عام من النكسات فلسطينيا.. هل يختفي مبدأ حل الدولتين إلى الأبد؟

السبت 26 ديسمبر 2020 02:40 ص

يواجه الفلسطينيون حاليًا الاحتمال المتزايد بفرض إسرائيل لحل الدولة الواحدة في وقت ينشغل فيه العالم بأولويات إقليمية أخرى، بعد أن أدى السلوك الإيراني، إضافة إلى تنامي التطبيع العربي الإسرائيلي، إلى تراجع إقامة الدولة الفلسطينية إلى ذيل الأولويات خلال العام الماضي.

وقد خلق ذلك مساحة لإسرائيل، التي أصبحت أكثر قومية من أي وقت مضى، لتنفذ سياساتها بشكل أكثر حرية، ومع التقدم نحو العقد المقبل، سيضطر الفلسطينيون إلى الاختيار بين تحويل التركيز إلى تجنيسهم داخل إسرائيل، أو تبني نهج الانتظار والترقب على أمل أن تستعيد قضيتهم أهميتها السابقة.

ومع ذلك، فإن القبول بأي شيء أقل من إقامة الدولة سيخاطر بإثارة موجة أخرى من الاضطراب، وسيخاطر أيضا بربط المستقبل السياسي للفلسطينيين باستقرار المناخ الجيوسياسي في المنطقة.

عام من النكسات

تسبب العام الماضي المضطرب في انزلاق القضية الفلسطينية إلى ذيل الأولويات الإقليمية؛ ففي يناير/كانون الثاني، أدت الحرب الإقليمية التي كادت تنشب بين الولايات المتحدة وإيران، إلى جعل إيران وليس فلسطين مركز الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.

وفي الشهر نفسه، كشفت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أيضا عن خطتها للسلام، التي مكّنت للتوسع الإسرائيلي.

وبعد ذلك، في النصف الأخير من العام، وافقت كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على التطبيع مع إسرائيل دون اشتراط مسبق بإقامة دولة فلسطينية.

حتى إن انتخاب إدارة أمريكية أقل صداقة لإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني لم يقدم سوى القليل من العزاء للفلسطينيين؛ حيث لم يشر الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" بعد إلى أنه سيضغط على إسرائيل للتراجع عن مكاسبها على الأرض التي حققتها في عهد "ترامب".

كما لا توجد مؤشرات تذكر على تغير المساعي التي همشت القضية الفلسطينية؛ حيث تظهر استطلاعات الرأي العام أن مواطني الخليج العربي يفقدون الاهتمام بالموضوع، وفي الوقت نفسه أثبت الأوروبيون عدم رغبتهم في الذهاب إلى ما هو أبعد من الرد الرمزي ضد الاستراتيجيات الإسرائيلية.

ولا يبدو أن هناك أي قوة أخرى -بما في ذلك تركيا وروسيا والصين- مستعدة للتصعيد ضد التعدي الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.

خيار الدولة الواحدة

بالنظر إلى هذا الدعم المتضائل لإقامة الدولة الفلسطينية، سيكون الفلسطينيون أقل قدرة على الاعتماد على القوى الخارجية للضغط على السياسات الإسرائيلية.

وستواصل الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتعاقبة توسيع المستوطنات عبر المزيد من عمليات الضم الرسمية أو غير الرسمية.

وستؤدي هذه الشبكات المتعمقة من الطرق السريعة والمستوطنات التي تسيطر عليها إسرائيل، بدورها، إلى عزل البلدات والمدن الفلسطينية عن بعضها البعض بشكل متزايد.

السؤال إذن هو كيف سيكون رد فعل الفلسطينيين؟ قد يكون الشباب الفلسطيني أكثر انفتاحًا على حل الدولة الواحدة، لا سيما أنه يبدو خيارًا أكثر قابلية للتطبيق، ومن شأنه أن يسمح لهم بالوصول إلى الاقتصاد الإسرائيلي وفرص السفر، وبعضهم أكثر علمانية من آبائهم وأجدادهم، وبالتالي أقل ارتباطًا بالمثل الإسلامية والقومية التي ساعدت على تأجيج النضال ضد إسرائيل، فيما نشأ آخرون على خلفية عدة انتفاضات وعقود من الاحتجاجات والاضطرابات التي أخفقت في دحر السيطرة الإسرائيلية.

وبما أن المشروع الوطني الفلسطيني يبدو أقل قابلية للتطبيق، فقد يكون الجيل القادم من الفلسطينيين أكثر استعدادًا  للضغط من أجل التجنيس باعتباره أحد خياراتهم المتبقية، ومع ذلك، سيواجهون كتل متشددة بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية اليمينية.

لن تتخلى الفصائل الفلسطينية مثل "حماس" بسهولة عن مبادئها.

وبغض النظر عن مدى الشعبية التي قد يكون عليها حل الدولة الواحدة لدى الجمهور الفلسطيني، فمن المرجح أن تتشبث هذه الفصائل بمواقفها لأن التخلي عن ذلك يعني نهاية وجودها كقوى سياسية ومقاتلة.

علاوة على ذلك، فإن الجناح اليميني في إسرائيل، المدعوم بشبابه القومي، لن يقبل بسهولة تأميم كامل الأراضي الفلسطينية خوفًا من الإضرار بنفوذه السياسي والاقتصادي.

وفي الواقع، إذا تم تجنيس الفلسطينيين بالكامل، فستفقد إسرائيل على الفور أغلبيتها اليهودية، حيث يشير انخفاض معدلات المواليد بين الإسرائيليين اليهود العلمانيين إلى أنه في مثل هذه الدولة ثنائية القومية، سيمثل العرب نسبة مئوية أكبر من السكان الإسرائيليين؛ مما يهدد الطابع اليهودي لإسرائيل مستقبلا.

وعندما يواجه الفلسطينيون مقاومة لتجنيسهم في موطنهم وفي إسرائيل، سيصابون بالإحباط بشكل متزايد، مما يخاطر باندلاع المزيد من الانتفاضات.

لكن على عكس انتفاضات الثمانينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي جاءت بشعور من التعاطف الدولي المتزايد مع القضية الفلسطينية، فإن الانتفاضات العنيفة في المستقبل سيكون لها دعم دولي أقل، ولا سيما في العالم العربي.

كما أنهم سيواجهون جهازا عسكريا وأمنيا إسرائيليا قام ببناء الجدران، ووضع منظومات مراقبة واسعة النطاق، ورفع مستوى تكتيكاته المناهضة للتمرد منذ الانتفاضة الأخيرة في عام 2000، وبالتالي من غير المرجح أن تصنع أي انتفاضة جديدة فارقا في إقامة الدولة الفلسطينية.

انتظار فرص أفضل

وفي ظل الأوضاع الحالية، قد يكون من الأفضل للفلسطينيين انتظار تحسن الظروف الدولية والإقليمية، حتى تستعيد قضيتهم في يوم من الأيام مكانتها العالمية السابقة.

وإذا بدأ المناخ الجيوسياسي في المنطقة في الاستقرار على خلفية اتفاق نووي آخر مثلا أو اتفاق شامل مع إيران، فقد يكون للفلسطينيين حلفاء مرة أخرى للضغط على إسرائيل لحل النزاع.

ويمكن لدول الخليج العربي، على سبيل المثال، الاستفادة من علاقات التطبيع الاقتصادية والأمنية مع إسرائيل للضغط نيابة عن الفلسطينيين في المستقبل.

كما قد تعطي الولايات المتحدة -مع الابتعاد الأيديولوجي لتوجهها الديموجرافي الليبرالي عن إسرائيل- الأولوية أيضا للقضية الفلسطينية مرة أخرى.

وقد تجعل احتمالية استقرار الشرق الأوسط الاتحاد الأوروبي أكثر استعدادا للمخاطرة بعلاقاته الأمنية مع إسرائيل للضغط من أجل التغيير في الأراضي الفلسطينية، بهدف تقليل مخاطر اللاجئين والإرهاب.

وقد يتمكن الفلسطينيون يوما ما من استخدام الدبلوماسية مرة أخرى لتسوية وضعهم النهائي، لكن مع وجود الكثير من الغموض في المنطقة والعالم، سيبقى المستقبل السياسي للدولة الفلسطينية غامضا كذلك.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التطبيع العربي الإسرائيلي حل الدولتين القضية الفلسطينية جو بايدن إدارة ترامب

إندونيسيا.. تطبيع إسرائيلي مع دولة إسلامية خامسة قبل انتهاء ولاية ترامب