لقاء الأنورين.. سوري عانى التعذيب بسجون الأسد يدعم محاكمة جلاده في ألمانيا

الاثنين 14 ديسمبر 2020 03:43 م

"أنور البني".. مواطن سوري معارض فر من سجون دمشق إلى حياة اللجوء في ألمانيا، ليبدأ هناك ملحمة أخرى في ردهات المحاكم رافعا دعاوى قضائية ضد نظام "بشار الأسد" بتهم تتعلق بارتكابه جرائم حرب.

نذر "البني" حياته للدفاع عن حقوق الإنسان في بلده، ولم يكن قد مضى على وجوده في منفاه سوى شهرين عندما وجد نفسه وجها لوجه داخل متجر تركي في برلين أمام الرجل الذي كان قد استجوبه في سوريا وأودعه في السجن قرابة عقد من الزمان، حسبما أوردت صحيفة "الجارديان".

كان هو وسجانه السابق يتسوّقان في المتجر القريب من بوابات مخيم مارينفلد للاجئين في برلين الغربية عام 2014، أي قبل سنة من قرار المستشارة "أنجيلا ميركل" فتح حدود ألمانيا أمام اللاجئين، ليدخل البلاد أكثر من مليون فرد منهم هربا من ويلات الحرب ومشقة الحياة في دولهم.

يقول "البنّي" وهو يعود بذاكرته إلى الوراء: "كنت برفقة زوجتي (أثناء تبضعنا في المتجر التركي) عندما أسررت لها في أذنها: إنني أعرف هذا الرجل"، لكنني لم أستطع تذكره جيدا. وبعد بضعة أيام أخبرني صديق لي قائلا: "ألم تعرف أن أنور رسلان يقيم معكم في مخيم مارينفلد؟"، "عندها فقط أدركت الأمر".

فارق السن بين الأنورين (البني ورسلان) 4 سنوات، ودرس كلاهما القانون لكنهما اختارا الانحياز إلى طرفين متناقضين، إذ أصبح "رسلان" ضابط شرطة قبل أن يتحول إلى العمل في جهاز الاستخبارات، وهناك ساهم في احتجاز "البني".

يقول "البنّي" إنه لا يكره رسلان في شخصه لأن المشكلة تكمن في النظام"، ولذلك فهو لا يضمر في الحقيقة شيئا ضده.

لكن اللقاء هذه المرة كان معكوسا، إذ تبدلت أدوار الأنورين، وبينما كان القضاء الألماني يتأهب للنظر في دعوى يواجه بها "رسلان" عقوبة السجن" ، انهمك "البني" في الأثناء بمساعدة النيابة العامة الألمانية.

وفي يونيو/حزيران الماضي صعد "البني" إلى منصة الشهود في قاعة المحكمة للإدلاء بتفاصيل عن الأهوال والإجراءات البيروقراطية في سجون "الأسد" وغرف التعذيب التي يعرفها جيدا من واقع خبرته.

ويؤكد "البني" أن الدعوى القضائية المرفوعة أمام القضاء الألماني "ليست قضية شخصية، مضيفا: "هدفي هو إقرار العدالة لجميع السوريين".

أصبح "رسلان" بعد قرابة 10 سنوات على اندلاع الحرب الأهلية في سوريا أول شخص في العالم يمثل أمام القضاء في تهم تتعلق بتعذيب وقتل مدنيين تحت رعاية الدولة خلال الصراع المحتدم هناك.

وساعد "البني" السلطات الألمانية في العثور على شهود أبدوا استعدادهم للإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم.

ويواجه "رسلان" تهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في السنوات الأولى من نشوب الصراع السوري قبل انشقاقه عن النظام عام 2012.

وكان يعمل وقتئذ في الاستخبارات العسكرية حيث قيل إنه كان يترأس وحدة تحقيقات تابعة للفرع 251 "سيء السمعة" والسجن الملحق به.

ووفقا للادعاء الألماني، فقد اتسمت المرحلة التي أشرف فيها "رسلان" على تلك الوحدة بإشاعة الرعب، حيث تعرض السجناء خلالها إلى صنوف من التعذيب كالصعق بالكهرباء والضرب والاعتداء الجنسي طوال 16 شهرا.

وتورد صحيفة الاتهام الموجه ضد "رسلان" أن ما يربو على 4 آلاف شخص ذاقوا مرارة التعذيب في السجن خلال تلك المدة، وقضى أكثر من 58 معتقلا نحبه.

وبدأت محاكمة "رسلان" في 23 أبريل/نيسان الماضي أمام هيئة مؤلفة من 3 قضاة بمدينة كوبلنز التاريخية على ضفاف نهر الراين، وإذا ثبتت إدانته، فسيواجه عقوبة السجن مدى الحياة.

ووصفت "الجارديان" المحاكمة بأنها "لحظة تاريخية" لأعداد لا حصر لها من السوريين ممن نجوا من غرف التعذيب التابعة للنظام أو فقدوا أحباء لهم.

ولا تُعد محاكمة "رسلان" المحاولة الأولى لتقديم الطبقة الحاكمة في سوريا إلى القضاء، فقد سبق أن أصدرت بعض الحكومات الغربية مذكرات اعتقال بحق شخصيات بارزة.

بيد أن نخب النظام والضباط العاملين بالخدمة لا يزالون في مأمن ما داموا داخل الأراضي السورية، ولم يسافروا إلا إلى الدول الحليفة لهم التي لن تقوم أبدا بتسليمهم.

ونظرا لأن سوريا ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية، فلن يتسنى لمدّعي هذه المحكمة ملاحقة حكومة دمشق، ويمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طلب فتح تحقيق، إلا أن محاولات من هذا القبيل أجهضتها روسيا والصين.

ورغم ذلك؛ فإن "أنور البنّي" يؤكد أن اليأس لم يعرف نفسه وأنه سيواصل كفاحه من أجل حياة أفضل لسوريا، قائلا: "لم أفقد قط إيماني بقضيتي. إنني على يقين بأننا سننتصر".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

ألمانيا سوريا بشار الأسد النظام السجن لاجئ

الأول من نوعه.. حكم متوقع بألمانيا في قضية تعذيب منسوبة للنظام السوري

ألمانيا.. السجن مدى الحياة لضابط سابق بمخابرات بشار الأسد

حكم تاريخي.. محكمة ألمانية تدين عضوا سابقا في الأمن السوري بالتعذيب

سجن صيدنايا.. ثقب أسود ومسلخ بشري للمعارضين في سوريا