استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لننطلق من فضيلة العدالة

الخميس 24 ديسمبر 2020 10:51 ص

لننطلق من فضيلة العدالة

عن أي عدالة نتكلم؟ ما مصادرها وقيمها وتطبيقاتها في الواقع؟ وما نوع علاقتها بالديمقراطية؟

أهم أساس للديمقراطية كنظرية ونظام هو فضيلة العدل مبثوثة بشكل بارز في التراث العربي الإسلامي

العرب بحاجة للاتفاق على نوع الديمقراطية الصالحة لمجتمعاتهم في الحاضر والمستقبل القريب.

أهمية الخروج من تحت عباءة المركزية الحضارية النيوليبرالية الرأسمالية الغربية المتوحشة وإملاءاتها وأخطائها التاريخية.

*     *     *

لقد بيّنا عبر الأسابيع الماضية في عدة مقالات عدم وجود نظام ديمقراطي واحد، بكل منطلقاته النظرية وتطبيقاته، صالح لكل دول العالم، بسبب تأثيرات التاريخ والتراث والثقافة والبنى الاجتماعية، في كثير من تفاصيل الديمقراطية، وبالتالي في حاجة العرب للاتفاق على نوع الديمقراطية الصالحة لمجتمعاتهم، في الحاضر والمستقبل القريب.

كما بينا أفضلية أن يكون المنطلق الأساسي للديمقراطية المتبناة في بلاد العرب مبدأ العدالة، بعد أن أظهرت تجارب العديد من الدول الغربية الديمقراطية، أن مبدأ الحرية الليبرالية كمنطلق لديمقراطيتهم، ومن دون أن يحكمة مبدأ العدالة ويعلو عليه، قاد إلى مشاكل وأزمات في حقول الاقتصاد والسياسة والسلم الأهلي والأخلاق والأوضاع النفسية الجمعية.

وها أن ما نراه من أزمات خطرة في مسيرة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول أوروبا وآسيا، تشير إلى وجود خلل في المنطلقات الأساسية لتلك الديمقراطيات.

السؤال المنطقي الذي يحتاج إلى إجابة واضحة بالنسبة لنا كعرب هو، عن أي عدالة نتكلم؟ ما مصادرها وقيمها وتطبيقاتها في الواقع؟ وما نوع علاقتها بالديمقراطية؟

هذا موضوع كبير ومطروح على مستوى العالم منذ زمن طويل من قبل الفلاسفة والمفكرين في أمور السياسة والاقتصاد، ويعاد طرحه بقوة في الوقت الحاضر، بعد أن دخل العالم عدة أزمات عولمية، وعلى الأخص في الاقتصاد، أو في مواجهة وباء غريب معقد كوباء كورونا.

وقد تعددت تعريفات العدالة وتطبيقاتها والتزاماتها القانونية، وارتباطاتها بالأخلاق وقيم الفضيلة، عند أولئك الكتاب والفلاسفة، والأمر نفسه يجده الباحث في التراث العربي، والمعالجات العربية الحديثة لموضوع العدالة.

فالعدالة عند العرب ارتبطت بحميمية بمجموعة من القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، مثل المساواة في الخلق والقيمة البشرية، والحق والقسط والميزان، والإنصاف والتقوى والإحسان، والمحبة وتحكيم الضمير، والسعادة والوسطية بلا إفراط ولا تفريط.

هذا الترابط الوثيق بين العدالة وكل القيم الأخلاقية والفاضلة، يختصره المفكر الأمريكي جون رولز، والفرنسي بول ريكور باستمرار بمقولة «العدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية، كالحقيقة بالنسبة لأنساق الفكر».

ويحسب للحضارة العربية الإسلامية اهتمامها المتميز بموضوع العدالة قبل الحضارة الغربية بعدة قرون، من خلال أطروحات »أهل العدل والتوحيد» (المعتزلة) الكلامية.

ومع أن الطرح المعتزلي ركّز كثيرا على إثبات التنزيه الإلهي عن الظلم، ولم يعط الاهتمام الكافي التفصيلي للقانون والمؤسسات القانونية كأدوات تفعيل للعدل في المجتمعات، إلا أن المعتزلة، أبرزوا أهمية ما يعرف الآن بالحق الطبيعي، وشتى جوانب التساوي في الإنسانية، والنتيجة أن المعتزلة جعلوا موضوع العدل الإلهي والإنساني موضوعا عاما، تداوله رجالات الحكم والفقه والفلسفة عبر سنين طويلة.

ولو قيض للمدرسة المعتزلية الاستمرار لسُدت الثغرات، ولساهم العرب في ترسيخ نظريات العدالة، التي لا تقل عما جاء بها فلاسفة مثل كانت وروسو ورولز وغيرهم.

ولمن يريد أن يعرف الغنى الذي وصلت إليه مناقشات موضوع العدالة في التراث العربي، عليه أن يقرأ مدينة الفارابي الفاضلة التي سبق مؤلفها غيره في القول بأن واجب من يحكمها هو ضمان حق الحياة وحق السعادة، التي لا تقل روعة عن جمهورية أفلاطون الفاضلة، أو أن يقرأ أقوال الفقيه أبي القاسم الأصفهاني، حول أهمية ومعاني العدالة من منظور ديني بالغ التقدم.

ملخص القول إن مفكري الحضارة العربية الإسلامية، أعطوا اهتماما كبيرا لموضوع الأخلاق، قيما وفضائل وممارسات، ثم انتقلوا إلى إعطاء أهمية كبرى لفضيلة العدل، التي وجدوها مبثوثة في النصوص القرآنية، كمواجهة وعلاج لرذيلة الظلم، من خلال الإعلاء الكبير للتكافل الاجتماعي، وللحرية والمساواة الإنسانية الشاملة، والتسامح في السلوك، والقصاص والحكم بالقسط والنهي عن ممارسة البغي.

وما نود أن نصل إليه هو أن أهم أساس للديمقراطية، كنظرية ونظام، وهو فضيلة العدل، مبثوثة بشكل بارز في التراث العربي الإسلامي. وإذا كنا نتفق مع استنتاج هيئة الأمم بأنه لا يوجد نظام ديمقراطي واحد يصلح لكل المجتمعات، وذلك لارتباط الديمقراطية بتاريخ وتراث وثقافة وعقائد المجتمعات، فاننا نستطيع القول بأن الإنطلاق من فضيلة الفضائل.

أي العدل، بصيغ صالحة لعصرنا العربي ولحداثتنا المطلوبة، سينسجم مع تراثنا وثقافتنا، وبالتالي سيجعل الإنتقال إلى الديمقراطية مطلبا مجتمعيا واسع الانتشار وأكثر قبولا وأقل لغطا وثرثرة.

وحتى لا تلتبس الأمور فإن هذا الاستنتاج، القابل للمناقشة والمراجعة، لا يعني إطلاقا التقليل من أهمية المنطلقات القيمية والأخلاقية الأخرى، مثل الحرية والأخوة والمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان الكثيرة الأخرى.

وأخيرا لنؤكد على أهمية الخروج من تحت عباءة المركزية الحضارية النيوليبرالية الرأسمالية الغربية المتوحشة وإملاءاتها وأخطائها التاريخية.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

التراث العربي، الديمقراطية، العدالة، المعتزلة، القيم الدينية والأخلاقية، الإنسانية، المساواة، الحق والقسط ، الميزان،