"بايدن"

من ناحية أخرى، انتقد "بايدن" ولي العهد السعودي خلال حملته الرئاسية، ووعد بـ"إعادة تقييم" علاقات واشنطن مع السعودية على خلفية مقتل الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" والحرب التي تقودها السعودية في اليمن والتي دعمتها الولايات المتحدة.

وبالرغم أن "بايدن" لم يعرب حتى الآن عن رغبته الواضحة في إنهاء الحصار المفروض على قطر، إلا أن ضغطه على "بن سلمان" سيجبر ولي العهد على تغيير سياسته الخارجية في أماكن أخرى في المنطقة، وسيكون تخفيف الحصار نتيجة غير مباشرة لذلك.

وكانت هناك إشارات مؤخرًا بأن "بن سلمان" يسعى للحد من التوترات مع قطر لإرضاء "بايدن"، ويبدو الآن أكثر تصالحية تجاه الدوحة. وأشار "علي الشهابي"، المحلل السعودي المقرب من الديوان الملكي إلى انفتاح "بن سلمان" الواضح تجاه قطر، قائلًا: "هذه هدية لبايدن"، حسبما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز".

وأضاف "الشهابي" أن "بن سلمان يشعر بأنه في مرمى النيران بعد فوز بايدن، ويريد إعادة بناء العلاقات مع قطر كإشارة على استعداده لاتخاذ خطوات إيجابية".

أما بخصوص دول الحصار الأخرى، فقد انتقد "بايدن" الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" في يوليو/تموز، حيث كتب على "تويتر" أنه لن يكون هناك المزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور "ترامب" المفضل. وبالتالي فإن العداء الواضح للحكام المستبدين يثير الآمال في أن "بايدن" سيقدم سياسة أكثر عقلانية واعتمادًا على حقوق الإنسان تجاه مثل هذه النزاعات الإقليمية.

تخفيف وليس إنهاء للأزمة

ولكن في الوقت الذي يضغط فيه "بايدن" على "بن سلمان" و"السيسي"، فقد أظهر معارضة أقل لدور الإمارات، وقد يمنع ذلك إنهاء الحصار، كما أن لدى أبوظبي حظوة جيدة لدى الديمقراطيين، خاصة بعد تطبيعها مع إسرائيل.

ورُغم أن أبوظبي قد تشعر بأنها أقل عرضة للخطر من الرياض والقاهرة في ظل رئاسة "بايدن"، وبالتالي أقل استعدادًا لإعادة العلاقات مع الدوحة، سيظل "محمد بن زايد" أقل ثقة في تنفيذ التحركات العدائية مما كان عليه في عهد "ترامب"، وستمتنع أبوظبي عن تكثيف الحصار إذا لم تقبل إنهائه، على الأقل في الوقت الحالي.

وقد ترغب الإمارات أيضًا في تجنب تداعيات الحصار على سمعتها، نظرًا لرغبتها في الحفاظ على صورة دولية إيجابية، حيث تزداد حاليًا التكلفة التي تدفعها من صورتها، خاصة بعد أن حاولت قطر مقاضاة دول الحصار على إغلاق مجالها الجوي والأضرار المالية اللاحقة لشركة الخطوط الجوية القطرية. وإذا زادت هذه التداعيات السلبية، فقد يجبر ذلك أبوظبي على تقديم تنازلات مترددة.

وبالتالي فإن أزمة دول مجلس التعاون الخليجي ستتحسن حتماً بدل أن تتفاقم، بالرغم أنه من غير المرجح أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل الأزمة. فقد تقاربت قطر مع إيران وتركيا بعد الحصار، وأنشأت قنوات إمداد دولية مختلفة وعززت استقلالها، وستتعلم قطر من تجربتها السابقة أنه من الخطر أن تستأنف مستوى مرتفعًا من الواردات من الرياض.

واستمرت قطر فعليًا في تعميق علاقاتها مع تركيا، بعد أن هبت أنقرة لمساعدة الدوحة أثناء الحصار، وبعد اجتماع بين أمير قطر والرئيس التركي في المجمع الرئاسي في أنقرة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، وقع البلدان 10 مذكرات تفاهم، من بينها شراء جهاز قطر للاستثمار حصة بنسبة 10% في البورصة التركية -بورصة اسطنبول AS- جنبًا إلى جنب مع مركز التسوق الفاخر "إستينيا بارك"، وبالإضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على استحواذ شركة موانئ قطر على الشركة التي تدير ميناء "الشرق الأوسط" بمدينة أنطاليا.

كما أن التوترات الجيوسياسية لا تزال قائمة في الوقت الحالي، حيث اتهمت مصر قطر بتقويض محادثات السلام الليبية الحالية، بعد اتفاق في 13 نوفمبر/تشرين الثاني بين الدوحة وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا في طرابلس.

وقد وافقت قطر على تقديم الدعم والتدريب لقوات حكومة الوفاق، فيما لم تظهر الإمارات أي مؤشر على تقليص سياساتها وجهودها لتقويض حكومة الوفاق من خلال تمويل الجنرال "خليفة حفتر"، فضلا عن قضايا إقليمية أخرى.

كانت قطر قد قدمت الدعم لبعض حكومات ما بعد الربيع العربي عام 2011، وأثار استقلال السياسة الخارجية للدوحة غضب الرياض وأبوظبي، كما واجهت الدوحة جهودهما المناهضة للثورة على مستوى المنطقة لسحق ثورات الربيع العربي.

لذلك من السابق لأوانه القول بأن أزمة الخليج ستنتهي، لكن رحيل "ترامب" سيتسبب في إزالة حالة الإفلات من العقاب التي تمتع بها قادة دول الحصار وسيوقف ذلك على الأقل تدهور الانقسامات الإقليمية عن المستويات الحالية.

المصدر | جوناثان فينتون هارفي – إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حصار قطر جاريد كوشنر إدارة ترامب العلاقات القطرية التركية الأزمة الخليجية

صعود قوي لبورصة قطر مع التقدم بملف المصالحة الخليجية