مؤشرات على التغيير.. قراءة في نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي

الجمعة 11 ديسمبر 2020 01:48 ص

توجه الكويتيون في الخامس من ديسمبر/كانون الأول إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة لإرسال رسالة تغيير إلى حكومتهم. وعبّر الناخبون عن إحباطهم من فضائح الفساد وتفاقم المشاكل المالية، من خلال معاقبة نواب البرلمان المنتهي ولايته وإعادة بعض الأعضاء السابقين المعروفين بوقوفهم في وجه القيادة إلى جانب بعض الوجوه الجديدة.

وجرت الانتخابات البرلمانية في ظل ظروف استثنائية لوباء فيروس "كورونا". ولم تكن هناك خيام للحملات الانتخابية حيث يلتقي المرشحون عادة بالناخبين، لكن دائرة الديوانية للتجمعات غير الرسمية المرتبطة بالمنازل كانت بمثابة تعويض عن الخيام العامة. ومن المحتمل أن تكون هذه الظروف أضرّت بالمرشحات (لم ينجح منهن أحد) اللاتي يفتقرن إلى الوصول إلى هذه التجمعات الذكورية.

وأدت القيود المفروضة على التجمعات إلى تزايد أهمية الحملات الافتراضية، حيث تم تحويل البرامج الحوارية على الوسائط التقليدية إلى أنماط جديدة على منصات التواصل الاجتماعي مثل "انستجرام" و"تويتر" و"واتسآب".

ووظف معظم المرشحين البارزين مستشارين إعلاميين من الأجيال الجديدة للمساعدة في صياغة صورتهم ورسالتهم وتواصلهم مع الناخبين عبر هذه المنصات. ودفع العديد من المرشحين أموالا طائلة لإعلانات وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، لا تزال العلاقات الشخصية والمجتمعية تشكل حجر الأساس لأنجح الحملات البرلمانية.

وتم إنشاء موقع تصويت خصيصًا للناخبين الذين يعانون من "كورونا". وفي حين تم اتخاذ تدابير قياسية للحفاظ على النظافة والتباعد الاجتماعي، فقد انهار هذا في بعض المناطق التي شهدت ازدحاما كبيرا. وكان الإقبال مرتفعًا بشكل مدهش حيث بلغت نسبة التصويت 65%، وهو ارتفاع طفيف عن الانتخابات الأخيرة بالرغم من الوباء وهو دليل على اهتمام الناخبين وتحفزهم وتعبئتهم.

شاغلو المقاعد والنساء يخسرون

كشفت نتائج الانتخابات عن غضب جمهور الناخبين من أداء البرلمان المنصرم والحكومة. كما تشير النتائج إلى رغبة واضحة في أن يكون مجلس الأمة مستعدًا لمعالجة قضايا الفساد وحماية المال العام، حيث فقد ما يقرب من ثلثي أعضاء البرلمان مقاعدهم وهو عدد كبير (وإن لم يكن غير مسبوق) في النظام السياسي الكويتي.

وتجلت هذه الرغبة في الإطاحة بأعضاء البرلمان القدامى الذين كان يبدو أنه لا يمكن المساس بهم. وقد امتد إلى مزاج الرفض عبر المعسكرات السياسية، مما أدى إلى خسارة الزعيم الشيعي القوي "صالح عاشور"، والزعيم السلفي "محمد هايف"، و"خلف العنزي" عضو البرلمان المؤيد للحكومة والذي خدم منذ الثمانينيات.

وشملت خسائر شاغلي المقاعد النائبة الكويتية الوحيدة "صفاء الهاشم" فيما لم يتم انتخاب أي من المرشحات الأخريات - كانت "علياء الخالد" الأقرب، حيث احتلت المركز الثالث عشر من 10 نواب منتخبين في الدائرة الثانية - مما يعني أن الكويت ستكون خالية من التمثيل النسائي في البرلمان.

وتضع هذه الحقيقة التي تصدرت عناوين الأخبار الكويت خلف الاتجاه السائد في منطقة الخليج، حيث يتم تعيين النساء في المناصب السياسية العليا في الهيئات التمثيلية الأخرى، مثل المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات ومجلس النواب في البحرين.

وتمثل النتائج خيبة أمل كبيرة للمجتمع المدني الكويتي والذين يعملون على تمكين المرأة سياسياً، ومن المؤكد أن هذه القضية ستحيي النقاش حول الحاجة إلى نظام "الكوتة" للتغلب على العيوب الهيكلية والأعراف الاجتماعية التي أحبطت المرشحات.

وجاءت أبرز المكاسب لصالح مؤيدي برنامج المعارضة والذي يشمل العفو عن أعضاء البرلمان السابقين الذين يعيشون في المنفى في الخارج، وإلغاء قانون انتخابات 2012 الذي يُنظر إليه على أنه يضر بالمعارضة. من أبرز هؤلاء الناشط السلفي "بدر الدحوم"، الذي نجح في إلغاء قرار المحكمة بإلغاء ترشيحه بسبب إدانة سابقة مرتبطة باحتجاجات عام 2011. وقد يفتح هذا الحكم القضائي الباب أمام مرشحي المعارضة الآخرين المحظورين للعودة إلى السياسة.

ولم يهدر "الدحوم" الوقت في دعوة أعضاء البرلمان المنتخبين حديثًا إلى ديوانيته لتنسيق إقالة رئيس البرلمان الحالي "مرزوق الغانم" لصالح قيادة جديدة سيختارونها من خلال التصويت. ويعتبر حضور 38 من الأعضاء الـ 50 مؤشرا جيدا على القوة المتزايدة للمعارضة، بالرغم أن هذا الالتزام سيتم اختباره بالتأكيد في المستقبل في ظل وجود أهداف متنافسة وحكومة لديها موارد وفيرة لكسب تعاونهم. 

اتجاه وطني جديد

مع حظر الأحزاب السياسية، أصبح المستقلون يهيمنون على البرلمان الكويتي، وأصبحت المشاركة تتشكل من خلال الروابط المجتمعية أكثر منها من خلال الأجندات السياسية. لقد تم إضعاف دور التجمعات السياسية بدعوى الاستياء العام من الاستقطاب الذي أحدثته هذه التجمعات، وبسبب تمرير قانون الانتخابات لعام 2012 بعد قرار المحكمة بحل البرلمان.

ويميل التحليل السياسي للنتائج الانتخابية غالبًا إلى تقييم التحولات النسبية في التمثيل بين الكتل القائمة على الهوية. ما هو وزن الليبراليين مقابل المحافظين، أو بين الحركات الإسلامية المتنافسة؟ كيف كان أداء التمثيل الشيعي وما هو التكوين العشائري للبرلمان؟ وبالنظر إلى ذلك، يحظى برلمان 2020 بمزيد من المحافظين، مع هزيمة المرشحين الأكثر ليبرالية فيما بقي تمثيل الشيعة على حاله عند 6 أعضاء. وقد اكتسبت الجماهير القبلية المزيد من النفوذ عبر تمثيل أوسع لأكبر مجموعتين قبليتين في الكويت وهما "العوازم" و"مطير".

ومع ذلك، فإن هذا النوع من التحليل غير كافٍ لفهم المواقف السياسية للأعضاء والديناميكيات السياسية المتغيرة في البلاد. وبالفعل، أدان بعض المراقبين الكويتيين هذا النوع من التقييم باعتباره جزءًا من المشكلة السياسية، حيث يعزز "الانقسام والعنصرية والقبلية والطائفية".

ويوفر النظر إلى الديناميكيات داخل هذه الفئات السياسية وليس النتائج الكلية لها، مؤشرات عن بداية التغيير. حيث كان هناك استعداد واضح لتحدي النخب السياسية التقليدية لدى عموم الشيعة، والإسلاميين السنة، والقبائل.

وكانت الطوائف الشيعية من بين أكثر المؤيدين للحكومة، حيث تمسكت بالعائلة الحاكمة، لا سيما خلال العقد الماضي، ولكن هذه الانتخابات كشفت عن استعداد جديد لمخالفة هذا الإجماع، من خلال عودة النائب السابق "حسن الجوهر"، الذي تربطه علاقات جيدة بالمعارضة التي يقودها السنة. كما كشفت الانتخابات عن أصوات جيل جديد، مثل "هشام الصلاح" و"علي القطان"، وكلاهما قاما بحملات مستقلة عن الجمعيات السياسية الشيعية وطرحا أجندة إصلاحية.

وكان تآكل السلطة القبلية واضحًا في الأداء الضعيف للعديد من المرشحين المختارين في الانتخابات القبلية التمهيدية التي تهدف إلى توحيد الدعم وراء الممثلين المختارين. وتعتبر هذه الانتخابات التمهيدية غير قانونية ولكن الحكومة تتغاضى عنها ضمنيًا، ويتم تغطيتها على نطاق واسع وعلني في وسائل الإعلام. ومع ذلك، في حالتين على الأقل، تقدم المرشحون الأكثر ميلا للمعارضة والذين خسروا الانتخابات القبلية التمهيدية لكنهم رفضوا التنازل عن المنافسة أمام منافسيهم القبليين في الانتخابات العامة.

وسيكون التنافس على النفوذ داخل هذه التجمعات القبلية البرلمانية شيئًا يجب مراقبته، خاصة وأن أقوى أصوات المعارضة قد ظهرت من بين هذه الفئات.

وكان هذا التحدي السياسي الجديد واضحًا حتى داخل المجتمع السياسي الأكثر انضباطًا في الكويت، الحركة الدستورية الإسلامية المدعومة من جماعة "الإخوان المسلمين"، حيث أجبرت المعارضة الداخلية للأعضاء الأصغر سنا زعيمهم البرلماني "محمد الدلال" على التقاعد لصالح مرشح الجيل الجديد "عبد العزيز الصقعبي" الذي يشير نجاحه في الانتخابات إلى احتفاظ الجماعة ببعض مواقعها في السلطة رغم الحملة الإقليمية ضد جماعة "الإخوان المسلمين" من قبل السعودية والإمارات.

 القيادة وتحديات المستقبل

يعتبر العامل المشترك الذي ظهر بين العديد من المرشحين الشباب الناجحين مثل "القطان" و"الصقعبي" و"عبدالله المضف"، هو التركيز على تطلعات الشعب، مع رفض أو التقليل من أهمية الانتماءات الأيديولوجية والهوياتية التي قسمت السياسة الكويتية.

وتم التأكيد على دور الشباب وضرورة الاستجابة للتحديات الوطنية المتزايدة في تقرير كتبه 29 شابًا من الباحثين في جامعة الكويت وصدر عشية الانتخابات، بعنوان "قبل فوات الأوان". وهو تقرير يحدد بوضوح الاختلالات الهيكلية (المالية والديموغرافية) ونقاط الضعف في سوق العمل والنظام التعليمي بما في ذلك الاعتماد الشديد على عائدات النفط، كما يوضح التقرير التضحيات المشتركة اللازمة لوضع الكويت على مسار أكثر استدامة.

وأصبح من الصعب تجاهل هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية - التي تزداد سوءًا في ظل التحدي المزدوج للوباء وأزمة النفط - حتى بالنسبة لبلد غني نسبيًا. وسيكون على البرلمان الجديد إصدار قانون ديون جديد للسماح للبلاد بالتغلب على عجزها المتزايد حيث تنتظر البلاد قرارات صعبة بشأن ضرائب القيمة المضافة التي اتفق عليها مجلس التعاون الخليجي ولم تنفذها الكويت بعد بسبب المعارضة البرلمانية.

وقد يجعل البرلمان الجديد، الذي يميل للشعبوية المعادية للنخبة، من الصعب على الحكومة فرض تدابير دون تسوية سياسية بشأن قضايا الفساد والحكم السياسي. ومع ذلك هناك حدود لهذا الرفض أيضًا، حيث تحتفظ الأسرة الحاكمة بالسلطة الدستورية لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، وهو إجراء تم استخدامه مرارًا في عهد الأمير الراحل "صباح الأحمد الصباح".

وحاليا، يجري رسم خطوط المعركة في التنافس على زعامة البرلمان. لقد أعيد انتخاب "الغانم"، وهو سليل عائلة تجارية ذات نفوذ، بدعم قوي من جمهوره. لقد كان فعالاً للغاية في إدارة البرلمان بطرق خدمت أجندة الحكومة التي تقودها الأسرة الحاكمة في عهد الأمير "صباح الأحمد"، لكن وظيفته ستكون أكثر صعوبة في ظل هذا البرلمان الجديد.

وقد يتوقف بقاء "الغانم" في منصبه على التزام الأمير "نواف الأحمد الصباح" بالدفاع عنه، وهذا بدوره سيتحدد من خلال النهج الذي يريد الأمير اتباعه تجاه هذه الهيئة المنتخبة. فقد يتم اعتبار "الغانم" رصيدا إلى جانب الحكومة لإخضاع مجلس الأمة، وفي الوقت ذاته قد يُنظر إليه على أنه عائق في بناء العلاقات مع هذه الكتلة الجديدة التي تبدو أكثر تصادمية. وإجمالا، فبعد هزيمة الوسطاء الحكوميين الرئيسيين، ستضطر الحكومة لبعض المغازلة الضرورية.

المصدر | كريستين سميث ديوان/ معهد دول الخليج العربية – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الانتخابات الكويتية البرلمان الكويتي مرزوق الغانم مجلس الأمة المعارضة الكويتية

نواب المعارضة الكويتية يتفقون على الإطاحة بالغانم من رئاسة البرلمان

ماذا يعني انقسام البرلمان بالنسبة للمستقبل المالي للكويت؟

بالأسماء.. صحف كويتية تتحدث عن ملامح الحكومة الجديدة بعد الانتخابات

38 نائبا كويتيا يطالبون بعلانية التصويت على رئاسة مجلس الأمة